قرر
المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ إخراج فيلم سينمائي يتناول حياة لينكولن
ودوره في الحرب الأهلية الأمريكية.. وقصة الفيلم الجديد مأخوذة من السيرة
الذاتية للرئيس الراحل لينكولن التي كتبتها المؤرخة دوريس جودوين، وسيقوم
بإعدادها سينمائيا الكاتب المسرحي البارز توني كوشنر.. لينضم هذا العمل إلى
سلسلة طويلة من الأعمال السينمائية التي تناولت جوانب عدة من حياة الرؤساء
الذين تواردوا على البيت الأبيض.
الفيلم
الذي تم الإعلان عن مشروعه مع وصول الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما لن
يكون بالأبيض والأسود على عادة السينما العربية، بل سيكون بالألوان ليقدم
صورة حية لرئيس مثّل نقطة فاصلة في التاريخ الأمريكي، فهو محرر العبيد،
وثائر سابق لعصره دشنت فترة رئاسته عام 1861عهدا جديدا، وتغيرا مسّ كل
جوانب الحياة، يبدو أن باراك أوباما يريد أن يستعير تلك السيرة، لذلك قام
أوباما بأداء القسم تحت ظلال لينكولين وأمام أنظار تمثاله الضخم في الساحة
الوطنية بواشنطن، وكأنه عاد ثانية إلى المكتب البيضاوي.
وعندما
يتحرك البيت الأبيض في اتجاه ما تتحرك هوليود بكل ترسانتها الضخمة، ليتكامل
نجوم الفن ونجوم السياسة والسلطة في ترسيخ القرار الأمريكي، وتأكيد الصورة
التي تريد الولايات المتحدة أن تنشرها في العالم، صورة بالألوان.
أما في
العالم العربي فما تزال "أفلام الرئاسة" خط أحمر ممنوع الاقتراب منه.. عدا
بضعة أفلام سينمائية أغلبها تسجيلية ووثائقية، عن جمال عبد الناصر وأنور
السادات، وفيلم واحد عن حياة صدّام حسين، إضافة إلى فيلمين تسجيليين عن
الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أحدهما أخرجه المخرج الأمريكي أوليفر ستون.
هولييود
قدّمت نحو 100 فيلم عن رؤساء أمريكا، وتناولت كافة جوانب شخصيتهم السياسية
منها والإنسانية والفضائحية".. ومنها الأفلام التي قدمت غراميات كيندي
وكلينتون والأفلام التي سخرت من سياسة جورج بوش الابن، أو التي تناولت
بجرأة فضيحة "وترجيت" الشهيرة، التي تناولها أكثر من فيلم أمريكي من بينها
"فروست/نيكسون". وقد اختارت مجلة "آي آي آر بي"، التي تعتبر نفسها "الصوت
الحازم" للأمريكيين ويقرأها أكثر من 34 مليون شخص، الفيلم المستند إلى
مقابلات تلفزيونية، بعد فضيحة "وترجيت"، بين الصحافي البريطاني ديفيد فروست
والرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون ليكون أفضل فيلم موجّه للناضجين.
أما في
الجهة المقابلة، فلم تظهر شخصية "رئيس الجمهورية" في السينما العربية إلا
في عدد محدود جدا من الأفلام، ويجيء ذكرها بأقصى درجات التبجيل والاحترام
الذي يصل أحيانا إلى درجة "التقديس"، فشخصيات الرؤساء مصونة دائما ولها
جلالها الذي لا يمس فلكلّ من هؤلاء أتباع ومؤيدون حتى بعد الرحيل.. فإلى
أيّ حدّ تتطابق الصورة السينمائية مع الأصل؟ وهل واجهت هذه الأفلام مشاكل
مع الرقابة أم أنّ صانعيها هم من مارسوا الرقابة الذاتية؟
أفلام
معدودة تحدثت عن بعض الرؤساء العرب، ولم تخل بدورها من نقص وضعف في بعض
جوانبها، فهي من جهة، كانت أقرب إلى تأريخ وثائقي لأحداث سياسية عاصرها
الرئيس وساهم فيها. من جهة أخرى لم تعرف السينما العربية أي عمل يذكر عن
رئيس جمهورية عربي في فترة حكمه، ومثل سائر المشاهير، لا نتذكر مناقبهم إلا
بعد رحيلهم، "باستثناء فيلم صدام حسين "الأيام الطويلة" الذي أخرجه المخرج
المصري توفيق صالح بداية الثمانينات"، وهو أمر لطالما أشعل فتيل الحروب بين
الورثة والمنتجين.
عبد
الناصر، الذي حظي بشعبية كبيرة لا على المستوى المصري فحسب بل أيضا على
المستوى العربي ككل، لم تعرف سيرته طريق السينما إلا بعد سنوات عدة من
وفاته، رغم ثراء الحقبة التاريخية التي عاش خلالها.. كما أننا لا ندري ما
الغاية من اعتماد تقنية الأبيض والأسود في فيلمي "عبد الناصر" و"السادات".
فمتى نجرؤ
على التعامل مع الأحداث والتاريخ في المنطقة العربية بأمانة؟ ومتى يعامل
الرؤساء العرب على أنهم بشر في السينما يسمح الحديث عنهم؟.
قد تختفي
العقبات أمام كاتب السيناريو إذا تناول شخصية رئيس الجمهورية بأمانة، رغم
وجود الرقباء.. وهنا تبرز عبقرية المخرج، في معالجة موضوع الفيلم، الذي
يتناول سيرة الرئيس، بذكاء محترف، إلى درجة أنك إذا كنت من المؤيدين
فستعتبر الفيلم تحية له، وإذا لم تكن كذلك ستعتبره كشفا عن بعض المستور
وعملا يخلو من التخليد أو الإطراء.
السينما
ليست بالضرورة فيلما كوميديا أو "بحثا عن فضيحة" حتى ينجح العمل، السينما
مدرسة تخاطب العقل الانساني وتزرع في الجيل الجديد مفاهيم وانجازات تفسّر
حاضره.. وكما ننظر للنصف الفارغ من الكأس، لا يمكننا أن ننكر بعض جوانب
الواقع المضيئة التي من شأنها أن تثري أرشيف السينما المتهالك، وتروي
الجفاف الذي أصاب قريحة كتّاب السيناريو.
العرب أنلاين
30/01/2009 |