لسنا
ندري، وربما لن نعرف ابداً على وجه الدقة، من الذي اختار من؟ هل كانت
«العربية» هي التي اتصلت بالرئيس الأميركي الجديد باراك (حسين، كما بات هو
يفضل أن يسمّى الآن) أوباما، لتقنعه بمحاورته، ام ان أوباما هو الذي اختار
«العربية». لكن هذا لا يهم كثيراً الآن بعدما حققت «العربية» هذا السبق
الصحافي الكبير الذي كان، منذ الأمس صباحاً، حيث العالم كله تقريباً،
والخبر الأول على أكثر من ألف وسيلة إعلامية وموقع إلكتروني. ولئن كان لا
بد، في البداية من الثناء على الزميل هشام ملحم، لتحقيقه هذا «السكوب»
التاريخي لمحطته، لا بد ايضاً من الثناء على هذا التطور المهني الكبير الذي
كان من نصيب ملحم خلال السنوات العشرين الأخيرة، وقاده من وضع كاد فيه ان
يكون «ضحية» مستديمة لديماغوجية بعض الصحافة العربية – واعفونا من ذكر
الأسماء -، الى وضع صار فيه إعلامياً كبيراً يحسب له حساب، وليس فقط بفضل
الحوار مع أوباما، بل كذلك ومنذ سنوات بفضل تدخلاته المشهودة في البرامج
الحوارية دفاعاً عن القضية اللبنانية والقضايا العربية، حتى وإن كانت
تدخلاته اعتادت ان تثير غيظ كثر.
إذاً، «السكوب»
الذي حققه ملحم، كان على قناة «العربية» ما يدفعنا الى الاستطراد قائلين،
انه – ومهما كان من شأن من اختار من؟ - لا ريب ان الرئيس أوباما، حين اختار
ان يوجه خطابه العالمي الأول الى العالمين العربي والإسلامي، إنما وفق في
الظهور والتحدث، عبر «العربية» وذلك لسبب لا يمكن ان يخفى على العرب أو على
أحد على الإطلاق: هذا السبب هو ان الرئيس أوباما حين يخاطب العرب
والمسلمين، والعالم كله من ورائهم، عبر «العربية» إنما يعرف تماماً، ويتعمد
تماماً ان يخاطب العرب الذين يتلقون الخطاب بعقلهم وبوعيهم، لا بعواطفهم
وغرائزهم. فـ «العربية» سواء شاء البعض هذا ام أبوا، أثبتت خلال السنوات
التي انقضت منذ إنشائها، انها صوت العقل والتعقل العربيين. ونافذة الوعي
العربي مفتوحة على العالم، كما نافذة العالم الواعي، مفتوحة على العالم
العربي.
طبعاً لم
يكن المرء في حاجة الى انتظار «خبطة العربية» الإعلامية مع الرئيس أوباما،
لاكتشاف هذا، ولكن لا بأس من ان تكون هذه المناسبة التي شغلت العالم كله
اكثر من 24 ساعة حتى الآن، فرصة للتذكير بهذا الواقع الذي يحب كثر ان يسهوا
عنه، منهم عن نية طيبة، إذ يكاد لا يصدق وسط الرمال المتحركة التي نتخبط
فيها ان ثمة إمكانية لأن يكون لدينا، في العالم العربي، إعلام موضوعي
عقلاني تنويري، ومنهم من يسهى عن نية سيئة: لأنه، أصلاً، لا يريد ان يكون
في العالم العربي إعلام من هذا النوع، مفضلاً إعلاماً زاعقاً صاخباً لا
يوصل الى أي مكان إلا الى التطرف والتعصب ونحر الذات. فتحية الى «العربية»
والعاملين فيها، وإلى «سكوبات» أخرى، شرط ان تكون من هذا العيار والنوع.
الحياة اللندنية في
30
يناير 2009
بداية
إعلامية قد تغير نظرة العداء نحو بلاد العم سام
دمشق - ابراهيم حاج عبدي
نجحت قناة
العربية في أن تكون السبّاقة في الحصول على المقابلة الحصرية الأولى مع
الرئيس الأميركي الجديد باراك اوباما الذي خصّها بهذا الحديث بعد أيام
قليلة على دخوله البيت الابيض، من دون أي وسيلة إعلامية أخرى عربية كانت أم
أجنبية.
وكان من
الطبيعي أن تثير هذه المقابلة الأولى كل هذا السجال، وأن تحظى باهتمام
وسائل الإعلام العالمية المقروءة والمسموعة والمرئية، شرقاً وغرباً، وبكل
اللغات. فنحو ألف وسيلة إعلامية أشارت إلى هذا الحوار، وبثت أو نشرت مقاطع
منه، فضلاً عن المئات من المواقع الإلكترونية التي تناولته بأساليب مختلفة.
وحتى قناة
العربية ذاتها، لم تكتف ببث الحوار مرات عدة، بل خصصت برنامجاً، قدمه طاهر
بركة، للحديث عن أصداء هذا الحوار، والظروف التي احيطت بالإعداد له، وطريقة
تنفيذه عبر الاتصال بمراسلتها في واشنطن منى الشقاقي التي تحدثت كيف أنها
اضطرت إلى أن تعمل «ماكييرا» لدى اوباما، وأظهرت كيف ان الحوار، الذي أجراه
هشام ملحم، جرى في جو مريح.
ولعل غياب
العلم الاميركي عن الخلفية، مع أن وجود العلم امر تقليدي في الحوارات
الرئاسية، والاكتفاء بوجود إناء من الورود الصفر، أعطيا انطباعاً بخصوصية
هذا الحوار، وبأن ثمة الكثير من الرسائل الخفية، بينها ان اوباما يسعى إلى
فتح صفحة جديدة مع العالمين العربي والإسلامي قائمة على الحوار والتفاهم
والتشاور، والبحث عن المشتركات لا عن الاختلافات، وتجاوز التركة الثقيلة
للإدارة السابقة.
الحوار
للوهلة الاولى هو سبق صحافي حققته قناة «العربية»، لكن هل كان ممكناً لأي
قناة عربية أخرى ان تحقق ذلك؟ بالطبع لا، فحين يبدي رئيس أكبر دولة في
العالم الموافقة على اجراء حوار مع قناة ما، فهناك الكثير من المستشارين
والخبراء الذين يظهرون للرئيس تاريخ هذه المحطة، أو تلك، ومدى الاهمية التي
تتمتع بها، ومدى التزامها بالمعايير المهنية والموضوعية، ويبدو ان
«العربية» نجحت في هذا الاختبار.
هذا لا
يعني، مطلقاً، التقليل من الجهود التي لا بد من أن هشام ملحم، وفريق
«الـعربية» في الولايـات المتــحدة، بذلاها حتى استطاعت القناة ان تغزو
بكاميراتها البيت الأبيض الحصين!
ولا شك في
أن الملايين تابعوا الحوار على الشاشة، وبالتالي فإن ما قاله اوباما في
الحوار صار معروفاً، وما يمكن اضافته، هنا، هو أن اوباما بدا هادئاً في
اللقاء، وابتعد من لغة التهديد والقوة، وقدم وجهاً آخر لبلاده.
ولا
مبالغة في القول ان الحوار رفع رصيده في العالمين العربي والإسلامي، ويحق
لـ «العربية» أن تتباهى بأنها أسست، عبر هذا الـلقاء، لبـداية إعلامـية
طيبة قد تغير، تدريجاً، تلك النظرة النمطية العدائية نحو بلاد العم سام!
الحياة اللندنية في
29
يناير 2009 |