«المصارع» و«النهر المتجمد» مرشحان للاوسكار
بغض النظر عن النتيجة التي ستخرج بها مسابقات الأوسكار للعام الحالي،
واحتمال فوز ميكي رورك وميليسا ليو بجوائز أفضل ممثل وممثلة عن أدائهما في
فيلمي «المصارع» و«النهر المتجمد» فإن ترشيحهما في حد ذاته يعد إنجازا
للسينما الأميركية المستقلة وللاتجاه الذي يسعى الى الاقتراب من روح
السينما الأوروبية.
يؤدي الممثل ميكي رورك دور بطل مصارعة حرة سابق، سطع اسمه في عالمها وحظي
بشهرة ومجد كبيرين. ومع الزمن وإثر خسارات متلاحقة، تلاشى وهجه ونسيه الناس
بعدما أخذ موقعه أبطال آخرون. المخرج دارين أنوفيسكي يعود بعد عشرين عاما
ليراقب حياة هذا البطل الذي كان يلقب في أعوام تألقه بـ«المكبس» وكيف تحول
الى مصارع عادي يؤدي أدوارا شبه مسرحية، على قاعات محلية صغيرة للمصارعة
تحولت الى صالات للمراهنة أكثر منها قاعات رياضية، ليحصل مقابلها على مبلغ
من المال لا يكفي لسد رمقه، ولا يغطي تكاليف ايجار سكن لائق به، فيتخذ من
عربة نقل «كرافان» في العراء مسكنا له. وكي يقاوم الضغط النفسي والجسدي،
نراه يكثر من استخدام المنشطات والمخدرات فيرهق جسده ويدمره شيئا فشيئا.
ومع هذا يظل المصارع (راندي روبنسون وهذا هو اسمه في الفيلم) يتمتع بروح
مرحة ولطف دائمين لا يعكرهما عنف الحلبات ولا حزن الوحدة والانكفاء. وعليه
فنحن في «المصارع» نرافق رياضيا، وانسانا عاديا لا يشبه رامبو ولا غيره من
الأبطال الأميركيين الخارقين. انه كائن، كان يوما نجما فهوى، وكان عليه
متابعة حياته والتأقلم معها. على هذه الجوانب اشتغل أنوفيسكي، ليجسد حياة
إنسان سيئ الحظ، يشبه الملايين في تمزقه وسوء علاقاته بعائلته. ومن هنا
تغدو حياته وتفاصيلها مدعاة لحزن عميق. فكل الذين يعرفهم سيبتعدون عنه، حتى
ابنته لم تعد لها علاقة به. وبعد مسعى كبير يوفق في مقابلتها، فهو يريد
صادقا مصالحتها، لكن الحظ يتدخل في غير صالحه ويغير كل شيء. وبعد إصابته
بنوبة قلبية حادة نتيجة الإرهاق الشديد، يجد البطل نفسه وحيدا ومريضا،
فيقرر وضع حد لحياته عبر عودته مجددا الى حلبة المصارعة. بصمت وبمساعدة
المنشطات يقرر مجابهة أحد الأبطال الذين هزموه سابقا، يتفق معه على بعض
الحركات العنيفة لإقناع الجمهور بحقيقة الصراع بينهما. بعد ضربات متوالية
يتلقاها من غريمه يقرر راندي القيام بحركة نهائية تقنع المتفرجين وكأنها
الحاسمة في كسب الجولة. في قفزته الأخيرة يهمد جسده وتنتهي حياة نجم سطع
يوما وهوى مثل حجر. وأداء رورك في المصارع يضعه بين كبار الممثلين، ورغم
انقطاعه الطويل عن العمل فإن عودته في هذا الشريط كانت كافية لإقناع حكام
الأوسكار بجودة الدور الذي لعبه والتي حسب رأينا يستحق عنها بجدارة جائزة
أفضل ممثل، بعد ان أقنعنا بأننا نتابع حياة بطل مصارعة حقيقي، بكل معنى
الكلمة، بطل مجسد أمامنا جسديا وإنسان محطم روحيا.
صراع الأمهات
بالروحية نفسها، تجري أحداث فيلم «النهر المتجمد»، في مناخ شتوي شديد
البرودة معزول ومكفهر بالقرب من المنطقة الفاصلة بين الحدود الكندية
والولايات المتحدة الأميركية. في هذه البقعة تجري عمليات تهريب للبشر لم
يعرف الناس عنها الكثير، فكلنا تقريبا، نسمع عن عمليات تهريب للبشر بين
شمال أفريقيا وآسيا وبقية العالم، أو بين المكسيك وجارتها الغنية. أما هناك
في تلك المنطقة المعزولة والمنسية من المشهد الإعلامي فيبدو الأمر غريبا!
ولهذا السبب يسعى فيلم «النهر المتجمد» للانتماء الى سينما الأميركية تريد
الاقتراب من السينما الأوروبية، هذا عدا انتماء الشريط الى مدرسة السينما
الأميركية المستقلة أصلا. السينما التي تبحث في طبيعة الكائن البشري،
السوي، وتسلط الضوء على مشكلاته اليومية. سينما لها أبطالها، لكنهم من نوع
مختلف عما تقدمه هوليوود. فبطلة النهر المتجمد راي (الممثلة ميليسا ليو،
المرشحة عن هذا الدور للأوسكار) تعاني من مشاكل معيشية حادة، لا يكفي عملها
بنصف دوام شهري من تغطية نفقات بيتها وطفليها. كما أنها مهددة بفقدان بيتها
المتنقل (من البناء الجاهز) إذا لم تدفع في الوقت المحدد أقساطه التي أخذها
زوجها المدمن على لعب القمار معه، عندما تركها مع طفليها وهرب من بيته. في
«النهر المتجمد» نتابع بؤس وفقر راي وازدياد توترها، مع اقتراب أعياد
الميلاد، وحاجتها الماسة الى توفير المال لتشتري به هدايا لأطفالها. عالم
من فقر الأميركيين البيض، غير معروض بهذه الطريقة والوضوح سابقا، وهذا ما
يحسب لمخرجه كورتني هانت، الذي يجازف بمستقبله وهو يتطرق الى موضوع شائك في
أول عمل روائي طويل له. حبكة الفيلم تتمحور حول علاقة راي وشابة هندية
أصلية اسمها ليلى (الممثلة ميستي أوفام) تسكن عربة (كارافان) وحيدة، تركت
ابنها في رعاية أمها، وكان عليها تدبير مبلغ إضافي لها عن طريق تهريب البشر
بين كندا وأميركا.
في إحدى المرات وبعد تصادم بينهن تعرض الهندية عليها مشاركتها في عمليات
التهريب كونها بيضاء والشرطة لا تشك فيها كثيرا! ولأنها تحت ضغط الحاجة
توافق راي وتبدأ العمل معها. وبدون حركات «أكشن» ومطاردات بوليسية يتم
الكثير من عمليات التهريب، لكن، وفي احدى المرات، وفيما هن منشغلات بعملية
تهريب عائلة باكستانية، لاحظن شرطيا يتابع سيارتهن، ما يضطرهن، لتفادي خطر
انكشاف أمرهن، الى رمي حقيبة المهَربين خارج السيارة. حين يصلن الى نقطة
تبادل المهربين تبدأ، فجأة، الأم الباكستانية بالبكاء والصراخ، تفهم
المهربتان من خلاله ان طفلها الرضيع كان موجودا في الحقيبة المرمية. تهرع
راي للبحث عنها وفي مخاطرة شديدة ترجع الى المكان نفسه الذي تركوا فيه
الحقيبة لتجد الطفل في داخلها. بعد إرجاعها الطفل تكون الشرطة قد اكتشفت
أمرهم، وتبدأ راي وليلى إثره التضحية كل منهما بنفسها من أجل حماية أطفال
الثانية. وفي الختام تقرر راي الاعتراف بجرمها أمام الشرطة، لتتلقى حكما
قضائيا مخففا وتحمي صديقتها وابنها من التشرد.
لعبت ميليسا ليو دورا مدهشا في هذا الشريط. عبرت عن قوتها وضعفها بطريقة
مقنعة وتحركت في المكان بعفوية أعطت الفيلم مصداقية ووضعته بين الأفلام
الجيدة، واستحقت بجدارة الترشيح لنيل جائزة أفضل ممثلة في مسابقات
الأوسكار، محققة للسينما المستقلة نجاحا معتبرا، يشجع المنتمين إليها على
مواصلة العمل لإنتاج أعمال سينمائية تحاكي الواقع وتستمد مادته منه.
دورة عن الفيلم الوثائقي
تنظم كلية السينما والتلفزيون المستقلة في بغداد دورة مجانية عن «الفيلم
الوثائقي» في الفترة الواقعة بين 5 آذار (مارس) و15
aأكاديمية الفنون الجميلة ومعهد الفنون الجميلة
وورش والشباب الذين يملكون خبرة في مجال الإخراج والتصوير والمونتاج ولديهم
الرغبة في تطوير خبراتهم، كما تشمل شركات الإنتاج المستقلة في القطاع
الأهلي.
يشرف على الدورة المخرجان قاسم عبد وميسون عدنان، ويتضمن برنامجها دراسة
الأسس النظرية وعملية الإخراج وتصوير الأفلام الوثائقية. يذكر ان كلية
السينما والتلفزيون المستقلة هي مؤسسة تعليمية (غير حكومية وغير ربحية)
تهدف الى رفع المستوى الفني والتقني للفنانين العراقيين في مجال السينما
والتلفزيون بقصد المساهمة في عملية بناء المجتمع المدني العراقي الحديث.
الأسبوعية العراقية في
01/03/2009 |