فيلم الفنان التشكيلي الإيطالي «كارافاجيو» شهدته القاهرة مؤخرا من
خلال مهرجان السينما وفيلم «كرافاجيو» من الأفلام التي تحتاج إلي إنتاج ضخم
لما تحمله تلك المرحلة منذ القرن 15 أو بداية عصر النهضة من أزياء مميزة من
طراز ذلك العصر وأيضا الديكور والاكسسوارات والضوء وأماكن التصوير وتوثق
إيطاليا بهذه الأفلام مرحلة مهمة من تاريخ حضارتها الهائلة وقد قام بإخراج
الفيلم المخرج الإيطالي «أنجيلو لونجوتي» وقام بكتابة السيناريو «جيمس
كارينجوتن» وقام بدور الرسام «كارافاجيو» الممثل الإيطالي «اليسيوبوني» « »
والممثلة الإيطالية «كلير كيم ولد كارافاجيو أو « - » «1573 - 1610» وشهرته
كارافاجيو قرب برشيا في إقليم لومبارديا وتلقي تدريبه الأول في ميلانو، ثم
رحل من بلدته إلي روما قبل أن يبلغ العشرين من عمره حيث أمضي الفترة 1588 -
1591 حالما أن يصبح رساما مشهورا ولم يكن الطريق أمامه سهلا بل كان مليئا
بالصراعات ضد الفقر والمرض ومالبث أن أبدع النزعة «الطبيعية» التي غدت
نقيضا «للنزعة المتكلفة» السابقة. وبدلا من انتقاء الشخصيات البارزة انبري
يصور النماذج المستمدة من الحياة الشعبية التي يخالطها ويقع عليها بصره
مفضلا تسجيل قسمات العامة من الناس وسلوكهم حتي أنه أعجب بفتاة فقيرة من
هؤلاء العامة واتخذ منها موديلا لأعماله وقد كان يري في ملامح وجهها التعيس
والبسيط ما ينشده من تحقيق هدفه وطموحه الفني حتي أنه عرض نفسه للخطر فدخل
في صراع بالمبارزة مع ذلك الشخصي الشرير الذي اعتدي عليها وقام بتشويه
وجهها بضربة سيف فكان لذلك أعمق الأثر في نفس «كارافاجيو» الذي تعاطف
إنسانيا مع المحرومين والمظلومين من البسطاء والعامة المقهورين بتقاليد ذلك
العصر وقد اهتم برسم موضوعات الطبيعة الساكنة من زهور وفواكه كانت تنال
إعجاب الزائرين وخاصة الكاردينال «دي مونت» الذي عمل لديه فترة وجاء مشهد
الاستوديو في الفيلم في غاية الروعة وطريقة إعداد الرسام للألوان وتحضير
العمل وأوضاع الموديلات والدقة والعناية لكل التفاصيل الصغيرة.ومن نماذجه
المبكرة لوحة «باكجوس عليلا» و «ميدوسا» وتكشف كلها عن روح النضارة
والمباشرة والخلو من الاصطناع والتكلف الأكاديمي الشائع في روما آنذاك. أما
التجديد الذي أتي به وأذع صيته وجعل اسمه موضع الجدل والخلاف فلم يكن تطبيق
الأسلوب الواقعي علي الصور الدينية فحسب وإنما إسباغه العمق الدرامي للضوء
والظل علي هذا الأسلوب الواقعي بتسليط الضوء الحاد علي تكوينه الفني وكأنه
كشاف ضوئي مستخدما في ذلك مصباحا معلقا في أحد جوانب مرسمه يلقي ضوءا ساطعا
علي التكوين مضيئا بعض أجزائه تاركا بقية الأجزاء في ظل عميق وهو ما يضاعف
انفعال المتلقي ويشده إلي تأمل التفاصيل. كذلك نلاحظ قناعته من الألوان
الأساسية بلون واحد ونري ذلك في اكتفائه أحيانا بالأحمر الوهاج، وتميزت
لوحاته فضلا عن ذلك بالجمع بين البساطة والشموخ مما جعلها شديدة التأثير في
الحركة الدينية الشعبية خلال عصره.. إلي جانب ذلك ظهرت براعة «كارافاجيو»
في اتقان التصوير والتقليد البارع للأشياء الطبيعية وكان مملوءاً بروح
التفاؤل الذي شاع في ذلك العصر من بساطة وحب للحياة.والموضوعات الدينية
التي سجلها يتمثل فيها الحضور المسرحي للأشخاص وتصويرهم في ذروة لحظاتهم
العاطفية المعبرة عن دخائلهم.وهو بحياته القصيرة عاش عمرا واسع المدي ومن
أعماله التي تستحق أن نتوقف أمامها وتم تصويرها في الفيلم بعناية وفهم عميق
للمشهد والشخصية فقد كان ذلك الفتي الذي قام بدور الموديل في معظم أعمال «كارافاجيو»
ذا شخصية كوميدية وقد كان شديد الجمال حتي تحسبه فتاة وأثناء محاولاته وضع
السحلية في يد هذا الفتي الذي فزع عند رؤيتها وكان عليه أن يمسكها في يده..
وكان مشهدا رائعا.. حيث التقط الرسام تلك اللحظة السريعة والتي برزت في عين
الفتي وحركة ذراعه محاولا الهروب من السحلية وهو ثابت في نفس المكان.وقد
اتسمت هذه اللوحة بالصدق بما فيها من عنف الحركة وتلك التناقضات الحادة بين
الضوء والظل يجعلنا نستنتج أن تاريخ تلك اللوحة يسبق السنوات العشر الأخيرة
من القرن وهي لوحة سابقة لعصرها وقد كان محرك هذا العمل خيبة أمل الفنان في
الحب وهي خيبة الأمل التي حطمت سعادة كارافاجيو الشاب بالإضافة إلي أن هذه
اللوحة أفضل النسخ الثلاثة المعروفة التي صورت هذا الموضوع ورغم بعض العيوب
التي لحقت بها والتي تطلبت إعادة ترميمها. فهي تحمل ملامح البداية الأصلية
لظهور كارافاجيو ويبدو أن هذه الصورة تنطوي علي استعارة أو مجاز، فمن
الواضح أن للسحلية دلالة غير سارة فبعض المصادر القديمة تقول إنها ترمز إلي
الموت ومصادر أخري تقول إنها ترمز إلي الشبق.
جريدة القاهرة في
17/02/2009 |