لا نظن أن هناء عطية ستكون آخر سيناريست في الدراما المصرية، بل ربما
كان فيلمها الأخير خلطة فوزية تتويجا لرحلة طويلة من الكتابة، لكنها في
الوقت ذاته عودة للأصول بالنسبة لهناء عطية تحديدا، لأنها خريجة المعهد
العالي للسينما قسم سيناريو، فكأنها عادت لدار هي أول منزلِ كما يقول
الشاعر . أما جليلة ابنة الفنانة سميرة أحمد فقد كتبت لأمها قصة حياتها في
فيلم بعنوان أفكار وتم الاتفاق علي إنتاجه قريبا، بهذا الخبر تدخل جليلة
حلبة الدراما النسائية كمؤلفة لفيلم سينمائي، لتنضم لقافلة صغيرة جدا من
النساء اللواتي خطون خطوات مازالت محدودة في هذا العالم المتشابك والمتأمل
في كشف حساب السيناريستات المصريات، يلحظ تفوقا للمرأة في مجالات أخري
بعيدا عن مهنة السيناريست كالمونتاج مثلا والإخراج والتمثيل، وبعيدا عن
قضية الأدب النسوي، والإبداع الحريمي يبدو السؤال هنا مقبولا : هل المبدعة
المصرية تري السيناريو فنا عصيا عليها؟ تأسس الجيل الأول من كاتبات
السيناريو المصريات علي يد كوثر هيكل وفتحية العسال وهذا الجيل هو الذي صنع
قيمة المرأة داخل التليفزيون ثم جاء بعد ذلك الجيل الثاني - والكلام
للناقدة ماجدة موريس - ممثلا في نادية رشاد وماجدة خيرالله وظهرت أيضا
كاتبات ولم تتحدد ملامحهن مثل سلوي الرافعي . والحقيقة أن الكاتبات في مجال
الدراما التليفزيونية كن أكثر قدرة علي التقاط قضايا المرأة بصدق وهذا أمر
لا نقاش فيه. وتضرب ماجدة موريس مثلا بمسلسل فتحية العسال هي والمستحيل
والذي ناقش في فترة مبكرة قضية الأمية ؛ حيث أصرت البطلة - صفاء أبو السعود
- علي التعلم ومنافسة زوجها الذي كان ينظر لها بتعالٍ . وكذلك قضايا أخري
مهمة مثل مسألة حرية المرأة في أن تدير دفة حياتها دون وصاية مثل مسلسل
مكان في القلب. ولكن الملاحظ أن إبداع الجيل الرائد من كاتبات القصة
الدرامية سواء مسلسل أو فيلم سينمائي، كن يقدمن المجتمع بشكل عام، بلا فارق
بين قضايا المرأة وغيرها، بل المرأة بالفعل جزء من مجتمعها. - الكاتبة مني
رجب تضيق بهذا التصنيف موضحة أن الدراما الجيدة أو التي بها رسالة أو التي
بها مضمون أو التي تتناول موضوع ما يتعلق بالمجتمع أو بالعلاقات بين النساء
والرجال هي دراما نقيمها بعد ذلك كيفما شئنا من حيث العين النقدية أو تناول
رسالتها ولكن أفضل أن نقول إن كتابات المرأة ذات حساسية خاصة لها خصوصية
معينة.الجيل التالي يضم أسماء مهمة مثل نادية رشاد، سماح الحريري، عزة
شلبي، سامية شكري، مني نور الدين، مني الصاوي، ماجدة خير الله، وغيرهن ليس
من السهل تمييز أعمالهن عن أعمال الرجال، فقد قدمت مني الصاوي مثلا ليلة
عسل و كيد العوالم و الثعالب وهي أعمال حققت قبولا لا بأس به، ولذلك ترفض
معظم السيناريستات فكرة الفارق بين الإبداع الرجالي والحريمي، الكاتبة مني
نور الدين تؤكد أنها بشكل عام ضد التصنيف أو تجزئة الإبداع أيا كان، أفضل
أن نصنف كل عمل علي حدا لإنه في الفن لا يمكن إطلاق أحكام علي الفن أمر
نسبي جدا وكل عمل له خصوصياته فإذا كنا نقول هناك خصوصية معينة للكاتبات
فالمرأة لديها حساسية معينة ولكنها ليست بالضرورة أن نحصرها في حيز ضيق
يجعلها مثل السجينة التي تريد أن تخرج عن الإطار وإلا لكنا أطلقنا علي
الدراما التي يكتبها الرجل وتتناول أموراً فيها علاقة بين المرأة والرجل
إنها دراما نسوية أيضا. الدراما الجيدة أو التي بها رسالة أو التي بها
مضمون أو التي تتناول موضوع ما يتعلق بالمجتمع أو بالعلاقات بين النساء
والرجال هي دراما نقيمها بعد ذلك كيفما شئنا من حيث العين النقدية أو تناول
رسالتها ولكن أفضل أن نقول إن كتابات المرأة ذات حساسية خاصة لها خصوصية
معينة. ممن جذبتهن الكتابة أيضا الكاتبة سامية شكري وهي شقيقة الفنانة ناهد
يسري، ولم تقدم أعمالا كثيرة غير أنها تحولت للكتابة السنمائية مقدمة فيلم
الحجر الداير عام 199م . بينما تمثل الكاتبة والناقدة الكبيرة ماجدة خير
الله ركنا أساسيا في الكتابة النسائية الدرامية - تليفزيون وسينما - لأنها
تعمل بشكل احترافي، بعكس الكثيرات اللائي يكتبن بالصدفة أو بالمزاج او
لأسباب قد تتعلق بفشلهن في مجال آخر، او تتعلق بوجود منتج أو فنان يقبل
تنفيذ ما كتبته الكاتبة، وقد قدمت ماجدة خير الله قائمة طويلة من الأعمال
ربما نتذكر منها زوجة محرمة 91 زوجتي والذئب القاتلة غابة من الرجال الجانب
الآخر من الشاطيء شوادر العفاريت المزاج الستات وجه القمر وحايا تحت
الإعداد لها ريش نعام بعكس كاتبات مثل نهي العمروسي التي قدمت سحر العيون
عام 00م ثم مؤخرا قدمت القصة السينمائية لفيلم صباحو كذب الذي صاغه
السيناريست أحمد عبد الله واخرجه محمد النجار .. كما قامت نهي - وهي خريجة
المعهد العالي للسينما قسم سيناريو عام 90 بالعمل مساعد مخرج للفنان هاني
لاشين ..أيضا السيناريست سماح الحريري قدمت عددا كبيرا من الإبداعات
الدرامية للتليفزيون، ربما نذكر منها بيت الباشا إخراج حسين عمارة، العلوية
الذي دارت حوله مشكلات كثيرة قريبا ولم ينفذ بعد، أحزان مريم لميرفت أمين،
رياح الغدر الذي أخرجه رضا النجار، أحلام لا تنام للفنانة إلهام شاهين،
اولاد عزام لعلي عبد الخالق، هذا التعدد والتنوع يؤكد قدرة المرأة
السيناريست علي فنها، رغم أن سيناريست مثل عزة هيكل تنبهت إلي طبيعة أن
تكون السيناريستات قليلات، لأن الواقع الاجتماعي يجعل المرأة - بتعبيرها -
كائنا لا يهتم إلا بأشياء معينة، دائما ما تحتل سلم اولوياتها، ولقلة الوقت
لا تهتم بغيرها . عزة قدمت فيلما مهماً هو أسرار البنات عام 001م . ورغم
هذا الكم الهائل من الأعمال، فقليلا ما نجد عملا ملفتا أو راسخا يؤكد قيمة
كاتبته، لكنها في الغالب أعمال مقبولة.ربما كانت وسام سليمان أكثرهن حضورا
بأفلامها الثلاثة، حيث قدمت سيناريو أحلي الأوقات عام 004م، ثم سيناريو
بنات وسط البلد 006م ثم في شقة مصر الجديدة 007م تحكي وسام عن اهتمامها
بقضايا المرأة داخل أعمالها قائلة إنه أمر خارج عن إرادتي فكوني امرأة شعرت
بالتقارب مع كل بطلاتي وخبراتهن، بالإضافة إلي أن لي كثيرًا من الصديقات
اعرف عوالمهن ومشاكلهن، لدي هاجس يلح عليَّ كي أعبر عنهن وأفجر قضاياهن
وأحلامهن وآلامهن أيضًا لأنني أشعر بأوجاعهن ومعاناتهن وأجيد التحدث
بلسانهن. كانت بداية وسام سليمان مع المخرجة هالة خليل عام 004م حيث قدمت
فيلم أحلي الأوقات وقام ببطولته حنان ترك، هند صبري، منة شلبي، عمرو واكد،
حسن حسني، خالد صالح، بدأت العمل فيه ولم يكن هناك منتج، ثم عرضته المخرجة
علي العدل جروب فأنتجوه، ونجح رغم اختلافه عن السائد وقتها .. ثم شرعت
بعدها في كتابة فيلمها الثالث «في شقة مصر الجديدة»، لكننها أجلته حينما
عرض عليها المخرج محمد خان آنذاك قصة فيلم «بنات وسط البلد» فتحمست جداً
لكتابة السيناريو والحوار، لكنه تأجل كثيرًا بسبب العراقيل الإنتاجية. لذا
استكملت فيلم «في شقة مصر الجديدة» وعرضته علي أحد المخرجين ورغم حماسه
للقصة إلا أنه تردد في تقديمها فقرأه محمد خان وقرر إخراجه. ولوسام آراء في
أزمة السينما لها قيمتها ؛ تقول لن يصلح حال السينما إلا بتغيير الأوضاع
وتحديدًا إلغاء الحالة الاحتكارية التي سيطرت علي المشهد السينمائي سواء
إنتاجًا أو توزيعًا، لأنها تمنع ظهور التجارب الجديدة. لهذا لن تنتعش
السينما المصرية إلا من خلال القضاء علي الاحتكار. آمل أن تتدخل الدولة
ووزارة الثقافة من أجل دعم الأفلام الجيدة
جريدة القاهرة في
17/02/2009 |