وأخيراً... وبعد أن أخلفت موعد ظهورها أكثر من مرة... انطلقت في
الثامن من شهر شباط (فبراير) الجاري، وعلى القمرين الصناعيين العربي (بدر-
4)
والأوروبي (هوت بيرد) قناة (الدراما) التي أعلنت وزارة الإعلام السورية،
منذ أشهر
عديدة
أنها بصدد إنشائها... والتي دعت أكثر من مرة لاجتماعات عدة، ضمت مخرجين
وكتاباً وصحافيين للتداول في شأن هذه القناة، التي تفكر وزارة الإعلام
السورية،
ومعها الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، في أن تكون وسيلة
هامة من وسائل عرض
وترويج وتسويق الفن الأكثر حضوراً على الساحة الفنية والثقافية السورية
خلال الربع
قرن الأخير، الذي أجهزت فيه وزارة الثقافة على كل فعالية
المسرح السوري، فيما تكفلت
مؤسسة السينما من قبل ـ عبر القوانين التي سنتها الدولة - بتأميم كل
المبادرات
السينمائية الحرة، ووأد حركة العرض والإنتاج السينمائي معاً!
قناة
الدراما
السورية
التي أسماها المشرفون عليها (سورية دراما) أطلقت بثاً تجريبياً فقط، اقتصر
على عرض (بروموشونات) ترويجية لمجموعة من المسلسلات التلفزيونية القديمة
والحديثة،
والتي صنفت تبعاً لأسماء مخرجيها... وفي هذه (البروموشونات)،
سوف نلحظ جهداً طيباً
وموفقاً لفنيي المونتاج في التلفزيون السوري... ومن يعرف آلية العمل داخل
أروقة هذا
التلفزيون، سوف يدرك أن فنيي المونتاج يعملون بلا إشراف، ويعبرون عن خبرتهم
وذائقتهم الشخصية، بلا أية رؤية يمكن أن يتحدث بها مخرج برامج
مدع، أو مشرف إداري
اعتاد أن يوهم من فوقه بعبقرية جهده!
تنطلق
قناة الدراما السورية، في وقت يعيش
فيه الإعلام السوري أياماً سوداء، توالت فيها الانحدارات في العقد الأخير
بلا أي
ضابط، وجاءت سلسلة التعيينات الأخيرة لمفاصل هامة في الإعلام السوري، والتي
اختار
فيها وزير الإعلام الدكتور محسن بلال، أشخاصاً بلا خبرة أو أي
تاريخ إعلامي فيه
ملمح تميز، لتثير أكثر من علامة استفهام وأسف على حالة العبث والفوضى، التي
يربأ أي
إنسان مخلص أن يراها على هذا الحال دون أن يشعر بألم حقيقي... ولعل هذه
الأجواء
المحزنة والتي وصلت بكثير من الإعلاميين المتميزين إلى فقدان
الأمل، والإحساس أنهم
أمام طريق مسدود، هي ما دفعت الزميل أنس أزرق، مدير قناة الدراما التي نحن
بصددها،
إلى تقديم طلب إعفاء من منصبه قبل انطلاقة البث التجريبي للقناة بأسابيع
قليلة، بعد
أن أمضى في منصبه أشهر عدة، حاول فيها التأسيس ووضع هيكلية،
واستقطاب خبرات تعينه،
إنما من دون جدوى... ولهذا آثر أن يحترم نفسه، بدل أن يوضع في فوهة المدفع،
ويتم
تحميله ملامح الفشل المرتقب!
إذن ينطلق
البث التجريبي لقناة الدراما، بلا مدير
بعد انسحاب مديرها بشرف، وينطلق هذا البث بلا إنتاج درامي جديد يقدمه
التلفزيون
السوري، بعد أن أصبح إنتاجه الدرامي في الحضيض، وبعد أن
استفحلت في مديرية الإنتاج
التلفزيوني ملفات فساد مشينة، كشف بعضها على الملأ... إلا أن وزير الإعلام
بقي
صامتاً وغير مكترث تجاهها، مؤكداً عدم تفاعله مع أي رغبة في التطوير
والإصلاح...
وينطلق بث القناة السورية الجديدة، وكنوز الدراما السورية الثمينة من تراث
الأبيض
والأسود،
التي تمثل تحفاً ثمينة، وتقدم مؤشرات غاية في الأهمية على الصورة المضيئة
التي انطلقت منها هذه الدراما باحثة عن التنوير والأفق الاجتماعي الجديد...
هذه
الكنوز معظمها تلف إما بسبب سوء التخزين، أو بسبب تقاعس
الإدارات المتعاقبة على
الاهتمام بعملية نسخه من أشرطة الجيل الأول من نظام التسجيل التلفزيوني
(تو- إنش)
والتي نسقت آلاتها تقريباً، إلى أشرطة الأنظمة الجديدة (الإس- بي- أنالوغ)،
أو (الديجيتال)...
الأمر الذي سيجعل هذا التراث العظيم، الذي كان يمكن أن يشكل مادة
ثمينة لهذه القناة، شبه مفقود، باستثناء بعض أعمال دريد ونهاد الكوميدية،
ومسلسلات
أخرى تم التركيز عليها سابقاً، ولا تشكل ولا عشرة بالمائة من
إنتاج هذه الدراما
العريقة التي انطلقت في مطلع ستينيات القرن العشرين، محفوفة بالحب وهواجس
المغامرة
والبحث والتجريب، وتأكيد الخصوصية.
وتضاف
قناة الدراما الجديدة إلى قنوات
التلفزيون السوري الثلاث (الأولى، الثانية، الفضائية) وشقيقاتها الأكبر
سناً، يسجلن
تراجعاً مخيفاً في الأداء والمهنية وتقاليد العمل واحترام المشاهد، ناهيك
عن حالة
التناحر المشينة التي تحكم علاقة مدرائها بعضهم ببعض، والتي
وصلت فضائحها إلى صفحات
الإنترنت، وأصبحت مادة للتراشق الإعلامي والمماحكات التي لا تنتهي، والتي
وقودها
أتباع كل مدير والمستفيدون من بقائه وُجعالاته!
إذن لا
شيء يسر الخاطر، في تأمل
المناخ العام الذي تنطلق فيه قناة الدراما السورية، رغم قدرة رموز الإعلام
التلفزيوني على إطلاق تصريحاتهم حول التطوير والنهوض بلا أي حياء أو خجل،
ورغم وجود
حالة نفاق إعلامي محلي في الترويج لإنجازات، جعلت الحالة
الإعلامية السورية خارج
سياق العصر!
الشيء
المضيء الوحيد الذي ستعتمد عليه قناة الدراما هذه، بعض
مسلسلات التلفزيون السوري الجيدة التي كان ينتجها في نهاية الثمانينات،
ومطلع
تسعينيات القرن العشرين، والتي أصبحت ذكرى وتقليد من الماضي،
إلى جانب كم كبير من
أعمال القطاع التلفزيوني السوري الجيدة عموماً، والتي نراها على الشاشات في
مواسم
رمضان كل عام، والتي يظهر مسؤولو وزارة الإعلام والتلفزيون السوري، ليسرقوا
نجاحاتها، وليتبجحوا باسمها، مع أن ما يقدمه التلفزيون السوري
لهذه الدراما لا
يتعدى مراقبة النصوص والتضييق على الحريات، ثم إجبار المنتجين بلا أي حياء،
على دفع
أجور هذه الرقابة المتعسفة!
إذن بخلاف
ما يبدو في الظاهر أن انطلاقة قناة
الدراما السورية، هي إنجاز يحسب لمن رعى انطلاقتها، ولمن روج وهلل لها،
فإنه في
واقع الحال لا يبدو أكثر من قناع تجميلي، لتمويه حالة الانهيار
والتخلف التلفزيوني
المؤسف الذي تنعم به سورية، ومن ثم للاختباء خلف مجد قديم لإنتاج التلفزيون
الدرامي، والتمسح بأعتاب جهد جديد ومتطور لإنتاج القطاع الخاص بمختلف
شركاته
ومموليه، بما فيه التمويل الخليجي الذي تلقاه بعض المسلسلات
الضخمة، على طريقة
المنتج المنفذ، فيما التلفزيون السوري المنتج الدرامي العريق، يغرق في
العسل...
العسل الأسود للفساد!
منتظر
الزيدي: البطولة المنسية!
جاء
العدوان
الأخير
على غزة، لينهي أي حديث إعلامي على قضية منتظر الزيدي، الذي ما زال معتقلاً
من
دون محاكمة، في قضية قذف الرئيس الأمريكي غير المأسوف على انتهاء ولايته،
بفردتي
حذاء في آخر مؤتمر صحافي حضره في بغداد... وباستثناء خبر النصب
التذكاري لحذاء
مملوء بالورود، نصبه مواطنون في تكريت، وأمر رئيس الوزراء نوري المالكي
بإزالته،
وأوردت خبره قناة (الدنيا) فقد غاب ذكر الزيدي، وتوارت قضيته في عتمة نسيان
سريع!
وحده
عدّاد المفقودين، الذي اعتادت بعض القنوات المنكوبة ترقيم أيام بثها
فيه، ذكرنا بالزيدي... وفي مرور عابر على قناة (البغدادية)
التي يعمل بها، يفيد هذا
العداد بمضي شهرين على اعتقال الزيدي... والأيام تتوالى، وكأن المطلوب هو
نسيان هذه
البطولة الرمزية، وإيداعها في زاوية معتمة من الذاكرة والإحساس والوجدان...
في زمن
عربي بلا وجدان!
'أنا
والحياة' إطلالة باردة لحسين فهمي!
أطل
الممثل
حســــين
فهمي في برنامج اجتماعي جديد على قنــــاة (الحياة) المصرية الخاصة،
حــــــمل عنوان: (أنا والحيـــاة)... وسبقتـــــــه دعاية مكثفة، وأفلام
ترويجية
مثيرة للاهتمام... وقد اختار حسين فهمي ومن معه، موضوع (العنف
في الحياة الزوجية)
كفاتحة
لإطلالة البرنامج.... من خلال استضافة أسر تتعرض فيها المرأة للضرب من قبل
زوجها، وأخرى يتعرض فيها الرجل للضرب من قبل زوجته!
إلا أن كل
هذه العناصر،
ومعها عرض مأساوي لحادثة ضرب فارقت الزوجة على إثرها الحياة بسبب عنف زوجها
المفرط
إزاءها... لم تستطع أن تبث الحرارة في الحوار، ولا في البرنامج الذي بدا
فيه حسين
فهمي غير قادر على التفاعل مع ما يسمع وما يرى، سوى بإبداء قدر
من الدهشة، أو ذرف
بعض الدموع على مآس عرضها أصحابها بنبرة ميلودرامية مشبعة بالبكاء!
في تقديم
البرامج،
وفي صناعة برامج تقترب من الناس، ليس كل ما يلمع ذهباً... وليس كل ما يشع
من
النجوم له بريق الحياة!
ناقد فني
من سورية
القدس العربي
12/02/2009 |