الناقد
السينمائي المخضرم كمال رمزي هو من أبرز أبناء جيله في الحركة النقدية
السينمائية، تخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية عام1968، وله أكثر من
خمسة عشر كتابا منها: الفن بين العمامة والدولة- سعد نديم رائد السينما
التسجيلية - محمود مرسي عصفور الجنة والنار- نجوم السينما المصرية الجوهر
والأقنعة- كمال الشيخ نصف قرن من الابداع، بالاضافة للعديد من المقالات
والدراسات والأبحاث في المجلات والصحف المصرية والعربية، قدم فيها خلاصة
تجربته مع الفن السابع حتي أصبح واحدا من أهم النقاد عبر مسيرة السينما
المصرية. كما شارك في العديد من لجان التحكيم والمهرجانات المحلية
والعربية.. حول تاريخه السينمائي الحافل كان اللقاء:
·
كيف تقيم تجربتك بعد مرور كل هذه السنوات؟
* قال لقد عشت حياة جماعية، وليست فردية، أنا مثل قطاع كبير من
أبناء جيلي، كان لدينا أمال عريضة وأحلام كبيرة وثقة في المستقبل، ويقين
بأننا سنحقق الكثير. لكن لأسباب متعددة حطمت هذه الأحلام ودمرت الأماني،
وتحديدا النكسة التي ألقت بظلالها علي كل أحلامنا وعصفت بنا وبالفن نحو
الهاوية.. ثم جاءت سنوات التدهور الكبير مع أواخر السبعينيات لنعيش حتي
الأن في واقع فاسد وفظ لم نكن نتوقعه أو نتخيلة.
·
هل يعني ذلك أن أحلامك وأبناء جيلك كانت أكبر
من الواقع والحقيقة؟
* ليس صحيحا لأن أحلامنا لم تكن خاطئة اطلاقا.. والعكس هو
الصحيح حيث كنا نحلم بالتحرر بكل معانيه، وبناء مصر حديثة صناعية وزراعية
وعلمية وثقافية، أي أن نصبح دولة كبيرة ذات سيادة، وهو ما لم يحدث حتي الان!!
·
كيف كان تأثير هذا الواقع علي الفن
السينمائي؟
* بالتأكيد لقد انعكس الواقع علي السينما والمسرح والفنون
جميعا، لقد انفتح وعينا السينمائي علي سينما تتلألأ بأسماء: عزالدين ذو
الفقار- بركات- توفيق صالح- يوسف شاهين- صلاح أبوسيف، وهذه السينما كانت من
الرسوخ بحيث أنها تنبئ بأجيال جديدة أكثر تطورا وابداعات قد لاتخطر علي
بال.. وعندما نلتفت الآن نجد المشهد السينمائي قد خلا من هذه الأسماء.
·
هل تعتقد أن مخرجي هذا الزمن قد تقلص دورهم
وبات معدوما؟
* بالفعل يمكن القول أن دور المخرج تراجع مفسحا المجال للنجم
أو للنجمة الذين لابد من موافقتهما علي المخرج في البداية وليس العكس كما
كان يحدث في السابق، فلم يستطع نجم من النجوم أن يفرض مثلا علي صلاح أبو
سيف أو كمال الشيخ اختيار نجم ما، لأن المخرج وقتذاك كان المسئول الأول عن
الفيلم.. ومع ذلك فالصورة ليست معتمة تماما، فلا يخلو عام من بعض الأفلام
التي تبدد شيئا من تلك العتمة، ومجرد وجود داوود عبدالسيد ورأفت الميهي
وسعيد مرزوق وعلي بدرخان يعطي أملا في صنع سينما مصرية متميزة.
·
لكن هؤلاء خارج منظومة صناعة السينما الآن؟
* نعم .. عدم اشتغالهم العام تلو العام يجلب نوعا من اليأس،
فأي واقع سينمائي يستبعد مثل هذه الأسماء؟ إنما هو دليل علي فساد هذا
الوضع.
·
تري ما هي أسباب هذا الفساد والانهيار الذي
تعيشة الصناعة اليوم؟
* هناك مجموعة من الأسباب لعل أبرزها ذلك المناخ الخانق
للإبداع السينمائي، فالشارع المصري بتخلفه الان من الصعب أن يتحمل مثلا
فيلم مثل "امرأة في الطريق"، ومن الصعب التعرض لجذور الفساد علي نحو ينزع
الأقنعة عن المسئولين الكبار وعما آل اليه أحوال المجتمع وفنونه.. بالاضافة
لدور الاحتكارات الكبيرة التي تهتم بشباك التذاكر قبل أن تهتم بالقيم أو
المعايير الفنية.. باختصار نحن نعيش في ظل تدني مستوي الابداع عموما سواء
في المسرح أو السينما أو التليفزيون أو في الغناء.
·
وماذا عن النقد السينمائي؟
* النقد يرتبط بمستوي الابداع، ففيلم المومياء نقل النقد
السينمائي خطوة واسعة نحو الأمام، فالأفلام الكبيرة تطلق طاقات نقدية
كبيرة، والسينما المتدنية تجعل الكتابات النقدية متكررة وقدتحول النقد إلي
نوع من الهجاء.. لكنني أري بعض الأسماء المهمة من الأجيال الشابة تتمتع
بمستوي جيد، لكن المؤسف أن فرصة الكتابات النقدية لاتزال محدودة بل ومختنقة
بأخبار النجوم والموضوعات الخفيفة والاعلانات. فإذا أفسحت الصحف والمجلات
مجالا أكبر للنقد لكان الوضع النقدي أفضل.
·
كيف كانت رحلتك النقدية؟
* قال ضاحكا أنا لا أعرف كيف أقيم نفسي ، لكن عشقي الأساسي
والجوهري كان للسينما، واختياري للنقد السينمائي به متعة فمشاهدة الأفلام
والاحساس بها وتحليلها به نوع من العشق.. لكنني أخذت حياتي النقدية مأخذ
الجد، وعلمت نفسي أن اتحري العدالة المبنية علي دقة المشاهدة والتحرر من
سطوة أي علاقات مع مخرجين أو نجوم أو كتاب سيناريو، حاولت باستمرار في
كتاباتي ألا أكون مدمرا أو جارحا وأن أتلمس العيوب برفق. فالنقد يمثل اضاءة
للعمل الفني واكتشاف المناطق المظلمة أو المضيئة في العمل للجمهور.
·
ألم تتأثر علاقتك بالسينمائيين بسبب آرائك
النقدية؟
* أنا صديق لمعظم المخرجين مثل داوود ورأفت وخان وخيري بشارة،
لكن للأسف تاثرت علاقتي بخيري وأخذ يقابلني بفتور كلما رأني بعدما كتبت ضد
أحد أفلامه وظل غاضبا مني لوقت طويل جدا، حتي عادت مؤخرا علاقتنا مجددا.
وأيضا هناك العديد من النجوم أصدقاء لي رغم تقييمي النقدي السلبي أحيانا
لهم.
·
هل يمكن للحركة النقدية أن تقود الإبداع؟
* العلاقة بين النقد والابداع ليست ميكانيكية، لكن يمكن أن
تقود الحركة النقدية بالفعل العملية الابداعية، والدليل أن هناك الكثير من
النقاد العالميين تحولوا إلي الاخراج السينمائي وعملوا مدرسة حقيقية.
أما في
مصر وتحديدا في بداية السبعينيات أي مع جيل السينما الجديدة أستطاع فرسانها
من المبدعين والنقاد أن يحدث بينهم تناغم وتوافق، فكان الناقد بمثابة درعا
للفنان.. ذلك لأن جمعية السينما الجديدة نشأت مع جمعية نقاد السينما
المصريين وكانت تضم كوكبة من النقاد منهم : فتحي فرج سامي السلاموني سمير
فريد علي أبو شادي وكان هؤلاء أقرب للدرع الواقي للفن.. والان لاتوجد مثل
هذه الظاهرة، فلا يوجد تكتل فكري أو إبداعي بين المبدعين والنقاد.. الحركة
السينمائية أفرزت مخرجين ونقادا، كل منهم في اتجاه لايخدم الاخر، فلا يوجد
تلاقي في الأفكار ولا الرؤي، في ظل تضاؤل دور المخرج، فمثلا الفنان محمد
سعد يمكن أن يغير المخرج في الفيلم كذلك محمد هنيدي!!
·
كيف تقرأ المستقبل؟
* عودتنا السينما المصرية علي المفاجات.. ففي كل مرحلة يطل
علينا عدد من المخرجين وكتاب السيناريو وأفلام جيدة ومتميزة.. فأنا أري
مجوعة هائلة من الشباب الواع، لديهم رؤية ناضجة للواقع السينمائي، ولديهم
القدرة علي التغيير والنهوض بالسينما.
الأهالي المصرية في
31 ديسمبر 2008 |