تروي جاكي
سلوم في شريط وثائقي عن موسيقى الهيب هوب، يتسم بإيقاع جميل، الآلام التي
يعيشها الفلسطينيون والعبثية التي تطبع حياتهم احياناً.
وشارك
فيلم الفلسطينية المقيمة في الولايات المتحدة، في عروض مهرجان «ترافلينغ»
في مدينة رين الفرنسية بعد ان قدم في عرض أول في مهرجان ساندانس في
الولايات المتحدة.
وكان
مهرجان «ترافلينغ» الذي انطلق قبل ايام اختار مدينة القدس محوراً لدورته
العشرين الحالية بعد مدينة بوينوس آيرس العام الماضي، وتستعد اسطنبول
لاستضافته في الدورة المقبلة.
ويقدم
المهرجان في عروضه الخاصة اكثر من 60 فيلماً تصور المدينة المقدسة في اشرطة
من مختلف الحقب تتنوع في اشكالها ومضامينها ومخرجيها.
وتفاعل
جمهور مدينة رين بحرارة مع عمل سلوم الذي رصد يوميات حركة الهيب هوب
الفلسطينية والتطور الذي وصلت اليه بعد ولادة فرقة «دام» قبل سنوات وصولا
الى فرقة «بي آر» التي ولدت قبل نحو سنتين في غزة على رغم الحصار.
وابدى
منظمو المهرجان، كما الجمهور، اعجابهم بفحواه، خصوصاً انه يقدم ولمرة نادرة
صورة للفلسطيني بعيدة من الافكار النمطية.
ويصورالفيلم الوثائقي «سلينغشوت هيب هوب» على نحو شديد الإيقاع تلك
الموسيقى التي يؤمن بها الشباب كنوع من خشبة خلاص يلجأون اليها من ظلمة
يومياتهم واحياناً عبثية ما يحيط بالحياة الفلسطينية من عنف وقتل ومشاجرات
يومية يسببها الانغلاق والحصار.
وأهم ما
في الفيلم تصويره لكيفية تحويل هذا الواقع الصعب الذي يعانون منه يومياً
الى قصائد وموسيقى واعمال فنية يأمل الشباب بأن يتحولوا من خلالها وعبر
تسجيلاتهم وكليباتهم الى نجوم عالميين.
ويحمل
الفيلم في طياته احباطات الشباب واحلامهم وآمالهم في جميع الاراضي
الفلسطينية على رغم الاختلافات التي فرضها الاحتلال على واقعهم المجزأ
والمقطع الاوصال، وحيث باتت فرقة «دام» التي كانت الرائدة فلسطينياً في
مجال هذه الموسيقى، وولدت في ما يعرف بأراضي 48، مرجعية يعود اليها الجميع
في فلسطين ويؤدون اغنيتها «انا مش ارهابي».
وتدخل
كاميرا سلوم الى بيت الشباب الذين يعيشون مع أهاليهم وبينهم فتاة هددت
لأنها تؤدي هذا النوع من الاغاني. لكنها مجدداً وبالاغنية، تتمكن من
الانتصار على الواقع وتحاول تحويل نظرة المجتمع اليها والى عملها.
وتقوم
فرقة «دام» الى جانب عملها الفني بعمل تربوي في الميدان فيحضر اعضاؤها
كثيراً مع الاطفال ويحاولون ان يعطوهم القدوة وأن يلعبوا دور توعية ضد
العنف، وضد تفشي المخدرات كما في عكا وفي غيرها من المدن الفلسطينية.
واذا كانت
«دام» في مجال الهيب هوب الفلسطيني تبقى القدوة، فإن فرقاً اخرى نشأت ومضت
في حركتها وفنها الى اشكال تعبير أجرأ واحياناً اكثر ارتباطاً بالواقع كما
فرقة «بي آر» في غزة التي فشلت محاولاتها في الانضمام الى فرق الهيب هوب
الاخرى لاحياء حفلة في رام الله.
وعلى رغم
الحصار وتقطع اوصال الوطن الفلسطيني يظهر الشريط كيف يتواصل اعضاء الفرق
المختلفة ويتضامنون في ما بينهم عبر التخاطب من طريق الانترنت والهاتف وعبر
اشرطة فيديو يرسلونها الى بعضهم بعضاً. قدمت سلوم شريطاً يفيض، ليس فقط
بتلك الحيوية التي تتألق بها فرق الهيب هوب، وانما ايضاً بتلك الشاعرية
القصوى المبنية دائماً على اليومي القاسي وعلى مزيج مستوحى من أشعار محمود
درويش وتوفيق زياد.
وفي
الشريط نشاهد الشباب حين يقتل صديق لهم يؤلفون له اغنية وحين يسجن رفيقان،
لأنهما رميا حجارة على الجيش الاسرائيلي، يؤلفون لهما اغنية ويتواصلون
معهما عبر الهاتف لتشجيعهما على الاستمرار.
وتحت عدسة
سلوم تحول هذا الفن وليد الشارع وتحديداً حي هارلم الاسود في نيويورك الى
شيء اكبر من الموسيقى واجمل من الشعر من دون ان يتخلى عن كليهما، مع تحوله
الى تقاسيم أمل في لحظات ظلام المشهد الفلسطيني في الناصرة كما في اللد وفي
عكا وايضاً في غزة.
ويرتبط «الراب»
أو «الهيب هوب» الفلسطيني جذرياً بالنسيج الاجتماعي المحيط، بل ينخرط
اجتماعياً حيث تخوض هذه الفرق دوراً كبيراً في لفت النظر الى ضرورة
المساواة بين المرأة والرجل حتى في الغناء. وناضلت فرقة «دام» لتجعل عبير
تستمر معها في الغناء على رغم الضغوط الاجتماعية التي حاولت منع صوتها من
التعبير والمشاركة.
الحياة اللندنية
09/02/2009 |