أكثر ما
يثير العجب في فيلم »الغسق« الذي عرض لدينا
باسم »الحسناء ومصاص الدماء« أنه عجينة نسوية خالصة.. رغم موضوعه الغريب
الذي
يقوم علي عشق مستحيل من إنسان خارق لا يموت..
ويملك قوة هائلة تجعله يطير محلقا
في
السموات.
ويوقف
إذا شاء بذراعه سيارة جامحة مسرعة،
ويخترق
الأبواب والنوافذ،
ويقرأ بسهولة أفكار الآخرين..
كان عشق هذا الفتي تجاه مراهقة
صغيرة تعاني أزمة نفسية بسبب انفصال والديها وزواج أمها من رجل
آخر..
مما دعاها
إلي العودة والسكن مع أبيها في منطقة منعزلة بعيدة
غرب الولايات المتحدة
الأمريكية.
هذه
العلاقة الغريبة بين عالمين مختلفين لا يتفقان :عالم
الأحياء، وعالم أصحاب القوي الخارقة من أشباح أو مصاصي دماء.. تذكرنا بشكل
ما.. بالفوارق الاجتماعية والأحقاد التي تفصل بين أسرتي روميو وجولييت،
التي
يستطيع الحب وحده أن يقضي عليها حتي لو كان ذلك علي حساب دماء العاشقين
المهدرة.
القصة
كتبتها المؤلفة »ستيفان ماير« وحولتها السيناريست ميليسا
روترنبرج
إلي فيلم سينمائي أخرجته »كاترين هاردوبك« ولعبت بطولته النجمة
الشابة »كريستين ستيوارت«.
كما قلنا
هي إذن خلطة نسائية خالصة.. تقدم لنا
فيلما يجمع بين الغرائبية والأكشن والتشويق والرمانسية .. في إطار طبيعي
خلاب.. نادرا ما لجأت إليه السينما الأمريكية.
وبالطبع..
مادامت الخلطة
نسائية.. فإن العاطفة والحب ستحتل المقام الأول في الفيلم
متغلبة علي الأكشن،
وعلي
البعد الغرائبي وموجات الرعب التي تصاحب دائما
الأفلام التي تتكلم عن
الأشباح الخالدة ومصاصي الدماء، وعلاقتهم الغامضة مع أفراد البشر.
إيزابيلا
(كرستين ستيوارت) سبق أن لفتت نظرنا،
وهي في أول مراهقتها لعبت دور ابنة جوديي
فوستر في فيلم الرعب النفسي الذي أخرجه دافيد فنشر
»غرفة الرعب« حيث أدت دور
فتاة وأمها.. تختبئان في غرفة محصنة هربا
من عصابة مجرمة تود
قتلهما.
في
»الغسق«.. نضجت كرستين وأصبحت فتاة في العشرين (تعاني من
اضطراب نفسي بعد زواج أمها التي كانت تعيش معها من رجل آخر..
مما يدعوها إلي
العودة والسكن مع أبيها في مدينة ثلجية بعيدة..
هذا الأب الذي لم تره منذ أن كانت
طفلة..
تعيش مع والديها قبل انفصالهما).
إيزابيلا.. أو بيلا كما يدعونها
في الفيلم.. تحاول أن تتلاءم مع مجتمع جديد لم تعرفه تماما..
ولع أب يعمل في
مجال البوليس.. أصبح غريبا عنها، ولم تعتمد بعد علي أن تتعامل
معه كأب
وصديق رغم محبته لها، ومحاولته الدائبة للاقتراب منها.
بيلا..
تجد في
المدرسة التي انتمت إليها ملجأ لوحدتها وحيرتها النفسية.
لكنها
تعجز عن إقامة
علاقات حقيقية مع زملائها الطلاب.. إلي أن يقع بعدها علي إدوار كولن (ويلعب
دوره بإتقان وغموض ساحرين الممثل الشاب روبرت بيتنسون)
حتي (هذه اللحظة من
الفيلم.. تضعنا المخرجة وكاتبة السيناريو أمام صورة مدهشة
للشباب الأمريكي في
المدن البعيدة عن العاصمة.. عن طريق التدريس وعن علاقات الطلاب ببعضهم عن
نواديهم
الصغيرة، وحدائق الجامعة، ومطاعمها.. مما يهيئنا لمشاهدة فيلم عن مشاكل
الشباب،
وعن محاولة الانتماء والغربة والانقسام العائلي).
كل
ذلك يتبخر
بسرعة عند ظهور الشاب
(إدوار) الذي يلفت نظر (بيلا) بوسامته وغموضه وبشيء
خاص يميزه، ولا تدرك الفتاة كنهه أو حقيقته.
إلي أن
يقوم إدوار بإنقاذها من
تحت عجلات سيارة انفلت قيادها.. فيقفز من مكانه البعيد، ويوقف السيارة
الجامحة
بقبضة يده.
وتحس
الفتاة أنها أمام شاب
غير عادي، ورغم تبريره اللامنطقي
لما فعله فإن بيلا تنجذب إليه بقوة،
وتبدأ بملاحقته.. بينما هو يحاول الابتعاد
عنها قدر استطاعته..
ولكن يبدو تماما
أنه هو أيضا عاجز عن كبح جماح عواطفه
تجاهها، وتتوالي ظواهره الخارقة تباعا.. كما تبدأ رابطة التعلق بينهما
تتحول
إلي (حب) حقيقي يدفعه بعد ذلك رغما عنه إلي الاعتراف لها بأنه من فصيلة
لمصاصي الدماء كتب عليها الخلود.. (لا تأكل ما يأكله البشر من لحوم، ولا
تعرف
للنوم سبيلا، وتقاوم قدر إمكانها فصيلة أخري من مصاصي الدماء
تعيش علي القتل
وامتصاص
الدم البشري).
لا تقف في
وجه (بيلا) التي وقعت في الغرام حتي
أذنيها، ويعرفها ادوارد علي أسرته التي ترحب بها،
ويأخذها في رحلة (طائرة)
(يحملها
فيها إلي أعلي قمم الجبال متسلقا الأشجار الخضراء العالية ليعيشان لحظات
حب
خارقة للعادة في شاعرية انسيابية عرفت المخرجة كيف تجعلها مؤثرة تماما رغم
بعدها عن المنطق والتصديق).
إنه الحب
الذي يجمع المتناقضين، ويربط بين
العالمين، ولكنه حب مستحيل لأن ما من رابطة يمكن أن تجمعهما.. إلا إذا رضيت
(بيلا)
أن تتخلي عن إنسانيتها وأن تنتمي إلي هذه الفصيلة الملعونة من مصاصي
الدماء.
ويزداد
الموقف تعقيدا عندما تبدأ الفئة الأخري الشريرة من مصاصي
الدماء في مهاجمة المدينة الصغيرة وتقتل بعض سكانها، ويحس أحد أعضاء هذه الزمرة
(جيمس)
أن أسرة إدوار تحمي امرأة من البشر.. فيقرر أن يهاجمها وأن يمتص دماءها
الزكية.. وهنا يتجه الفيلم اتجاها آخر بعيدا عن الاتجاه العاطفي الذي
بدأه..
حيث يلجأ إلي أسلوب الأكشن والحركة ليمثل مطاردة جيمس إلي بيلا،
ومحاولة إدوار
الدفاع عنها.
(وفي
مشهد رائع حقا.. إخراجا وأداء وتمثيلا.. في مباراة
للكرة يشترك فيها أعضاء أسرة إدوار وبرفقتهم بيلا..
يهاجم جيمس وشلته المجموعة في
مشهد سينمائي حقيقي لعب فيه المونتاج والموسيقي والرؤيا الإخراجية والتصوير
دورا
مؤثرا).
تبدأ
المعركة وتشتد، وتصل إلي ذروتها في مشهد (قاعة المرايا)
التي تتم فيها المواجهة الأخيرة التي اقتبستها المخرجة من مشهد
المرايا الشهير في
فيلم اورسن ويلز الخالد (امرأة من شنغهاي).. يقتل جيمس حرقا، وتسنح الفرصة
أخيرا للعاشقين أن يجتمعا.
ولكن كيف
لهما أن يتصلا جسديا، وكل هذه الفوارق
تفصل بينهما، وما علي »بيلا«
إلا أن ترضخ للتضحية الأخيرة،
وأن تقدم عنقها
ودمها لكن للرجل الذي أحبته كي ينقلها من عالمها إلي عالمه،
وذلك في مشهد شاعري
عاطفي.. تلعب فيه الإضاءة والطبيعة والديكور دورا رئيسيا.
(إنه
الموت
حبا.. أو الانتقال من عالم الواقع إلي عالم الخرافة عن طريق القلب والتضحية
بالنفس).
»الغسق«
فيلم رغم غرابته، ولا منطقيته وبعده عن الواقع ينادي
بانتصار الحب وقوته،
وقدرته علي إزالة كل العوائق التي تقف في وجهه جسدية كانت أم
روحية.. هازئا بالمنطق وما يقبله العقل أو يرفضه.
إنه فداء
لقوة الحب
وسيطرته.. ومن غير النساء قادرات علي تحقيق ذلك في فيلم سينمائي.. يجمع بين
العاطفة والتشويق والسحر الغامض الذي يميز علاقات مدهشة تربط بين الأحياء،
وعالم
الموتي الخالدين المتمثلين في شخوص اعتدنا دائما أن نعتبرهم وحوشا.. غير
قابلين
للترويض.. هم »مصاصو الدماء«.
»الغسق«
يقول وبصوت عال.. إن الحب،
والحب وحده هو القادر علي ترويض الوحوش وإعادتهم إلي إنسانيتهم..
حتي لو كان ذلك
عن طريق
مراهقة عاشقة وهبت دمها وحياتها إلي مصاص دماء.. أحبته وأحبها.
أخبار النجوم المصرية في
22
يناير 2009 |