هو شديد البساطة، علمه عشق السينما أن يعمل ويبدع ويثير الإعجاب ويفجر
المفاجأة، يصنف من جيل عباقرة الديكور في الفن السابع، عندما يتحدث تجد
كلماته مشوبة بالحكمة والفهم والحب للآخرين، يحركه الفكر رغم زحف السنين
وتغير الأحوال، تلقاه دائماً في منتهى الحيوية والإصرار والتفاؤل، يأخذ
الأمور بعفوية مذهلة، وقدر عال من القناعة والرضا.
صلاح مرعي فنان الديكور الكبير، حفر اسمه عبر سنوات طويلة في قائمة
أهم مبدعي السينما المصرية والعربية، تتلمذ على يد أستاذه الفنان شادي عبد
السلام، شاركه في تصميم ورسومات فيلم «أخناتون»، كما شارك في تنفيذ الديكور
وإكسسوارات فيلم «المومياء». بدأت مسيرته مع مطلع الستينات من القرن
الماضي، وقدم للشاشة الفضية عدداً من الأفلام ستبقى طويلاً في ذاكرة
السينما مثل: «أغنية على الممر». و«أبناء الصمت»، و«الجوع»، و«زيارة السيد
الرئيس» و«قليل من الحب كثير من العنف»، و«عفاريت الأسفلت»، و«بحب السيما»،
و«ألوان السما السابعة»، و«احنا اتقابلنا قبل كده». حصدت أعماله عشرات
الجوائز وشهادات التقدير، وكان آخرها جائزة أفضل ديكور لعام 2008، هو أستاذ
مادة تصميم المناظر وتاريخ العمارة في معهد السينما.. حول عالمه الإبداعي
وتجربته كان لـ « الحواس الخمس» معه اللقاء التالي:
·
بداية، كيف اكتشفت موهبة تصميم
الديكور لديك؟
تعلقت في البداية بالعمارة، وكان حلمي أن أصبح مهندساً معمارياً،
ونظراً لأنني من أبناء الأقاليم، حيث كنت أقيم في مدينة المحلة الكبرى، فلم
أعرف أن الالتحاق بكلية الفنون الجميلة يتطلب امتحانات خاصة، وعلمت ذلك
بالصدفة بعد انتهاء الامتحانات. وفي تلك الأثناء قرأت إعلاناً عن أول دفعة
للمعهد العالي للسينما، وعلمت أنه يتضمن قسماً خاصاً بالديكور، وبدأت
أتساءل: «يعني إيه ديكور»، وعرفت أن الديكور مطابق للعمارة، فتقدمت
للاختبارات ونجحت، وكان المشرف على الاختبار مهندس الديكور الكبير الراحل
ولي الدين سامح.
·
متى بدأت علاقتك الفعلية
بالسينما؟
كان ذلك أثناء الدراسة في المعهد، من خلال نوادي السينما في القاهرة
وأسابيع الأفلام،التي كانت تقيمها المراكز الثقافية. إذ انني منذ صغري
تستهويني السينما، خصوصاً التي تعتمد على الجمال والفن، وبدأت بالفعل العمل
في السينما كمهندس ديكور عام 1964، من خلال فيلم «الحياة حلوة» للمخرج حلمي
حليم، وكان عمري وقتها 22 عاماً.
فنان في حياتي
·
من كان له التأثير المباشر عليك
كمهندس ديكور؟
الراحل شادي عبد السلام، حيث كان أستاذي في المعهد، ووقتها كان
مشغولاً بتصميمات فيلم «واسلاماه» في استوديو النحاس المجاور للمعهد، وكنت
أذهب إليه وانبهرت بتصميماته لدرجة أنني طلبت منه أن أراه، وهو يعمل في
«الأتيلييه» الخاص به، ومن هنا بدأت علاقة الصداقة تتوطد بين التلميذ
وأستاذه.
حيث عملت معه فيما بعد كمساعد في التصميم، وليس في التنفيذ حيث تحولت
الصداقة إلى زمالة خاصة، بعد أن أصبح مخرجاً، فقبل إخراجه «المومياء»
بسنوات انقطع عن العمل بالديكور، وتفرغ لكتابة سيناريوهات الأفلام، ونفذت
معه كمهندس ديكور فيلم المومياء، ثم تابعت معه مشروعه الكبير فيلم
«أخناتون» الذي لم ينفذ رغم اكتماله تماماً، وبقي الفيلم حبيس الأدراج بعد
وفاة مبدعه شادي عبد السلام.
·
أعلنت بعد وفاة شادي عبد السلام
عن تصديك لإخراج فيلم «أخناتون»، فإلى أين وصل هذا المشروع؟
لا تزال مشكلة التمويل تحول دون خروج هذا الفيلم إلى النور،
والمشروعات السينمائية عموماً تخضع للحظ، فمن الممكن أن تنفذ في أي لحظة،
ومن الممكن ألا تنفذ أبداً، وعموماً أنا سلمت كل اسكتشات الفيلم التي رسمها
شادي بنفسه مع سيناريو العمل إلى مكتبة الإسكندرية، باعتبارها وثائق مهمة
للتاريخ، يجب الحفاظ عليها.
استثناء وحيد
·
قلت إن الديكور الجيد يستمد روحه
من السيناريو، فهل ترى أن مصممي الديكور الآن يتبعون هذا المنهج؟
للأسف لا.. والاستثناء الوحيد هو مصمم الديكور أنسي أبو سيف، الذي
يدرك تماماً ماهية الديكور وجوهره، أما الآخرون فنراهم يغرقون في التفاصيل
المقحمة التي ليس لها علاقة بجوهر العمل.
مثلاً، إذا كان هناك بيت في الريف، نجد مصممي الديكور كلهم يضعون
«مشنة» أو «زلعة» أو قش الذرة، وربما لا يكون ذلك مرتبطاً بالدراما، ما
يحدث «شوشرة» لا معنى لها، لكن إذا نظرنا إلى مشهد في فيلم «المومياء» في
بيت ريفي أيضا، لا نرى أية ملامح للريف سواء بط أو ماعز أو خراف، لأن
التركيز الأساسي حول المشهد، والذي يمثل صحوة ضمير نحو التراث والتاريخ،
ويحمل موضوعاً فلسفياً بعيداً عن مشكلات، أو شكل الريف السطحي الذي يقف
عنده مصممو الديكور الآن، بعيدا عن روح السيناريو.
·
ما عوامل نجاح مصمم الديكور؟
يجب أن يكون واضحا ومحددا، لأننا نعمل في وسط لديه مسلمات وأعراف
وتقاليد ثابتة، كذلك يجب على مصمم الديكور أن يكون مثقفا في شتى المجالات
كالعلوم والفنون والتاريخ والعمارة، ولديه حس تشكيلي وتصورات خاصة بالبناء
والإضاءة، ويلم بأسس الدراما والإيقاع والحركة، ويتمتع بموهبة القيادة
والسيطرة على فريق العمل، فأي عمل يتطلب الوعي بتاريخه وبيئته والثقافة
السائدة وانعكاسها على الناس وتقاليدهم ومعتقداتهم، بالإضافة إلى الذوق
والمقدرة على التصميم.
·
ما حجم الإضافة التي يقدمها
مهندس الديكور إلى العمل الفني؟
السينما عمل جماعي، وبالطبع لمهندس الديكور رؤيته، خاصة أنه المسؤول
عن اختيار مكان التصوير، وله مسؤولية الجزء البصري، بالاشتراك مع مدير
التصوير كما أن اختصاصاته بالإضافة إلى الديكور الإشراف على الملابس
والإكسسوار، فمثلا في فيلم «المومياء»، كان الموضوع وحده كفيلاً، بصنع فيلم
عالمي لكن الديكور والملابس، شاركا بشكل كبير في إبراز الفكرة.
وحدة المكان
·
هل يمكن أن يكون «الكمبيوتر
غرافيك» بديلاً للديكور؟
بالطبع.. لكن مشروطاً بوحدة المكان والضوء. لأن استخدام التكنولوجيا
الحديثة وارد، لكن الموضوع يرجع إلى خيال الفنان، والإمكانات المادية التي
تحد من الإبداع.. ومن الممكن في بعض الحالات أن يكون الغرافيك أفضل وينافس
إبداعات مهندسي الديكور.
·
ما الفرق بين الديجيتال وكاميرا
السينما بالنسبة للديكور؟
يكفي أن تعرف أن تكلفة كل ثلاث دقائق تصوير للسينما تساوي 1800 جنيه،
وهذا يعادل ساعة تصوير ديجيتال، بمعنى أن الديجيتال أوفر كثيراً. والذين
صنعوا كاميرا «الديجيتال»، كتبوا عليها أنه لكي تصور للسينما، يتطلب ذلك
إجراء تجارب لتحقيق المعادلة مع الصورة السينمائية، لأن الديجيتال الأعمق
لديه مثل كاميرا السينما، لذا يجب استخدام ألوان صريحة وإضاءة مناسبة،
للوصول إلى المعادلة السينمائية.
·
ما الفرق بين مهندس الديكور
ومنسق المناظر والمشرف العام على الفيلم؟
هذه المسميات لها علاقة بتقاليد العمل من بلد إلى آخر، ففي أميركا
وانجلترا يشترط الخبرة، فيوكل إلى كبير مهندسي الديكور مهمة الإشراف على
الفيلم، حيث يبدأ من عنده كل ما هو معماري، وما له علاقة بالصورة من
إكسسوار وفرش وستائر وأقمشة وملابس وماكياج، ثم يأتي في المرتبة الثانية
منسق المناظر، ومصمم الملابس، والمخرج الفني الذي يعتبر المسؤول الأول عن
اختيار أماكن التصوير.
وجهة نظر
في فترة ما هجرت السينما المصرية الديكورات إلى الشارع، فهل هذا توفير
للنفقات أم لغرض فني؟
ليست هجرة، بل وجهة نظر بدأها جيل محمد خان وخيري بشارة وداوود عبد
السيد، عندما شعروا بأن الديكور نمطي والنمطية تقتل الإبداع، وتصادف أيضاً
أن صناعة السينما، كانت تمر بأزمة تمويل، وكان الحل هو الخروج إلى الأماكن
الطبيعية كنوع من التوفير.
لكن حالياً عادت الأفلام إلى بناء الديكورات، بعد ظهور نوع من
الابتكار في خامات الديكور، لأن خروج السينما إلى الشارع، جعل مهندس
الديكور يلجأ إلى الوسائط البديلة، للوصول إلى الواقع ومنافسته، كما أن
التجربة أثبتت فشلها، لأن الخروج إلى الشارع أظهر عقبة استحالة التصوير
بحرية، نظراً للتجمع البشري الذي يفسد جماليات المشهد. وأذكر في أثناء
تصوير مشهد من فيلم «الساحر» في أحد أحياء مصر القديمة.
وكان الشارع نموذجاً لخيال المخرج، تجمع حولنا أكثر من ألف طفل حجبوا
الرؤية تماماً، لدرجة أننا اختصرنا عمق المشهد إلى أقصى درجة، وأفسد ذلك
خيال المخرج المنشود، بالإضافة إلى أن تسجيل الحوار في الشارع، يكاد يكون
مستحيلاً نظراً للضوضاء، ولهذا عادت السينما إلى الديكورات.
ما رأيك في الجيل الحالي من مهندسي الديكور؟
لدينا جيل متميز منهم عادل المغربي، وهو يقدم الجديد دائماً، ولا يكرر
أفكاره، ومحمد فوزي العوامري الذي يتمتع بموهبة لافتة، ويبحث عن تقنيات
جديدة في التنفيذ، ومحمود بركة، ومحمد أمين، ومحمد همام، وخالد أمين وكلهم
تلاميذي.. وفي الجيل الأحدث هناك شيرين فرغل وأحمد عزت وغيرهما.
البيان الإماراتية في
08/03/2009 |