دائما ما
تجذبني الأفلام الروائية القصيرة
، لقدرتها
الفذة علي التكثيف ، ولعدم اهتمام صناعها أساسا بشباك التذاكر مما يجعلهم
يصنعون أفلاما من أجل عيون الفن السينمائي ذاته ، صحيح أنها قد تحسب في عداد
أفلام المهرجانات ، وقد تعد لدي هؤلاء الصناع والمبدعين وسيلة للكشف عن
الموهبة
والدراسة الجيدة ، وخطوة للقفز إلي حقول الدراما التليفزيونية والسينمائية
ذات
الانتشار الجماهيري ، ألا أنها في النهاية تعد أفلاما متميزة ، أو هكذا يجب
أن تكون ، ومجال تفوقها عادة ليس العرض التليفزيوني الذي لا
يهتم بعرضها رغم
أنه
منتجها ، بل المهرجانات التي تحتفي بمثل هذه النوعية من الأفلام ،
مثل
مهرجان القاهرة للإعلام العربي
وفي دورته
الأخيرة لفت نظري فيلم (سعادة)
الذي فازت بطلته الشابة "سماح السعيد" بجائزة الإبداع الذهبية في مجال
الفيلم
الروائي القصير ، وأكدت فيه ببساطة أدائها وعمق تمكنها من أدواتها كممثلة
علي
أنها ممثلة موهوبة ذات حضور لافت وخصوصية في التعبير عن خلجات النفس
الداخلية دون
معاناة ، مما يذكرنا بفاتن حمامة في بداياتها علي الشاشة 0
ينطلق
الفيلم
من الفنان
التشكيلي "سعادة" (كمال أبو رية) ، الذي يقبع بحزن نبيل داخل
شقته المتواضعة ببدروم العمارة التي كانت يوما ملكا لأسرته
، ومع تغير الزمن
بيعت وتشتت أهلها
، ولم يبق منها وبها
غيره ، يعيش وحيدا مع لوحاته
وفرشاته ، لا علاقة له بعالمه الأسري غير خطابات متكررة الكلمات من أخيه
الوحيد الذي هاجر بعد موت الأب والأم ، وبالعالم الخارجي غير الشارع الذي
يخرج إليه كي يرسم لوحات سريعة للمارة
، يشترونها منه بقليل النقود ، رافضا
أن يسخر فرشاته ليرسم بها لطلاب فاشلين من كلية الفنون الجميلة
جاءوه لينفذ لهم
مشاريع تخرجهم ، وذات مرة يرسم لوحة تجمعه ببائعة الحلوة الأرملة الشابة
الطيبة "بطة" (سماح السعيد) ، التي لا تحلم بغير الستر والآمان وراحة البال
بعد موت زوجها ، فيقع في غرامها ، وتبدو له في أحلامه أميرة رائعة الجمال
ثرية المظهر ، ويسبح مع صورتها وصوت "محمد عبد الوهاب" القادم من فونغراف
قديم في عوالم خيالية وردية
، تنتهي باستحالة اللقاء بينهما ، وهو ما يؤكده
الواقع ، فقلبها يهفو لشاب فقير مثلها يعيش بنفس سطح البيت
الذي تعيش فيه
،
وحينما تعلن للأستاذ "سعادة" عن رغبتها في الحصول
علي فستان للقاء حبيبها
بحديقة الأسماك ، يشتريه لها بما لديه من مال قليل ظنا أنها ستقابله هو ،
ويضعه بليل أمام حجرتها ، وعندما تعثر عليه تتصور أنه من حبيب القلب ،
وعند اللقاء يكتشف "سعادة" أنها كانت تنتظر غيره ، هي لم تخدعه ،
وأن ارتاحت فقط له كخل وفي ، فيتركها لسعادتها ، بعد أن يسقط بحجرتها
مبلغا من المال جاءه مقابل بيع ساعته
، كي ترمم به الحجرة التي يتساقط الماء من
سطحها 0
فكرة قديمة ، غير أنها مصاغة كسيناريو بحساسية شديدة ، ونجحت
المخرجة الشابة
"وفاء عبد الله" في نسج خيوطها في صورة مرئية ناعمة ، مزجت
فيها بين مشاعر الشخصيات وعالم نهر النيل الرائق
، لم يعيبها غير الرسم
الرديء للوحات التي من المفروض أن راسمها هو
"سعادة" ، مما لا يكشف عن أية
موهبة لهذا الفنان الذي من المطلوب أن نتعاطف معه
، ومع ذلك نجح "كمال أبو
رية"
بخبرته في تقديم الشخصية بتركيز علي مشاعرها الداخلية ، فحقق مع "سماح
السعيد"
عملا يحسب لهما ،
أخبار النجوم المصرية في
22
يناير 2009 |