منذ عام
كامل، وعلي مدار ٠٠١ يوم أضرب كتاب السيناريو في
هوليوود
عن العمل مطالبين بحقوقهم المادية بعد تقنيات الديجتال الحديثة،
وكان من
نتائج هذا الاضراب شل حركة العمل في بردواي وهوليوود علي السواء وكلف
الأخيرة خسائر
تقدر ب ٥.٢ مليار دولار بالاضافة لإلغاء حفل توزيع جوائز
الجولدن جلوب،
ثاني
أهم جائزة في هوليوود بعد الأوسكار.
وكاد الأمر نفسه يتكرر مع حفل جوائز
الأوسكار، ولكن حدث اتفاق ونجح كتاب السيناريو في الحصول علي
حقوقهم.
ذكري
الإضراب تغري بطرح اسئلة حول مهنة كاتب السيناريو عموما وفي
مصر تحديدا،
خصوصا مع
اعتماد »الورش الجماعية«
كشكل جديد لانتاج النصوص الدرامية ودخول أنواع من
المسلسلات خاصة السيت كوم التي لم يكن يعرفها الانتاج الدرامي
المصري،
الأمر الذي
ربما يضيف بعض الارتباك حول مهنة لايملك الكثيرون أصلا تصورا
واضحا عنها.
حول
ورش الكتابة وكواليسها،
والصياغات الجديدة لمهنة كاتب السيناريو ومستقبلها،
يدور هذا التحقيق.كما يطرح تساؤلات حول المردود المتوقع من هذه الورش ..
وهل
تسهم بالفعل في تفريغ
أجيال جديدة من الكتاب ؟ أم أننا سنفاجأ بعد فترة بأنها
ستحتاج إلي صيانة ؟
وائل حمدي
بدأ مع عالم سمسم في عام
٩٩ واشترك في كتابة
تامر وشوقية، وعمل كهيد رايتر وكرياتور للعديد من الشوهات الأخري، وينتظر الآن
عرض فيمله الذي كتبه منفردا »ميكانو«. ويري ان هناك فرقا بين الأعمال
الذاتية
كتلك التي يكتبها اسامة أنورعكاشة أو محمد صفاء عامر،
وبين الأعمال التي تعتمد
بالأساس علي عدم التوقف،
كالشوهات الأمريكية التي تصنع بتلك النية حتي لو لم
تستطع الاستمرار لأكثر من عامين أو ثلاثة.
في مثل
تلك الأعمال لايستطيع كاتب
واحد الاستمرار في كتابتها، ان الكاتب أو الكريتور هنا يصنع باترون العمل
وكتاب
آخرون يستمرون في كتابته حتي الابداع فيه لايوازي الابداع الفردي لأن
الكاتب يعمل
تحت ضغط وتحت مواصفات وضعها كاتب آخر.
ويضيف
الكاتب يمكنه العمل في الشو الذي
يحبه، بالاضافة إلي أنه يختار ويضع حبكات الحلقات التي يعمل بها ولكن لأن
انتاج
تلك الأعمال في مصر لايزال في بداياته فربما يوجد شعورا بالاجبار لأن
العروض
مازالت قليلة.
ومع ذلك
كان الاختيار أصعب في الماضي فمنذ عشر سنوات كانت
اختيارات السيناريست محدودة فعليه كتابة أعمال كاملة وانتظار منتج، أما ورش
الكتابة الحالية فيعمل الكاتب فيها من خلال عقود قانونية ويحصل علي حقوقه
المادية
والمعنوية. هذا الشكل من الانتاج وفر مدخلا جيد لكل شخص يفترض
في نفسه الموهبة
أما عن
مستقبل الكاتب فهو يعتمد علي نفسه وطموحاته.
وأيا كان
التغيير الذي
سيصنعه هذا الشكل من الانتاج فإنه لن يكون للأسوأ بالطبع،
لأن الأسوأ كان يحدث
بالفعل في صناعة العديد من المسلسلات الفارغة والمكلفة في الوقت نفسه. أما
العروض
الجديدة فصنعت تغييرا حضاريا يتجسد في احتواء خريطة التليفزيون علي عروض
النصف ساعة
دراما التي أحبها جمهور كان يستوعب هذه الأنواع ويتابعها في
الخارج وينتظرها في
مصر.
وعن تأخير
المشاريع الفنية للكاتب علي حساب الورش الجماعية يعتقد وائل أن
العكس هو ما يحدث لأنه كتب سيناريو
»ميكانو« في ٦٠٠٢ حين كان العمل في ورش
الكتابة في ذروته.
فن موجه
عمرو سمير
عاطف مبتكر شخصية بكار الشهيرة
وصاحب بداية الانتاج المكثف للسيت كوم مع تامر وشوقية ثم راجل وست ستات،
وقريبا
سوف يعرض له فيلم مع المخرج شريف عرفة، يقول عمرو أن طبيعة العمل هي التي تحدد ما
اذا كان يحتاج إلي ورشة كتابة أم لا فهو حين أراد أن يصنع سيت
كوم مكثف ومستمر أراد
أن
يصنعه علي الطريقة الصحيحة، ويتفق »عمرو« مع وائل حمدي في تصنيف الفن ولكن
بطريقة
أخري، فهو يري أن هناك فنا ذاتيا وآخر موجه،
هذا الأخير يستهدف شريحة
معينة بغرض محدد الضحك مثلا ويحمل رسالة ما،
وان كان ثمة تداخل بين الفن الذاتي
والموجه، فإن الفن الموجه يناسبه طريقة عمل ورش الكتابة.
وينفي
عمرو تدخل
رأس المال
الذي يتمثل في المنتج في ماهية الرسائل الاجتماعية التي يحملها العمل لأن
تلك المهمة تعود إلي الكاتب،
وان كان هناك تدخل يحدث فهو يأتي من قبل المخرج
والممثل وينصب بالدرجة الأولي علي جودة العمل.
وعن التكنيك الذي تدار به تلك
الورش حين تحدث اختلافات في الرأي يقول عمرو ان الأمر يحسم لصالح الكتاب
المؤثرين
في الورشة والأكثر خبرة،
لأن من أسوأ الأمور في الفن أن الكاتب أحيانا »يكتم«
علي ما يكتبه، مثل أن يكتب كوميديا يعتقد أنها مضحكة وهي ليست كذلك، أما
الكتابة الجماعية فهي تعالج مثل هذه الأمور بشكل شرعي، وهذه هي مهمة
كتابها.
أما
بالنسبة للكتابة كمجال عمل يعتقد عمرو أن الورش توفر دخلا جيدا
والبعض يحصل منها علي مرتب شهري كما أنها توفر فرصا للبدايات، فهو يعطي
الفرصة
لأي شخص يعتقد في نفسه الموهبة.
ولولا تلك الورش لما خرج كل هذا الانتاج الدرامي
الكبير.
مفرخة
شريف
بدرالدين خريج قسم السيناريو من المعهد
العالي
للسينما اشترك بالكتابة في أكثر من عمل تليفزيوني شهير يتحدث حول تلك
المسافة بين
مشروع الكاتب الفردي وبين واقع الكتابة الجماعية فيري ان الكتابة فعل فني
فردي في
أصله مثل وحيد حامد بالنسبة لجيله أو تامر حبيب بالنسبة
للاجيال الأحدث والأمر
الآخر الأكثر أهمية هي أزمة الكاتب أو همه الشخصي والفكري والذي يحتاج إلي
أن يعبر
عنه طوال الوقت من خلال أعماله سينمائيا أو تليفزيونيا وان كان الفيديو في
أغلب
الأحيان لايتم التعامل معه إلا كوسيط مسلي تافه خال من الفكر
وهذا هو الأساس الذي
يدفع أي شخص لممارسة الكتابة أما الورش في مصر فانحصرت منذ أكثر من عشر
سنوات علي
الفيديو.
بالفعل
الكل يعمل ويكسب فلوس علي الرغم من ان الاصل في الخارج يختلف
عن
هذا ولكن العمل في الورش الفنية يتحول بالتدريج إلي »سبوبة« وأكل عيش حتي
أن
هناك من يجمعون بين عملين وثلاثة ان لزم الأمر في نفس الوقت هناك من يجمعون
بين تنفيذها وكتابتها بالتوازي.
ولكن مؤكد أن هناك فوائد في اجتماع الكتاب في
ورشة واحدة وعملهم الجماعي.
بالطبع
هناك إنجاز للعمل الفني، ويوجد أفكار
متعددة الأبعاد باختلاف وجهات النظر بين الكتاب، وهناك تنافس وخبرات متبادلة بين
الكتاب.
سواء كان
الطموح شريف..
بغرض
الفن.. أو طموح غير شريف.لكن المهم
جودة المنتج النهائي.
خطر
محتمل!
د. أشرف
محمد أستاذ السيناريو بالمعهد
العالي للسينما وصاحب فيلم »أولي ثانوي« ومسلسل »رباعيات صلاح جاهين«
اشترك في تجربة القاهرة ٠٠٠٢ التي تعتبر تجربة خاصة لأن كل كاتب فيها كان
يكتب
حلقاته الخاصة التي يتحمل مسئوليتها بالكامل ولايشترك معه أحد فيها، والأمر
الآخر
أن العمل في المسلسل كان مع الكاتب الكبير اسامة أنور عكاشة.
يؤكد د.
أشرف
محمد ان طموح كل كاتب بالأساس يتجه إلي تحققه الفردي،
وان كان البعض يري الكتابة
الجماعية
تحقق حافزا وعصفا للأفكار، إلا أن لكل كاتب حقيقي هم ينوي التفرغ
لكتابته. وهناك البعض ممن احترفوا هذا العمل يمتلكون مكاتب لصناعة
سيناريوهات
بالطلب ليتحول السيناريو إلي نوع من »الطلبيات« وهو أمر غير جيد، بالاضافة
لأن مصطلح الورش يحمل بعضا من سوء السمعة لأنها ارتبطت قديما باستخدام بعض
الأسماء
الكبيرة لشباب الكتاب في كتابة سيناريوهات لاتكتب عليها أسماؤهم.
وبالنسبة
لتوفير تلك الورش »كارير« للكاتب يري د. أشرف أن الورش ليست الطريقة الوحيدة
لذلك، لأن تسويق النصوص والقدرة علي التواصل مع الوسط الفني أمر لا ينفصل
عن
الكتابة، ويتحتم علي الكاتب أن يجيد مثل تلك الأمور.
وفي
النهاية الأمر يعود
إلي الكاتب، ربما تحقق تلك الورش بداية جيدة، ويعمل بها شباب صغير مجتهد،
ولكن الركون إليها خطير، ربما يعمل شخص فيها بدافع تعلم التقنيات الخاصة
بالكتابة، ويعمل آخر بدافع الكسب، فالمسألة نسبية. ولكن ٩٩٪ ممن يعملون
بها يعتبرونها فترة انتقالية.
ان الكتاب
الكبار أمثال أسامة أنور عكاشة ووحيد
حامد استطاعوا اكتساب مكانتهم من تاريخ أعمالهم التي عبروا فيها عن أفكارهم
وانفعالاتهم.
الكواليس
أجمل
»كواليسها
أجمل من نتائجها« هكذا يصفها
مصطفي ذكري صاحب عفاريت الأسفلت وجنة الشياطين ويعترف أن
السينما عمل جماعي ولكنه
لايتصور ذلك التفتيت الذي تفرضه الكتابة الجماعية للبذرة الأولي التي هي
النص.
مثل هذه
الأمور تصلح للعروض التي تمتد لمواسم طويلة، لكن بالنسبة
لفيلم سينمائي لا يمكن تخيلها، وعن رأيه في التجارب الأدبية التي اعترفت بمثل تلك
الأعمال الجماعية كماركيز الذي أصدرها في أكثر من كتاب مثل كيف
تحكي حكاية ونزوة
القص المباركة فأنه يعتقد أن الكتاب كان متواضعا وأنه لم يتجه لهذا إلا حين
أصبح
نجما تضغط عليه الميديا بدعائيتها، أما بورخيس الذي تحدث في مذكراته عن تجربة
اشتراكه في الكتابة مع آخرين فيري ذكري أن التجربة هنا أعمق
لأن هؤلاء الكتاب
الآخرين كانوا يحملون الكثير من الأشياء والتجارب المشتركة،
ومع هذا فأنت تحسب
للكاتب كتاباته الفردية،
أما الأعمال الجماعية فتكون »شو« ولاتتكرر كثيرا،
مثل جبرا ابراهيم جبرا وعبدالرحمن منيف في تجربتهما المشتركة عالم بلا
خرائط،
الكتاب ليس قويا بما يكفي،
ومعمليا، وفي النهاية كل منهما متحقق كفرد، ولكن
المثير هنا هو كواليس مثل هذا العمل لأنك دائما ما تسأل عن
الطريقة التي يعملون
بها، وكيف يصيغون مثل تلك المادة. ان اخراج تلك الكواليس للناس أمر شيق،
وهي
في حد ذاتها تصلح كمادة درامية رائعة،
فكيف تدار وتنسق لتحافظ مثلا علي خفة الظل
التي لا تنجح في مسلسل مثل فريندز مثلا أو في أعمال أخري ناجحة.
ذكري
لايهتم
كثيرا
بأمر الورش ويعتقد أن الجيل الجديد يتطلب وجود »الكارير«،
فقد أصبحت
لديهم مهنة ويكتبون بالتكليف مثل ما يحدث في الخارج،
أما الجيل الأسبق فلم يكن
يمتلك سوي فكرة بدائية عن الورش التي كانت
غير شرعية في أغلبها، ويعود ذكري
للتأكيد علي أن أي »دراما تورجي« يبدأ التفكير في الدراما منفردا والوحيد الذي
يمكنه المشاركة هو المخرج للحفاظ علي خصوصية ووحدة النص.
أوافق
بشروط
يعتبر
الكاتب أسامة أنور عكاشة صاحب تجربة تدفقت
عبر العديد من الأعمال لتصنع سياقا
مختلفا وقد خاض تجربة مختلفة من تجارب الكتابة الجماعية (القاهرة ٠٠٠٢) التي
تبناها قطاع الانتاج وكانت جلسات العمل تدار داخل مبانيه وبحضور رئيس
القطاع،
يحكي عكاشة أنه تحمس لتلك التجربة لأنها كانت تحدث في اطار رسمي وبشكل علني
وتضمن
كتابة اسم الكاتب علي الحلقة التي كتبها،
أما عن الطريقة التي تم بها العمل فيقول
أن
دوره كان المراجعة وإبداء الملاحظات،
وأنه في البداية اقترح حدوتة انطلق منها
الكتاب لاستخراج حواديت فرعية. ولكن تلك التجربة لم تستمر لأنها وقعت في
أخطاء
انتاجية.
ويري
عكاشة أن ثمة اختلاف بين الدراما طبقا للنموذج المصري،
والدراما في الخارج، ففي الخارج يوجد تخصيص وتوزيع للعمل، وهو ما يدل عليه
مصطلح
»الورشة« وتلك الطريقة تصلح للأعمال الخفيفة والست كوم والسوب أوبرا،
لأن تفكيك العمل في الكتابة الجماعية تفكيك مصطنع لا ينتج عن موهبة وفي
النهاية
يقوم الكريتور »رئيس فريق الكتابة« بتجميعه. وهذا لا يصلح لكتابة دراما
متصلة
في
موضوع واحد لمدة ٠٢ ساعة لأنه في هذه الحالة لابد أن يوجد في العمل »نفس
واحد« لأن كل كاتب له نفس وله لون،
ولا يجوز تعدد الأنفاس.
ويصف
أسامة
أنور
عكاشة الورش غير المعلنة بأنها دعارة فنية يضيع فيها حق الكاتب الأدبي
ويحصد
فيها الملاليم لصالح اسم كاتب مشهور، أما الورش المعلنة والشرعية فهي تصلح كبداية
لكاتب السيناريو.
أخبار النجوم المصرية في
29
يناير 2009 |