يمنح
التلفزيون أحياناً لحظات فالتة من الزمن، هي ليست للتسلية، وليست لتقديم
الخبر العاجل الصاعق. حينها تكون المشاهدة غوصاً في زمن الذكرى بما يشبه
سفراً عكسياً يمنح الدرس الآخر، درس العبرة التي تجعلك تأخذ مهلة تفكير
طويلة فتستريح من موج الخبر الذي لا يدعو سوى الى رد الفعل والحركة.
وفي هذا
السياق ارتأت القناة الثانية الدولية المغربية الموجهة الى الخارج أن تعيد
بث برامج تعرّف بأبطال البلد وأساطيره التي سطرت حكاياتها الواقعية من رحم
المعاناة والعناد والصمود والكفاح في جل المجالات. وهو أمر لم يكن وارداً
كثيراً في البرمجة التلفزيونية المعهودة.
ومن هذه البرامج «نجوم من الماضي» الذي يؤلفه وينتجه حكيم غزاوي، وهو، كما
يدلّ اسمه، يسلط الضوء على نجوم الماضي الغابر. ولعل ابرز حلقاته تلك التي
سجلت حول «أسطورة الكرة المغربية» عبدالسلام الشتوكي الذي كان مثالاً للرجل
الذي وجد نفسه في خضم الأضواء الساطعة في مغرب واقع تحت ضغط الحماية
الفرنسية، وسرعان ما صار بطلاً كروياً من عيار كبار لاعبي زمانه. فبعد
اكتشاف موهبته الكروية وقدرته على المراوغة والتهديف، ناداه أبرز فريق
مغربي آنذاك، وأكبرها حالياً، فريق «الوداد البيضاوي» الذي سيتألق في
صفوفه، وسيقوده للفوز بالبطولات الكثيرة، وأهمها بطولة شمال إفريقيا التي
كانت تضم تونس والجزائر والمغرب، الواقعة كلها تحت قبضة المستعمر الفرنسي.
توقف
البرنامج كثيراً عند اللحظات الفاصلة في حياة عبدالسلام الشتوكي والتي كانت
تنبئ عن شخصيته المعتدة العنيدة الفخورة بمغربيتها في زمن لم تكن أمور كهذه
واضحة في المجال الرياضي، على رغم أن جل الفرق الرياضية كانت ممتلئة إذّاك
بالمقاومين ورجالات الحركة الوطنية التي ستقود إلى الاستقلال.
وللتدليل
على شخصيته هذه، ركز البرنامج على ما حدث في 1953 حين كان «الوداد» سيلعب
نهاية كروية كبيرة في الجزائر، فما كان من عبدالسلام الشتوكي إلا أن طلب
حضور الراية المغربية. وحدث له أن لعب نهاية كأس فرنسا في السنة ذاتها، وقد
جرت العادة أن يلبي رئيس الجمهورية حينها للاعبين ما يتوقون الى تحقيقه،
فاكتفى الشتوكي بطلب عودة محمد الخامس الذي كانت فرنسا نفته إلى جزيرة
مدغشقر.
وهكذا كان
الشتوكي يسجل الأهداف في شباك الخصوم، ويسجل المواقف في شباك النضال، بكل
عفوية كما بيّن البرنامج باقتدار كبير.
لقد نجح
البرنامج في تقديم هذه الحياة الاستثنائية لـ «أسطورة» كرة قدم سبق بعقود
«الأسطورة» الأخرى زين الدين زيدان الآتي من الأرض العربية ذاتها. والغريب،
ان المطاف انتهى بالبطل الشتوكي كما فعل زين الدين زيدان في ما بعد، بلكم
حكم فرنسي في إحدى المباريات، فكانت نهايته في الملاعب الفرنسية والملاعب
بعامة.
ولتسطير
هذه السيرة، غلب على الحلقة الطابع الحنيني القوي، والموسيقى الأوبرالية
التي تسود فيها نغمات الأرغن.
واللافت
اختيار ثلاث تقنيات للتصوير والإعداد: السرد الذي يحفل بلغة التبجيل
والاحترام برنة خفوت متأكدة، وصور الألبوم العام للبطل والمقدمة في إطارات
مستطيلة وســطية، تــــبدو كما لو كانت محاطة بهالات، إضافة الى مقاطع من
المقابلات الكروية من أرشيف مؤسسة «كومون» السينمائية الفرنسية، وأخيراً
الحوارات مع رفاق اللاعب الذين نشأوا برفقته ولازموه في الفرق المغربية
والفرنسية.
أياً يكن
الأمر، تعتبر هذه الحلقة نموذجاً للاحتفاء والتذكير بمسار بطل تراجيدي على
الشاكلة الإغريقية، خصوصاً انها نجحت في حصر الجوانب المضيئة والخفية من
حياته القصيرة الحافلة.
الحياة اللندنية في
7
يناير 2009 |