على بعد
960 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة الجزائرية تقع مدينة تاغيت في ولاية بشار
لؤلؤة الصحراء الجزائرية كما يسميها الجميع، وهي قطعة مترامية الاطراف على
مساحة 8040 كيلومتراً من الرمال الذهبية. وقد اعتادت مدينة تاغيت في شهر
كانون الاول (ديسمبر) من كل عام ان تكون قبلة السياح والزوار من الجزائر
وخارجها. في هذه المدينة الصحراوية أقيم مهرجان «التاغيت الذهبي» للفيلم
القصير بدورته الثانية اواخر الشهر الماضي، وتشرف عليه مؤسسة الفنك الذهبي.
والمهرجان يتعانق فيه سحر المكان وسحر السينما ومتعة المشاهدة الجديدة
والمغايرة حيث عرضت الأفلام في خيمة كبيرة وافترش المشاهدون الأرض لمتابعة
الأفلام المعروضة. وتضمن المهرجان، اختيار أفلام عدة للمسابقة الدولية التي
فتحت للأفلام المنجزة بين عامي 2007 و2008 وبانوراما للفيلم الوطني
ومحاضرات ونقاشات وورشات وأنشطة موازية، وقد عرض 26 فيلماً سينمائياً
قصيراً فيما تابع الجمهور أفلاماً أخرى في إطار «بانوراما سينما المهرجان».
وقد حصد
الفيلم الجزائري «سكتوا» للمخرج الشاب خالد بن عيسى جائزتي افضل فيلم عن
المسابقة الدولية وجائزة الكاميرا الذهبية الخاصة بالافلام الجزائرية، وهو
قدم وببراعة كبيرة صورة واقعية للمجتمع الجزائري من خلال مزجه بين الفكاهة
والجدية حيث يروي حكاية منشط اذاعي شاب (قام بدوره الفنان هشام مصباح) ينشط
حصة ذات استماع كبير ليلاً وينام نهاراً، ليحاول النوم في الوقت الذي بدأت
تستيقظ فيه المدينة. ولما كان يسكن حياً شعبياً فيه الكثير من الضجيج
والجلبة اصبح الشاب المنشط لا يعرف النوم ولا يمكنه بالتالي الاستراحة من
عمل الليل، إذ يحول الضجيج حلمه الى كابوس، وتتحول المدينة الى فوضى غريبة
ومصح للمجانين. «سكتوا» فيلم مشغول بتمكن وذكاء من المخرج الجزائري خالد بن
عيسى. واما جائزة احسن اداء نسوي فقد منحت الى المغربية اسماء الحضرمي
لصدقية دورها الذي جعلته في خدمة الاخراج المحكم للفيلم في فيلم «المرأة
الشابة والمعلم» للمخرج محمد نظيف وتؤدي فيه اسماء دور امرأة فقدت زوجها في
البحر وهو يحاول ان يعبره في هجرة سرية، احمد شاب في العقد الثاني من
العمر، المرض فرقه عن حبيبة عمره ليقرر على اثرها مغادرة القرية والتوجه
الى منطقة اخرى بالمغرب في محاولة لنسيان حب صديقته العالق في قلبه، وهو
يعمل مدرساً بمدرسة القرية غير ان حالته تزداد تأزماً بعد التقائه شابة
فقدت هي الاخرى حبيبها غرقاً وهو يحاول الالتحاق بالضفة الاخرى... بينما
كان فيلم التونسي رضا تليلي قد نال جائزة افضل اخراج لبصمته الخاصة في
كتابته السينمائية ولانه نجح بشجاعة ووعي في أن يجسد لنا المناخ الضاغط على
مصير الفرد، وفيه نرى رجلاً يكتشف انه ميت بحسب شهادة وفاة الحالة المدنية،
وهو في رحلة بحث عن ما يؤكد حياته او وفاته.
حديث نحلة
وفي
الفيلم الجزائري «قوليلي» للمخرجة صابرينا ضراوي شجاعة وجرأة تناولت بهما
موضوعها سواء في جانبه التقني الذي اشتغلت عليه المخرجة الشابة في شكل جميل
ولافت للنظر مستعملة لقطتين من دون انقطاع وأخرى مقربة جداً اعطت العمل
حيوية وعمقاً الى جانب الديكور الذي أولته ايضاً عناية كبيرة بتفاصيل
متناهية. لكن اهمية العمل برزت ايضاً من ناحية المضمون بطرحها لموضوع راهن
غاصت من خلاله في حديث عن الحب والجنس بين صديقتين تختلفان كثيراً عن
بعضهما في وجهات النظر بقدر ما تتشابهان... امرأة مشتتة متناقضة محافظة،
وامرأة تدعو للتحرر والحب ولا تقضي ايامها وحيدة في انتظار من يدق بابها
ليطلب يدها.والفيلم الجزائري «كالنحلة» للمخرج مؤنس خمار بطلته نحلة محصورة
في شقة مغلقة النوافذ تبحث عن مخرج صوب الازهار لتتناول غذاءها. في الفيلم
لم يظهر سكان الشقة في شكل مباشر، وهو خال من أي حديث سوى من طنين النحلة
المسكينة، فنسمع نشرة أخبار عن حل أزمة الغذاء عام 2011 ليكون الرد عليها
بطريقة ساخرة جداً بصوت من احد سكان الشقة النائمين وخبر آخر عن حرب أميركا
على العراق والأزمة العالمية المالية في الثلاثينات من القرن الماضي، وكلها
أخبار لا تستحق تعليقاً سوى ذات الصوت الذي ينهي الفيلم.
والفيلم
الجزائري «الشك» للمخرج عمار سي فوضيل الذي تدور احداثه حول احمد الذي
يقتله الشك بعدما تركته زوجته من دون اي سابق انذار، حيث تركت له رسالة في
المنزل تخبره فيها بأنها تفارقه ولا تريد ابداً الرجوع اليه بعد ان ضاقت به
ذرعاً ليبقى طيف مريم يحوم بين ارجاء المنزل وتزداد معاناة احمد امام تأنيب
الضمير وعدم معرفة في ما اذا كان فعلاً قد قتل زوجته ام لا...
ومن الافلام التي عرضت في
المهرجان الفيلم التونسي «ليلة عيد» إخراج اشرف لعمار مدته 8 دقائق و32
ثانية حاول من خلالها الممثلان جمال المداني والهادي بوكراع ان يجسدا خوف
الانسان من الموت ودوغمائية وضبابية النظرة المشوهة للدين يبرزها شيخ
(الهادي بوكراع الذي لم يسبق له التعامل مع الكاميرا) يصلي وعلامات الوهن
والتعب بادية عليه يدعو الله ان يريحه من هذه الدنيا ويلحقه بزوجته الراحلة
وسرعان ما يستجيب الله لدعواه ويرسل اليه ملك الموت لأخذ روحه عندها يتشبث
بالحياة، فالعجوز الذي أنهى صلاته في فجر يوم العيد يتمدد في فراشه ويغرق
في النوم وفجأة توقظه أصوات غريبة يظنها هلوسات لكن الحوار بين الرغبة في
الحياة وحتمية الموت يبرز لنا هشاشة الكائن البشري، ويتوسل للملك ان يتركه
يعيش وهو يقول: «إذا العيد اتركني أضحي بشاتي»، ليكتشف ملك الموت الذي جسده
المخرج في صورة بشرية انه أخطأ في الشخص والتوقيت وان عليه المغادرة إلى
بغداد قبل الفجر ليقبض روحاً هناك. وسرعان ما يختفي الملك، ليعلن صوت
المذياع: «تم فجر اليوم تنفيذ حكم الاعدام في الرئيس...» دون اتمام الجملة
تاركاً المجال مفتوحاً لتأويلات مختلفة. أما الفيلم التونسي «اسكات»
للمخرجة فاتن حفناوي، فيحكي عن صحافية مهاجرة ومصور حرب، ترجع إلى بلادها
بعد سبع سنوات غربة اثر اعتزالها عالم الصحافة بعد معايشتها لحرب فلسطين
والعراق، لتلتقي بمصور ويحكي كل منهما للآخر المشاكل التي صادفتهما في
مشوارهما المهني.
الحياة اللندنية في
30
يناير 2009 |