تشهد حركة
دور العرض السينمائي اللبناني تراجعاً منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي
يشهد عليها انخفاض عدد رواد السينما المبرمج بنسبة 10% كل عام. ويرجع
الموزعون اسباب هذا التراجع الى تفشي القرصنة بالدرجة الأولى وانتشار
الكايبل غير المرخص. ومنذ العام 2005 أضيفت عوامل خارجية أخرى مؤثرة ضاعفت
من تردي السوق السينمائية ومن تدني مستوى المشاهدين وهي المتمثلة بالاوضاع
الأمنية وتراجع الحالة الاقتصادية.
لم يكن
العام 2008 أفضل من سابقيه على مستوى الجمهور. مازال التراجع مستمراً. فإذا
كان مجموع المشاهدين في العام 2007 قد تخطى المليونين بمئة ألف فإن العام
2008 استقر على مليوني مشاهد ارتادوا صالات العرض. هذا على الرغم من ارتفاع
نسبة الافلام العربية التي تأتي بجمهور مختلف وتوسع السوق لموزعين جدد
وافتتاح دور عرض جديدة هي "غراند سينما".
نيف ومئتا
فيلم استقبلتها دور العرض المحلية خلال العام 2008 ولكن الحديث على تراجع
رواد السينما في لبنان مازال السمة الأبرز لحركة دور العرض المحلية. منذ
منتصف التسعينات، اتسعت حركة افتتاح صالات سينمائية جديدة في بيروت
والمناطق بهدف تسهيل عملية ارتياد صالات السينما. ولكن عدد الرواد لم
يرتفع. واليوم يتحدث الموزعون عن "تدني الثقافة السينمائية" وانحسارها
لحساب "ثقافة المقاهي" و"الكايبل". كما يرجع بعضهم اسباب هذا التراجع خلال
العقد الأخير الى هجرة الشباب الذين يشكلون القاعدة الكبرى للجمهور
السينمائي المحلي وبالطبع انتشار الكايبل وقنوات الافلام غير المشفرة
والافلام المقرصنة. وبالاستناد الى بعض الارقام، يمكن الاستعانة بما يلي:
في العام 1964 كان لبنان يمثل 80% من نسبة الارباح في السوق الممتدة من
تركيا الى إيران. اليوم انخفضت هذه النسبة الى 6% لاسيما مع تطور الاسواق
السينمائية في البلدان المجاورة مثل دبي التي ارتفعت نسبة مبيعات تذاكرها
السينمائية سنوياً من مليون تذكرة في العام 1998 الى ثمانية ملايين خلال
العام 2007. وما يزيد من قلق المهتمين ان أعواماً مثل 2007 و2008 لم تشهد
هزات أمنية كبرى مثل اغتيالات 2005 وحرب تموز 2006 ولكنها على الرغم من ذلك
لا تشهد أي تحسن في الاقبال الجماهيري على دور العرض.
تتجلى هذه
التأثيرات في ايرادات الافلام على شباك التذاكر اذ نشهد صعوداً لأفلام أقل
جماهيرية فقط لأنها غير متوفرة على أقراص مهربة في السوق السوداء. بينما
تتراجع جماهيرية أفلام كبرى بسبب تداول نسخها غير الشرعية في الاسواق. من
هنا ليس مستغرباً أن يحل الشريط المصري الرومنسي "كابتن هيما" في المرتبة
الاولى للافلام الاكثر جماهيرية خلال العام 2008 بينما لا تستطيع أفلام مثل
The
Mummy 3
أو Indiana Jones 4
أو
Iron Man
أن تنافس بسبب من انتشار نسخها المقرصنة قبل وقت من خروجها في الصالات.
مفاجآت
شباك التذاكر
في حين
يجمع النقاد والصحافيون في العالم على ان 2008 لم تكن سنة سينمائية كبرى،
نجزم نحن بذلك ذلك ان ما يصلنا من تلك السنة المتواضعة سينمائياً هو نزر
قليل كفيل بتحويل اهم السنوات السينمائية عالمياً سنة عادية محلياً. إذ لا
يخفى على أحد ان حركة دور العرض السينمائي تحتل ركناً اساسياً في المشهد
السينمائي لاسيما في البلدان "المستوردة" للسينما، او بمعنى آخر غير
المنتجة لها. صحيح ان تلك الحركة تتفوق أكثر في البلدان ذات الصناعات
السينمائية مثل اميركا، الا انها تختلف في الاخيرة من حيث انها ترصد حركة
انتاجاتها بين جمهورها الطبيعي. بمعنى آخر، هناك تكامل بين حركتي الانتاج
والعرض هناك بينما تميل كفة الميزان هنا الى مؤشر الاستهلاك في غياب
التيارات الانتاجية. فالجمهور المحلي متلقٍ بامتياز كما هو الجمهور
الاميركي والاوروبي ربما، مع فارق اساسي هو ان السوق المحلية ليست سوقاً
اساسية للنتاجات الهوليوودية. ونادراً ما تدخل السوق المحلية في حسابات
المنتجين او تشكل فارقاً عند احتساب مداخيل الأفلام خارج اميركا لأسباب
تتراوح بين صغر هذه السوق وتأخر وصول الافلام اليها في معظم الأحيان.
أضف الى
ذلك ان ما يصلنا من ارهاصات تلك الصناعة المجنونة يقتصر على الانتاجات
الضخمة، بينما لا يسعنا تقويم حركة الانتاج المستقلة التي لا يصلنا شيء
منها. والحق ان اتساع مروحة العروض المحلية لا يتجاوز كونه توسعاً افقياً
(عددياً) وليس عمودياً (نوعياً). ولو ان الأخير يتحقق ليشمل الافلام الاقل
"سطوة" و"تباهياً" لأحدث هذا التوازن رضىً شبه كامل بين رواد السينما على
اختلاف ميولهم وأذواقهم. اذا أضفنا كل ذلك الى العوامل الداخلية آنفة الذكر
يتوضح لدينا ذلك التكاتف بين العوامل الخارجية والداخلية الذي يؤدي الى سنة
سينمائية كسنة 2008 تتفوق فيها أفلام اقل من عادية واقل من جماهيرية وتحتل
المراتب الاولى.
المفاجأة
الاولى تتمثل بتربع الشريط الرومنسي "كابتن هيما" من بطولة تامر حسني وزينة
في المرتبة الاولى بنحو 61 ألف مشاهد. في حين ان حلول فيلم مصري في المرتبة
الاولى خلال السنوات الفائتة كان يشترط وجود اسم عادل إمام على أفيشه كما
حدث في العامين 2003 و2005 عندما جاء "التجربة الدانماركية" و"السفارة في
العمارة" تباعاً في المرتبة الأولى. ولكن بحسب الموزعين المحليين، يدلل هذا
الفوز لفيلم "كابتن هيما" على نقطة أساسية وهي افادة الافلام غير المقرصنة
من نسبة مشاهدة عالية لا تتوفر للأخرى المقرصنة. عادل امام من جهة ثانية لم
يتمكن هذا العام من تحقيق جماهيرية كبرى بجديده "حسن ومرقص" الذي حل في
المرتبة 19 على الرغم من التوقعات الكبرى التي أحاطت به.
في
المرتبة الثانية، جاء
The Dark Knight
الجزء الثاني لـBatman:
The Beginning جاذباً نيفاً و59 ألف مشاهد. الفيلم الذي تميز بمؤثراته
البصرية الخارقة وحبكته المتقنة أضاف الى مميزاته أداء هيث ليدجر المميز
وجاءت وفاة الأخير المفاجئة في مطلع العام 2008 لتضاعف من التهافت على
الفيلم وسط تردد الشائعات حول امكانية منح ليدجر اوسكاراً سيشكل في حال
حدوثه سابقة اذ لم يسبق للجائزة ان ذهبت الى ممثل راحل.
في
المرتبة الثالثة حل جديد جايمس بوند
Quantum
of Solace)
55،701
مشاهد) وهي نفس المكانة التي احتلها سابقه
Casino
Royale
في العام 2006 مع ملاحظة الفرق الشاسع في أعداد الجمهور. ففيلم مثل
Die Another
Day
لبوند ايضاً كان كفيلاً في العام 2002 بجذب 130 الف مشاهد اما اليوم فقد
انخفض جمهوره الى أقل من النصف على الرغم من ان هواة السلسلة لا يتبدلون
جذرياً. فهل نقول انها القرصنة مجدداً؟
في
المرتبة الرابعة تتبدل اللهجة من الاكشن والمغامرات الى الموسيقى حيث يحل
Mamma
Mia (55،039
مشاهداً) المنقول من المسرح الى السينما مع ميريل ستريب في دور غنائي للمرة
الاولى يشاركها بيرس بروسنان في دور مشابه.
في اطار
موسيقي ايضاً أقل بالطبع، حل
High School Musical 3
في المرتبة الخامسة (48،291 مشاهداً). انتاج ديزني الذي انتقل في جزئه
الثالث من التلفزيون الى السينما كان كفيلاً بجذب جمهور كبير من الاطفال
والمراهقين على الرغم من أن كثيرين كانوا قد شاهدوه قبل خروجه في الصالات
على "دي.في.دي" مقرصن.
مفاجأة
أخرى في المرتبة السادسة حيث تربع الفيلم اللبناني الساذج وغير الاصلي
"مدام بامبينو" المأخوذ عن الفيلم الأميركي الشهير
Mrs.
Doubtfire
بنحو 44 ألف مشاهد. وذلك غير مفاجئ حيث من الطبيعي أن يتسبب غياب الجمهور
السينمائي الفعلي في افساح المجال لجمهور آخر ـ جمهور المسلسلات والتلفزيون
ـ ليدفع بذائقته الى الصدارة.
المرتبة
السابعة كانت لفيلم
Wanted (38،215
مشاهداً) من بطولة جايمس ماكافوي ومورغن فريمن وأنجيلينا جولي بحكاية بسيطة
عن شاب يكتشف انه ابن قاتل محترف يتمتع بقدرات خارقة. أما المرتبة الثامنة
فاستحقها شريط شبيه هو
Hancock
(38،193
مشاهداً) مع ويل سميث في دور بطل خارق آخر.
المحاكاة
الكوميدية الساخرة لأفلام الجاسوسية
Get Smart
حل في المرتبة التاسعة (36،334 مشاهداً) مع آن هاثواي وستيف كاريل وجاءت في
العاشرة الكوميديا الرومنسية
What Happens
In Vegas مع كاميرون دياز واشتن كاتشر.
لا تختلف
تركيبة هذا العام على شباك التذاكر كثيراً عن سابقاتها ولكنها أقل جاذبية
بكثير حيث لا وجود لأفلام درامية كبرى او حربية او ملحمية او حتى قصص حب
مؤثرة. فالمزاج العام يميل الى الهروب من الواقع عبر أفلام ترفيهية صرفة.
خارج
السباق
من المجحف
بمكان كما هو من التسطيح ان تُحصر مؤشرات العام السينمائية بالأفلام التي
لاقت الرواج الجماهيري الأوسع. ففي ظل ارتهان حركة دور العرض بأفلام اللون
الواحد واسهام ذلك في تحديد نوعية الجمهور الذي يرتاد الصالات وسواها من
العوامل المؤثرة، تبقى الافلام التي تلقى الجماهيرية رهينة تلك الشروط.
ولكن شريحة من الاقلية السينمائية، اذا جاز التعبير، تمارس حقها في الخروج
على تلك الشروط من دون ان يؤثر صوتها في دفع ذائقتها المختلفة الى الواجهة
التي تحتكرها الافلام السائدة. خلف تلك، ثمة عدد من الافلام المختلفة
الهوليوودية وغير الهوليوودية التي خرجت في الصالات خلال العام المنصرم
وشكلت فرصة لخوض تجربة مشاهدة سينمائية مختلفة مع الإشارة الى ان هذا
الهامش بات يضيق عاماً بعد عام نافياً الافلام المختلفة الى خانة
المهرجانات والاحتفالات الخاصة. خارج اطار شباك التذاكر والاقبال
الجماهيري، حضرت خلال العام 2008 أفلام قليلة جيدة لم تفلح في اصطياد جمهور
كبير أبرزها:
[
Im Not There:
فيلم تود هاينز عن المغني والموسيقي بوب ديلن يقف من بين أفضل الأفلام التي
أنجزت حول سير المشاهير بفضل ابتكارات مخرجه الذي آثر تجسيد ديلن في مراحل
حياته المختلفة وأدواره من خلال ست شخصيات لعبها ستة ممثلين مختلفين من
بينهم هيث ليدجر وكايت بلانشيت. يذكر ان الفيلم هو الاول لهاينز في الصالات
المحلية منذ
Far From
Heaven عام 2002.
[
Atonement:
من الافلام التي نالت حظوة كبرى في العالم خلال العام الفائت ورشح لجوائز
كثيرة. مخرجه هو البريطاني جو رايت الذي يقتبس هنا رواية ايان ماك ايوان عن
فتاة في الثالثة عشرة تغير مجرى حيوات اشخاص كثيرين من حولها عندما تتهم
حبيب شقيقتها بجريمة لم يرتكبها. البطولة لكيرا نايتلي وجايمس مكافوي.
[
The Kite
Runner: من المخرج المتنوع مارك فورستلر الذي شاهد له الجمهور المحلي
سابقاً
Monster Ball
وFinding
Neverland،
يأتي هذا الشريط الذي تدور أحداثه بين أفغانستان والولايات المتحدة
الاميركية على امتداد ثلاثة عقود ويروي حكاية صداقة بين شاب غني وابن
خادمهم.
[Love
in the time of Cholera:
أخيراً وبعد طول انتظار، وجدت رواية غابرييل غارسيا ماركيز "الحب في زمن
الكوليرا" طريقها الى السينما على يد بريطانيين: المخرج مايك نيويل (صاحب
"اربع زيجات وجنازة") والكاتب رونالد هاروود (صاحب سيناريو
The Pianist لرومان بولانسكي). على مدى قرابة نصف قرن، تحكي الرواية
بواقعية آسرة عشق رجل جنوني لامرأة. انها حكاية الشاب "فلورينتينو" الموظف
الصغير والشاعر الذي يقع في غرام جارته "فيرمينا" من النظرة الاولى مثلما
ينجح في الايقاع بقلبها. ولكن والدها الثري يأخذ عهداً على نفسه بتفريق شمل
الحبيبين. هكذا تتزوج "فيرمينا" من "جوفينال" الطبيب الشاب الذي يتمكن من
القضاء على الكوليرا في البلدة التي يقيم الاثنان فيها. وتبتعد "فيرمينا"
لتعيش في باريس وتنسى "فلورينتينو" الذي على الرغم من تبدل أحواله وامتلاكه
لسفينة كبرى ومعرفته بمئات النساء، لا يستطيع ان ينسى "فيرمينا" بل انه
يترك روحه العذراء لها ولا يتنازل عن فكرة الاجتماع بها مجدداً.
بالطبع
تحمل رواية ماركيز مواصفات كثيرة. فهي اولاً اختزال للحظة التحول الزمني من
القرن التاسع عشر الى العشرين الذي يمثله رمزياً ٍفلورينتينو" و"جوفينال":
الاول برومنسيته وايمانه المطلق بالحب وجنونه ـ ومن هنا تتحول الكوليرا في
العنوان اختزالاً للحب كوباء خطير ـ والثاني بقدراته العلمية والتقنية التي
تنم عن روح القرن العشرين. تبدأ أحداث الفيلم من ثلاثينات القرن العشرين
بموت "جوفينال" الذي يجدد أمل "فلورنتينو" بالاجتماع بحبيبته من جديد
وتسترجع بداية الحكاية في العام 1879. قام بالادوار الرئيسية في الفيلم كل
من خافيير باردم في دور "فلورينتينو" والايطالية جيوفانا ميزوجيورنو في دور
"فيرمينا" وبنجامن برات في شخصية "جوفينال".
*There
Will Be Blood:
من بين افضل أفلام 2008 يأتي شريط بول توماس أندرسن هذا الذي يدور حول ملك
النفط في مطلع القرن العشرين "دانييل بلاينفيو" يلعبه الممثل دانييل داي ـ
لويس في أداء أكسبه أوسكاره الثاني بعد
Gangs of New
York.
*
Burn After
Reading: آخر إنجازات الاخوين كوين وصل الصالات المحلية بعيد افتتاحه
مهرجان البندقية اواخر آب/أغسطس الفائت وهو شريطهما الثاني خلال العام 2008
الذي يعرض محلياً بعد
No Country for
Old
Men.
وما اختلاف الشريطين سوى دلالة صغيرة على موهبة هذين السينمائيين اللذين ان
قررا الغوص على موضوعة العنف جاء فيلمهما الأخير غاية في الاتقان والعمق
وان قررا السخرية من المفاهيم والاساليب الاستخباراتية خرجا بفيلم مذهل مثل
Burn
After
Reading.
ولكن كلا الفيلمين لم يحقق جماهيرية تذكر مع تقدم الاخير (المرتبة 43
و14الف مشاهد ونيف) بسبب نبرته الساخرة وحسه الكوميدي.
[
Persepolis:
وجد طريقه الى الصالات المحلية بعد ممانعة الرقابة عرضه في بداية الأمر
بسبب من موضوعه الذي يمس مباشرة بالثورة الاسلامية في ايران. وكان فيلم
التحريك المقتبس عن رسومات مارجان ساترابي التي تروي من خلالها حياتها
وتجربتها ابان الثورة الايرانية قد اثار ردود فعل كبرى حول العالم بعيد
عرضه الافتتاحي في مهرجان كان 2006 وفوزه مناصفة بجائزة لجنة التحكيم
الخاصة. على الرغم من ذلك، حل في المرتبة العاشرة بعد المئة في شباك
التذاكر المحلي ولم يتخطَ عدد مشاهديه الثلاثة آلاف وخمسمئة مشاهد الا
بقليل.
*The
Lives of Others:
بعد فوزه بأوسكار أفضل فيلم أجنبي عام لعام 2007، عرض هذا الشريط الالماني
المثير للجدل في صالاتنا. مخرجه الشاب (33 سنة) فلوريان هنكل فون دونرسمارك
كان الالماني الثالث الذي يحوز الجائزة خلال تاريخ جوائز الاوسكار بعد
فيلمي
Nowhere in
Africa )2002) وThe
Tin Drum )1980).
في باكورة أعماله اذاً، يتناول دونرسمارك موضوعاً ظل لوقت طويل حكراً على
الادب او المحاولات السينمائية غير العميقة. ثمة أعمال كوميدية كثيرة
تناولت التاريخ الأسود لجهاز مخابرات ألمانيا الشرقية او ما كان يُعرف
بـ"ستازي" ولكنه لم يُطرق بالجدية والعمق اللذين يشكلان ابرز سمات الفيلم
الحالي. فذلك الجهاز الذي قام على جهود قرابة تسعين الف موظف ونحو من مئتي
الف مخبر يقدمه الفيلم من خلال شخصيات قليلة في مقدمها الضابط "غيرد
وايزلر" المكلف التنصت على الكاتب المسرحي "درايمان" ليل نهار. ولكن ما
يبدأ كمهمة مخابراتية بحتة يتحول افتتاناً انسانياً عميقاً سيؤدي بالضابط
الى نهاية غير محسوبة. وسط موجة الاعجاب التي رافقت الفيلم، قام المؤرخ
الالماني هيوبرتس نايب بلفت الانتباه الى ان الفيلم يجمّل صورة جهاز
مخابرات المانيا الشرقية معتبراً انه من المستحيل العثور على شخصية واقعية
من "ستازي" تشبه الشخصية السينمائية في الفيلم ولكن "لا بد من اختراع ستازي
جيد لتتمكن السينما من نقله الى الجمهور فهذا الشر الذي مثلته المخابرات
يصعب تحمله".
*
Promise me
This: شريط السينمائي إمير كوستوريتسا عرض في الصالات المحلية بعد
مرور سنة ونصف على عرضه في مهرجان كان 2006 ولكنه جاء مغالياً في التهريج
مما وضعه في خانة لاحقة لأفلام المخرج من طراز
Underground
وWhite
Cat, Black cat.
على صعيد
آخر، عرضت مجموعة من الافلام السياسية التي تأخذ من موضوعة الحرب على
العراق والازمة السياسية في الشرق الاوسط محوراً أساسياً لها. في هذا
السياق، افتتح العام بفيلم
Rendition
لغافن هود الذي يدور حول اتهام مهندس اميركي من اصل مصري بتفجير موكب
أميركي في دولة شرق أوسطية غير محددة. خلال سفره داخل الولايات المتحدة
الاميركية، يعتقل المهندس ويرحل الى سجن عربي للتحقيق والتعذيب فيما زوجته
الاميركية تحاول اكتشاف مصيره وعميل وكالة الاستخبارات يقف حائراً أمام ما
يجري. لعب البطولة الممثل عمر متولي الاميركي المصري الى جانب ريز ويذرسبون
وجايك غيلينهال. ثلاثة أفلام أخرى اتخذت من الحرب على العراق موضوعاً هي:
In
the Valley of Elah
لبول هاغيز بول هاغيزمتناولاً حكاية مستقاة من الواقع عن شرطي سابق يشرع في
رحلة بحث عن ابنه المجند الذي يختفي بعيد عودته من العراق؛
Battle for
Haditha
للبريطاني نيك برومفيلد الذي يعيد خلق حادثة واقعية بأسلوب أقرب الى سينما
الحقيقة وقعت في العام 2005 في بلدة حديثة وسط المثلث السني المشتعل. ففي
تشرين الثاني من العام 2005، أدى انفجار عبوة ناسفة وضعت الى جانب الطريق
بحياة عنصر من المارينز وجرح اثنين آخرين مما دفع بفرقة المارينز الى
الانتقام بقتل اربعة وعشرين عراقياً من الرجال والاطفال والنساء. على أثر
الحادثة، وُجهت تهمة القتل الى أربع من المارينز؛
Redacted
لبراين دو بالما الذي يتخذ من أفلام الانترنت وصورها حول أفعال الجنود
الاميركيين في العراق مادة لفيلمه.
نضيف الى
تلك الافلام شريط ريدلي سكوت الذي خرج خلال الاسابيع الاخيرة من العام 2008
في الصالات المحلية
Body of Lies غير البعيد من حمأة الموضوع السياسي في المنطقة حيث تدور
أحداثه حول تفكيك شبكة إرهابية في الاردن بتعاون جهاز الاستخبارات الاميركي
والمخابرات الاردنية. البطولة لراسل كرو وليوناردو ديكابريو.
كذلك شهد
العام 2008 عودة أسماء سينمائية كبيرة الى دور العرض المحلية مثل المخضرم
سيدني لوميت بآخر أفلامه
Before the Devil Knows That Youre Dead
؛ مايكل هانيكي في تجربة غريبة
Funny Games
التي تشكل اعادة أميركية لواحد من أفلامه وهو الذي شاهد له الجمهور المحلي
قبل عامين فيلمه المميز
Cache؛
ميلوش فورمن بفيلم
Goyas Ghosts
الذي يتناول محاكم التفتيش ابان حياة الرسام الاسباني الشهير؛ وان كارـ واي
بفيلمه الاول الناطق بالانكليزية
My Blueberry Nights
مع نورا جونز وجود لو؛ دايفيد كروننبيرغ بشريطه
Eastern promises.
أفلام
لبنانية وعربية
انطوى
العام 2008 على عدد من الافلام اللبنانية والعربية التي خرجت في دور العرض
المحلية من دون أن تتمكن من إعادة انعاش سوق الفيلم العربي او الأحرى
المصري الذي كان سائداً قبل الحرب ناهيك بالافلام العربية غير المصرية
الغائبة بشكل كلي عن صالاتنا. أبرز الافلام المصرية التي عرضت خلال العام
المنصرم اثنان: "حسن ومرقص" و"ليلة البيبي دول". يتشارك الفيلمان المصير
الجماهيري عينه وخيبة الامل عينها. فالاول فيلم يُعد حدثاً بمقاييس السوق
كما بالمقاييس الفنية اذ يجمع للمرة الاولى بين نجمين مصريين كبيرين: نجم
الكوميديا عادل إمام والممثل العالمي عمر الشريف. وفوق ذلك في حكاية مثيرة
للجدل والاهتمام: التعايش بين الاقباط والمسلمين في مصر. ولكن الشريط جاء
على قدر كبير من السذاجة والتسطيح الامر الذي لم يفقده جماهيريته تماماً
على عكس "ليلة البيبي دول" اذ حل في المرتبة التاسعة عشرة على شباك التذاكر
اللبناني بنحو 23 الف مشاهد. على عكسه، لم يتمكن فيلم "ليلة البيبي دول"
الذي جندت له الملايين من خطب ود المشاهدين فحل في المرتبة الثانية
والسبعين بعد المئة ولم يصل عدد مشاهديه الى ألف وخمسمئة! فعلى الرغم من
التسويق واحتشاد عشرات الممثلين والنجوم لم يتمكن الشريط بتركيبته الدرامية
الهشة وخطابيته من التحول فيلماً ذا قيمة. ينضم الى اللائحة ايضاً آخر
أفلام السينمائي الراحل يوسف شاهين "هي فوضى" الذي جاء في المرتبة 78 بسبعة
آلاف مشاهد في حين تأخر عنه شريط مخرجه المشارك خالد يوسف "حين ميسرة" على
الرغم من موضوعه الجدلي عن علاقة مثلية بين امرأتين فحل في المرتبة 187
بأقل من الف مشاهد. كذلك يلحظ تفاوت كبير في جماهيرية الممثل المصري
الكوميدي محمد سعد الذي حضر خلال 2008 بفيلمين: "كركر" (المرتبة 184، 957
مشاهداً) و"بوشكاش" (المرتبة 71، 8 آلاف مشاهد). تكمل سبحة الافلام المصرية
مع "آسف على الازعاج" و"كده رضا" و"دبور" و"الريس عمر حرب" و"كباريه"
و"طباخ الريس" و"عندليب الدقي" و"مسجون ترانزيت"...
وخارج
اطار الافلام المصرية الكوميدية المعتادة، عرض "بحر النجوم" الانتاج الاول
لشركة "بيبسي" في هيئة فيلم موسيقي يجمع بين نجوم حملتها الدعائية هيفاء
وهبي ووائل كفوري واحمد الشريف وكارول سماحة ورويدا المحروقي في نص سينمائي
مفبرك ومصطنع. حل الفيلم في المرتبة 24 بنحو 19 الف مشاهد.
على صعيد
آخر، كانت سنة عادية بالنسبة الى الافلام اللبنانية التي شاهدنا منها في
الصالات أربعة: "بدي شوف" لخليل جريج وجوانا حاجي توما (المرتبة 138، 2،280
مشاهداً)، "دخان بلا نار" (المرتبة 72، نحو 8 آلاف مشاهد) لسمير حبشي
المستمر عرضه في الصالات، "خليك معي" (المرتبة 31، 17 الف مشاهد) لإيلي
حبيب و"أطفال الحب" (المرتبة 154، 1،700 مشاهد).
المستقبل اللبنانية في
9
يناير 2009 |