هناك
بالتأكيد موقف نقدي، بل سلبي مسبق لدى البعض حيال «شـاعـــر المليــون»
التلفزيــونـــي. فهؤلاء يرون أن البـــرنــامــج يتجاهل بالسليقة كل
الرواد الذين أثروا المشهد الشعري العربي بنتاجاتهم ورؤاهم وأفكارهم
وإبداعاتهم. يتجاهلهم ليصل عبر المنافسة الاستعراضية وحدها الى اللقب الذي
ينعم به التلفزيون على الفائز، وكأن هذا التلفزيون يؤكد بفعله وجود قطيعة
من نوع ما بين الثقافة التي يترعرع عليها الشاعر ولا تمنح له هدية من أعلى،
كي ينفتح له العالم على مصراعيه، فيعيد صوغها بالتالي بالكلمات وحدها، وبين
تلك الصورة السهلة التي تسوّق «شاعر» المليون من دون المرور في أقنية تلك
الثقافة الصعبة، وحتى إذا لم تكن قطيعة، فإنها تدريب على الإحجام عن التلقي
على الأقل.
هذا موقف
نقدي له مؤيده ولكن له معارضه بالطبع، وهو يمكن أن يطاول المهرجان الشعري
الذي تبثه قناة تلفزيون أبو ظبي، وليس من مجال للغوص فيه هنا، أكثر من ذلك،
لأن ما نود الحديث عنه يطاول مسألة أخرى تتعلق بالشاعرة الوحيدة الموجودة
بين ثمان وأربعين متسابقاً يستعدون للتنافس في ما بينهم من أجل الوصول الى
الألقاب الخمسة الأولى.
لقد
استبعدت إدارة المهرجان (شاعرة المليون) الأردنية الجنسية سهام العدوان
لأنها لم تلتزم قواعد اللعبة وهي تقرأ قصائدها المطولة على شاشة القناة
مباشرة، إذ قرأت من خارج الوقت المحدد لها على رغم تحذيرات لجنة التحكيم
والقائمين على البرنامج المتلفز لها بأنها قد استنفدت الوقت المخصص. ولكنها
وبإصرار غريب واصلت قراءة مطولاتها، الأمر الذي أدى الى حرمانها نهائياً من
فرصة التنافس على اللقب. الشاعرة العدوان بررت فعلتها هذه بأنها لا تطل عبر
الإعلام إلا فيما ندر، ولهذا وجدت البث التلفزيوني المباشر مناسبة لقراءة
ما يمكن قراءته من دون التقيد بشروط ووقت المسابقة الشعرية المثيرة للجدل.
إذاً خسرت
شاعرة المليون الوحيدة مكانها، وربما مكانتها أيضاً. ولكن من دون أن تتأثر
شاعريتها كثيراً بهذا الفقدان. فهي لم تخسر في واقع ثقافي، وإنما خسرت
مكانة يقررها التلفزيون سلفاً، وهذا يؤكد - ربما - جدة الرأي النقدي الذي
استهللنا به. فشاعر حقيقي مؤثث على ثقافة حقة لا يمكن انتزاعه من لقبه
وزمنه بسهولة حتى لو تجاهلته الفضائيات كلها. بالطبع يمكن قول أشياء كثيرة
في حال شاعرة المليون وعن سبب إصرارها على التمسك بالمايكروفون من أجل
قراءة قصائدها فتعدّت على زمن فضائي محدد، ما جعلها تخسر لقبها المنشود...
ولكن يكفيها الآن أنها تقف وحيدة ويتيمة خارج هذا النوع من زمن شعري، أقل
ما يقال فيه أنه لا يعرف الرواد السابقين ولا يعرف شيئاً عنهم، ما يدفع الى
التساؤل حول شاعريته!
الحياة اللندنية في
16
يناير 2009
ميشيل
خليفي ينهي تصوير «الزنديق»
الحياة - 16/01/09//
بعد غياب
سنوات طويلة عن الشاشة الكبيرة، وتحديداً منذ فيلمه «حكاية الجواهر الثلاث»
انتهى المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي من تصوير فيلمه الروائي الجديد
«الزنديق» من بطولة محمد بكري وميرا عوض، والذي تدور أحداثه في مدينة
الناصرة ومناطق أخرى من فلسطين.
ويروي
«الزنديق» قصة «م» (محمد بكري) وهو مخرج فلسطيني يقيم في بلد أوروبي، ويعمل
على إنجاز فيلم وثائقي مبني على شهادات رجال ونساء عاشوا أحداث نكبة العام
1948 من معارك وطرد ونزوح. «م» في أواخر الأربعينات، تعمل معه رشا (ميرا
عوض) شابة فلسطينية في أواخر العشرينات، يشعر بالانجذاب تجاهها، أما هي
فتضعه عند حده كي يحترم العلاقة المهنية القائمة بينهما.
تتصل أخت
«م» به، تعلمه أن ابن أخيه قام بقتل شاب آخر، وأن عائلته في مدينة الناصرة
يتهددها خطر كبير بسبب ثأر معلن من عائلة القتيل، يطاول جميع افرادها، بمن
في ذلك «م»، على رغم أنه يقيم في بلد بعيد. في البداية، لا يعود «م» الى
الناصرة، كما أن رشا تنصحه بجمع حقائبه والعودة الى أوروبا! ولكن «م» يرفض
ذلك، ويقرر العودة الى المدينة التي يصل إليها في الثانية صباحاً...
يتمحور
الفيلم حول هذه الساعات التي يقضيها «م» في انتظار الفجر، والتي توصله الى
رحلة في أعماق مدينته الأسطورية، من جهة، وإلى إعادة اكتشاف عالمه الداخلي
الذي يتضارب بين الماضي الحنيني والمستقبل «الذي يجب أن يتحرر من ذلك
الماضي من جهة أخرى»... فهل يستطيع الحداد على ما مضى من تاريخه الشخصي
والعائلي بل والجماعي الذي يربطه بتاريخ شعبه؟
الجدير
بالذكر أن الفيلم الجديد يجمع عدداً من العناصر الفنية التي سبق أن ساهمت
في إنتاج أفلام خليفي الماضية، مثل مدير التصوير البلجيكي ريمون فرومون،
ومدير الانتاج جورج خليفي، والمنتج المنفذ عمر القطان. والفيلم أُنتج
بموارد محدودة جداً، وباشتراك كلّ من ميشيل خليفي نفسه مع عمر القطان من
دون العودة الى مصادر تمويلية خارجية أخرى، وذلك في تحدٍّ جديد أمام
السينما الفلسطينية.
يذكر أن
خليفي أخرج خمسة أفلام طويلة أبرزها «عرس الجليل» (1987)، و «نشيد الحجر»
(1990)، و«حكاية الجواهر الثلاث» (1995)، التي حازت على الكثير من الجوائز
الدولية، وكانت ريادية في التعبير عن وجهة نظر خلاقة وناقدة، عالج من
خلالها الكثير من المواضيع الحيوية في التاريخ العربي الفلسطيني المعاصر.
الحياة اللندنية في
16
يناير 2009 |