قليلة هي الأفلام التي تحرك الفكر وتدفع للتأهل ومحاولة تفسير الحياة بعمق‏..‏ والسينما المصرية علي الاخص يشح فيها هذا النوع من الافلام وتكتفي غالبا بالتعرض السطحي للموضوعات حتي لو كانت تلك الموضوعات ذاتها هامة وذات اولوية‏.‏

نتحدث اولا عن الايجابي في فكر افلام العام‏..‏ وعلي رأسها فيلم آسف علي الازعاج بطولة احمد حلمي وتأليف ايمن بهجت قمر واخراج خالد مرعي‏..‏ هناك ايجابيات كثيرة اهمها حالة المغامرة الفنية التي يقدمها نجم شباك كوميدي لتقديم فيلم درامي يميل الي التراجيدية وتقل فيه اللمحات الكوميدية والمغامرة الفنية عامل رئيسي في تطور الفن في اي بلد وفي تطور الفكر السينمائي ايضا ـ ورغم ان مقارنة الفيلم بغيره من الافلام العالمية لن يكسبه اي تميز لكننا ننظر له هنا في السياق العام فهو فيلم ظاهرة عن بطل يعاني من الفصام وتستطيع ان تستنتج من باطنه معان كثيرة‏..‏ اهمها في حالة الشعور بالاضطهاد التي يشعر بها البطل تجاه كل من حوله‏..‏ وهي حالة تستطيع ان تتجاوز بها حالة البطل لنتلامس مع حالة مجتمع‏.‏

نفس المعني ايضا تجده في فيلم جنينة الأسماك اخراج يسري نصر الله الذي يتحدث عن الخوف في حياة كل شخصيات الفيلم‏..‏ باعتباره حالة لناس اصبحوا لايشعرون بالامان‏..‏ ورغم المبالغة في تقديم الفكرة والافراط في ملامحها‏..‏ ورغم تقديم اسلوب سينمائي اعتمد علي كسر الايهام وحوار الممثلين مع المتفرج‏..‏ وهو ما كسر ـ في رأيي ـ حالة الاندماج مع الخوف الذي مفترض ان تشعر به مع ابطال الفيلم الا ان الفكرة وصلت‏.‏

اما اكثر الافكار السلبية في سينما‏2008‏ فهي فكرة فيلم الريس عمر حرب الذي جسدت شخصية مدير كازينو قمار باعتباره الشيطان ذاته علي حد توصيف تليمذه خالد له‏..‏ وناهيك عن مباشرة الفكرة ونجاح اسلوب التقديم حيث تجاوزت السينما زمن طويل تشخيص الشيطان مجسما في صورة انسان باستثناء بعض الافلام مثل محامي الشيطان بطول آل باتشينو‏..‏ والفيلم يفترض بان الشيطان هو الذي يتحكم بكل مقدرات العالم ومصائر الشخصيات ليس عالم الكازينو فقط ويزعم عمر حرب الذي هو الشيطان ان البشر هم اسري لنوازع الضعف والمصلحة والاثام بداخلهم ويحاول بطل الفيلم خالد الهروب من اسر الشيطان بل وخداعه‏..‏ لكنه لاينجح ويبهره الشيطان بان كل ما حدث احداث كانت مختلفة تحركها ايدي الشيطان وكل ما ومنعه البشر داخل الفيلم كان باوامر منه ـ ولكن بالرجوع لتاريخ الفنون والاساطير ككل في اغلب الثقافات لاغير اعمال تظهر الشيطان ينتصر في النهاية ويسيطر علي مقدرات الاشياء‏.‏

هذا طبعا باستثناء اعمال لاتذكر لهواه فنون من اتباع السحر الاسود‏..‏ اما الاعمال التي تناولت الشيطان ودوره في الحياة كفاوست لجوته والفردوس المفقود لجون ميلتون ورسالة الغفران لابو العلاء المعري والجحيم لدانتي الليجري وحتي فيلم حليف الشيطان لباتشينو كلها تظهر الشيطان ينهزم في النهاية حتي لو كانت الحياة تظهر الشيطان ينتصر احيانا في الواقع‏..‏ لكن لان كل الفنون لابد ان تسعي الي الخير وتعلي قيمته داخل النفس البشرية‏..‏ فقد دأب المبدعين علي اظهار انتصار الخير علي الشر دائم

الأهرام اليومي في 1 يناير 2009