في
الاسبوع الأخير من العام الماضي قدمت السينما الأمريكية مجموعة من الأفلام
الكوميدية العائلية التي تناسب العرض في احتفالات الكريسماس وأعياد رأس
السنة وقد حقق اثنان من تلك الأفلام إيرادات وصلت بهما إلي قائمة أعلي
الإيرادات ،وأول هذه الافلام للنجم جيم كاري باسم الرجل الذي يقول نعم أو
وثانيهما فيلم حواديت قبل النوم للنجم آدم ساندلر ،وربما يكون هذين النجمين
مثالا ناجحا وواضحا للاختلاف الشديد في مفهوم نجم الكوميديا عندنا و عندهم
في السينما الامريكية ! الاناقة والرشاقة وبعض الوسامة هي السمات المشتركة
بين النجمين الامريكيين ،بينما ممثل الكوميديا عندنا هو من لاتؤهله ملامحه
وتكوينه الجسدي لأداء الأدوار الرومانسية أو الاكشن ،فيتجه من فوره ،لأداء
أدوار الكوميدياقصر ديل يعني.وبنظرة سريعه علي كل محمد سعد ،ومحمد هنيدي
،وأحمد رزق وأحمد عيد وهاني رمزي وأحمد آدم وقبلهما الراحل علاء ولي الدين
سوف ندرك أن معظم هؤلاء يعتمد في الإضحاك إما علي طوله الشديد أو نحافته أو
بدانته أو قصره الواضح ،وأغلب كتاب الكوميديا يلعبون علي تلك العيوب
الشكلية عند الكتابة لأي من هؤلاء ،وهو مايطلق عليه تفصيل السيناريو علي
مقاس النجم ،فيخرج الفيلم محدود الطموح يشابه ما سبق وقدمه هذا النجم أو
ذاك ،وهي مسألة تقيد الطموح وطاقة الإبداع عند أي كاتب أو مخرج لفيلم يلعبه
أي من نجوم الكوميديا!الرجل الذي يقول نعم أو فيلم يبدأ عرضه في القاهرة
غدا الاربعاء ويقدم من خلاله جيم كاري حالة رجل تخلي عنه الأصدقاء وهجرته
زوجته لأنه دائم الرفض لكل فكرة أو اقتراح ،حتي أنه في مجال عمله كرجل
بنوك، اشتهر عنه رفضه الدائم لطلبات القروض التي يقدمها العملاء ،حتي وصل
به الأمر أن يصبح منبوذا بين الناس ،ولكنه في النهاية يخضع لنصيحة أحد
الاصدقاء ويقبل الدعوة لمحاضرة يلقيها أحد خبراء علم الاجتماع ،الذي يخضعه
لعمليه غسيل دماغ ويقنعه بأن يقول نعم دائما ،وإلا تعرض للمخاطر والمصائب
،ويبدو أنه اقتنع بالأمر ،وبدأ في استخدام كلمة نعم بعد أن حذف لا من
قاموسه اللغوي تماما ،والمدهش أن هذه الكلمة كان لها فعل السحر في حياته
،وحققت له في فترة قياسية بعض ما فشل في تحقيقه طوال عمره ،وخاصة في مجال
عمله حيث أصبح مشهورا عنه موافقته الدائمة علي كل طلبات القروض الصغيرة
للعملاء ،والأهم من ذلك أنه التقي بفتاة أحلامه .إلي أن يحدث انقلابا ثان
في حياته عندما يكتشف أنه اصبح يوافق علي أشياء ضد قناعاته الشخصية ،وهو
الأمر الذي أزعجه كثيرا وأدي به لمحاولة التخلص من تلك اللعنة التي فرضها
عليه ،خبير علم الاجتماع ،ولكنه يكتشف أن الرجل بالغ في إرهابه بتوصية من
الاصدقاء حتي يجعله يتخلص من رفضه الدائم للأشياء، ويقوم مدير البنك
باستدعائه لمكتبه، مما يجعله يظن أنه في سبيله لطرده من عمله بعد أن بلغت
موافقاته علي طلب القروض حدا يفوق التصور، ولكنه يفاجأ بأن المدير يعرض
عليه منصباً أفضل ،لأنه حقق إنجازا اقتصاديا كبيرا،لأن أصحاب القروض الضخمة
في العادة يتعثرون في رد القرض مما يعرض البنوك للخسائر أما أصحاب القروض
الصغيرة فيسهل عليهم ذلك بل ان تلك القروض الصغيرة تساعدهم في إقامة مشاريع
تعينهم علي الحياة ومن ثم الالتزام برد القرض وفوائده ،إنها نظرية اقتصادية
مهمة أتمني أن تستعيرها بنوكنا للخروج من أزماتها المتلاحقة! أداء جيم كاري
في حالة تطور دائم فهو يتخلي الي حد كبير عن المبالغات في الأداء ،ويقدم
حالة إنسانية تمتلئ بالبهجة والكوميديا التي تعتمد علي الموقف دون السقوط
في دوامة البحث عن إفيه لفظي أو حركي !ورغم أن كثيرا من النقاد في أمريكا
حاولوا عقد مقارنة بين فيلم الرجل الذي يقول نعم وفيلم كذاب ،كذابلجيم كاري
ايضا إلا أن موضوع كل من الفيلمين يختلف تماما عن الآخر ولاوجه للمقارنة
بينهما بخلاف وقوع البطل تحت فكرة عدم القدرة علي قول كلمة لا في الفيلم
الاول ،وعدم قدرته علي الكذب في الثاني ،وغير ذلك فنحن أمام أحد اهم
الافلام الكوميديه التي عرضت في نهاية الاسبوع الاخير من العام الماضي،
واستمراره في البقاء ضمن قائمة الأكثر إيرادات في السينما الامريكية !أما
فيلم حواديت عند النوم أو الذي يلعب بطولته آدم ساندلر فهو من أمتع الافلام
وأكثرها إثارة للبهجة ،بل هو النموذج الامثل لأفلام العائلة ،حيث يقدم من
خلاله النجم آدم ساندلر شخصية شاب ،كان والده يمتلك فندقا صغيرا يديره
،ولكنه يتعثر ماديا ويضطر لبيع فندقه لمستثمر كبير.. يقرر بناء فندق ضخم
علي أحدث الطرز المعمارية ،وبعد وفاة الاب ،يضطر الابن للعمل في نفس الفندق
،ولكن في مهنة متواضعة لاتزيد علي خدمة غرف النزلاء، ويتعرض للمهانة من
صاحب الفندق ،وخطيب ابنته الذي يطمح في السيطرة علي مقاليد الأمور.ويعيش
الشاب في محاولة دؤوبة لأن يصبح يوما مالكا للفندق ،رغم أنه يعتقد أن
الحياة لا تحمل في طياتها أية مفاجآت سعيدة ،ويحدث أن تعهد إليه شقيقته
برعاية طفليها أثناء انشغالها بعملها ،ولايجد الشاب وسيلة للسيطرة علي
الطفلين أفضل من سرد بعض الحواديت الخيالية ،التي تمتعهما قبل الخلود للنوم
،وفي هذه الحواديت يستغرق الشاب في أحلامه ويأخذه الخيال ويصبح بطلا لهذه
الحواديت الخرافية التي تدور في أزمنة مختلفة ،فيعود أحيانا لعصر بطولات
هرقل ويتخيل نفسه مكانه ،ينتصر علي الاعداء ويبهر الاميرة ،ويعيد الحق
لأصحابه ،أو يقفز به الخيال أحيانا الي عصر الفضاء، فيتخيل نفسه يركب مركبة
فضائية تجوب بين الكواكب الاخري !والاطفال يستمتعون بالحواديت ويطالبونه
بالمزيد.أما في دنيا الواقع فهو يحاول أن يقدم بعض التصورات لمالك الفندق
الجديد ،عن كيفية تقديم أفضل الخدمات للزبائن ولكنه لايلقي منه اهتماما
،وخاصة عندما يقف خطيب ابنة الرجل في مواجهته ويرفض أية مقترحات يقدمها
،ولكن الامور تتطور عندما يقرر صاحب الفندق شراء الارض التي تقع عليها
مدرسة للأطفال بغرض ضم أرض تلك المدرسة للفندق بعد إضافة منشآت جديدة
،ويقوم بعض الاطفال بالاعتصام بالمدرسة لرفضهم تركها أو التخلي عنها ،وبين
هؤلاء أبناء شقيقة آدم ساندلر،الذي يضطر لمواجهة الامر بكل ما اوتي من حيل
،ويقوم لأول مرة في حياته ببطولة حقيقية ويمنع هدم المدرسة ،وهو الامر الذي
يؤدي الي تراجع صاحب الفندق عن قراره ،وتنتهي الاحداث بقيام الشاب ببناء
فندق صغير يديره بفلسفته الخاصة ومعرفته لأفضل الطرق للادارة ! الفيلم يجمع
بين استعراض الحواديت الخيالية البديعة ومشاهد الواقع ،ويمتاز بالمواقف
الطريفة المبهجة التي يلعب فيها الاطفال دورا بارزا بالاستعانة ببعض
الحيوانات الاليفة ،وهي الخلطة الجهنمية الناجحة لما يسمي بأفلام العائلة
التي تحرص السينما الامريكية علي تقديمها في مواسم أعياد الميلاد !
جريدة القاهرة في
6
يناير 2009 |