رمضان
مبروك أبو العلمين حمودة (محمد هنيدي) مدرس لغة عربية في بلد ريفي يسمى ميت
بدر حلاوة. له شخصية قوية فهو ملتزم أخلاقيا برسالته كمعلم للاجيال ويخشاه
الجميع، الطلبة، أولياء الأمور وحتى ناظر المدرسة. رمضان تضطره الظروف إلى
ان يعمل مدرسا في مدرسة خاصة بها أبناء كبار المسؤولين ومنهم أبناء وزير
التربية والتعليم ووزير الداخلية.
يحاول
رمضان ان يصلح من أمر الطلبة الجدد من خلال ممارسة الترهيب والترغيب. والى
حد كبير ينجح في ضبط إيقاع الحياة التعليمية للكثير من الطلبة لكن تأتي
الأيام بما لا يشتهيه رمضان حيث يكتشف ان طلبته متعلقون بمطربة كليبات
مثيرة (سيرين عبدالنور) تنجح في جذب المراهقين اليها وتشغلهم عن تحصيل
العلم.
يقرر
رمضان ان يخوض معركة معها في محاولة لإبعادها ولكنه يقع في شباكها.
تدور بقية
أحداث الفيلم لتقدم لنا رمضان وصراعه لتحقيق ذاته في فيلم يحمل بصمة يوسف
معاطي ووائل إحسان.
نجومية
وانحسار
منذ الطلة
الأولى على جمهوره حجز محمد هنيدي له مكانه مميزة بين ابناء جيله ببساطته
وخفة دمه وكان واحدا من مجموعة من المضحكين الجدد استطاعوا خلال سنوات ان
يقلبوا موازين السينما المصرية في السنوات الماضية.
تخرج
هنيدي من معهد السينما قسم انتاج وكانت بدايته في مسرح الجامعة..ثم اكتشفه
المخرج يوسف شاهين وأسند إليه دورا صغيرا في فيلم اسكندرية ليه عام 1981 ثم
«إسكندرية كمان وكمان» ورشحه بعد ذلك المخرج خيري بشارة للمشاركة في بطولة
فيلم «يوم حلو يوم مر» عام 1988 وتوالت بعد ذلك أفلامه التي أدى فيها
ادوارا صغيرة ومن بينها «مرسيدس» و«سارق الفرح» و«المنسي» و«هدى ومعالي
الوزير» الى ان جاءه دور عمره الذي نقله إلى مصاف نجوم الشباك من خلال فيلم
«اسماعيلية رابح جاي» وتأكد نجاحه في فيلم «صعيدي في الجامعة الأميركية»
وتوالت أفلامه وكان منها «دون ترتيب تاريخي»: «البطل» و«همام في أمستردام»
و«جاءنا البيان التالي» و«صاحب صاحبه» و«عسكر في العسكر» و«فول الصين
العظيم» و«يانا يا خالتي» و«وش إجرام» و«عندليب الدقي»، وكان من الملاحظ
تراجع نجاحاته في أفلامه الأخيرة بعدما أصر على تقديم أفلام تفتقد كثيرا
لبناء درامي محكم وإنما جاءت معظم أفلامه الأخيرة اسكتشات كوميدية يستعرض
فيها هنيدي مقدرته الحركية واللفظية، مع إصرار عجيب على تقديم شخصية متكررة
تحاول ان تستجدي الضحك من خلال موضوعات مصنوعة على مقاس النجم. ويمكن ان
نستثني بعض الأفلام التي حاولت ان تكون على تماس مع بعض مشاكل الواقع مثل
«جاءنا البيان التالي» وبعض الأفلام الأخرى التي أرادت ان تكون مختلفة في
الشكل مثل «فول الصين العظيم» لكن مع «وش إجرام» و«عندليب الدقي» تواصلت
سهام النقد الموجهة إلى هنيدي وتصاعدت حدة مطالبته بضرورة تغيير جلده
السينمائي حتى يسترد بعض نجوميته التي بدأت في الانحسار خلال السنوات
القلية الماضية. وكما يبدو فانه قد قرر بالفعل ان يقدم شيئا مختلفا من خلال
فيلمه الأخير «رمضان مبروك» وتم اختيار شركة جود نيوز الشهيرة بانتاجها
الضخم «عمارة يعقوبيان - حليم - ليلة البيبي دول - حسن ومرقص» كما تم
اختيار كاتب سيناريو حقق نجاحات كثيرة مع النجم عادل إمام خلال السنوات
الماضية وتم اختيار مخرج متمرس على التعامل مع نجوم الكوميديا وحقق أفلاما
ناجحة مع هنيدي وغيرة وهو وائل احسان. إذن نحن بصدد توليفة تتوافر لها
عناصر كثيرة لتحقيق النجاح. لكن هل يمكن القول بالفعل ان الفيلم يعيد تقديم
هنيدي بشكل مختلف؟ وهل يمكن القول بالفعل ان «رمضان» ويجسد خطوة مهمة
لإعادة صبغ نجومية هنيدي التي فقدت بريقها خلال السنوات الماضية.
تعالوا نقترب أكثر...
استلهام
في الفيلم
«السيناريو» نحن بصدد شخصية «قص ولصق» تم استلهامها وتركيبها من العديد من
الشخصيات الحاضرة في الذاكرة مثل شخصية المدرس الأستاذ حمام (نجيب
الريحاني) في «غزل البنات» وشخصية مارك ثاكري (سيدني بواتيه) في «إلى
استاذي مع التحية» وشخصية والد البطل (عماد حمدي) في فيلم «ابي فوق الشجرة»
ومع احترامنا لحق اي مؤلف في الاستلهام والاقتباس فان شخصية رمضان كان
ينقصها الكثير لتكون شخصية منطقية متناسقة مقنعة تؤدي مقدماتها الى
النهايات التي وصلت اليها، ففي البداية تم تقديم رمضان على انه مدرس متشدد
قوي الشخصية ومؤمن بمبادئ كثيرة الا انه سرعان ما يستسلم بسرعة في غرفة
وزير التربية والتعليم وسرعان ما يضيع مع مبادئه عندما يقع في غرام البطلة
ويتزوجها. طبعا نحن لا نطالب بشخصيات فولاذية ومن حق البطل الدرامي ان يقع
في الحب ويتزوج لكن كان من المهم ان يحدث ذلك من خلال انقلابات درامية وليس
من خلال تحولات فجائية في الشخصية دون مبررات ودوافع كافية. وفي الفيلم
السيناريو حتما سنجد أنفسنا في مواجهة مشاهد كثيرة تعود بنا إلى سينما
الأربعينات والخمسينات التي كانت تحسم نهاياتها من خلال حلول توفيقية دون
الخوض في أسباب المشاكل ودون الإشارة إلى الأسباب الحقيقية لما يحدث حولنا.
قضايا
كبيرة
وطبعا نحن
نرفض ان تقوم الأفلام بعرض المشاكل وإيجاد الحلول لكن على الأقل لا يجب ان
نزج بالأفلام ونربطها بقضايا كبيرة مثل قضية التعليم ثم نجد ان الفيلم
يختزل القضية إلى مجرد عرض صور لما يحدث في المدارس الآن. قصة نقل وزير
التربية ابنه الى مدرسة رمضان كي يتأدب لم تكن مقنعة وقصة انتقال رمضان الى
مدرسة ابناء الوزراء والمسؤولين لتأديبهم لم تكن مقنعة وقصة وقوع رمضان في
حب المطربة وزواجه منها لم تكن مقنعة، وقصة ذهاب المطربة وراء رمضان عندما
يقرر العودة الى ميت حلاوة لم تكن مقنعة، وكما يبدو فان كاتب السيناريو لم
يكن يبحث عن الاقناع بقدر ما كان يبحث عن عمل توليفة سينمائية شعبية
جماهيرية تقدم هنيدي في شكل مختلف.
في الفيلم
«الفن» يمكن القول ان هنيدي ومع كل التحفظات السابقة استطاع ان يجسد
الشخصية التي استلهمها يوسف معاطي ونجح الى حد كبير في البعد عن لزماته
وحركاته الشهيرة، ونجحت سيرين عبد النور واثبتت انها مشروع ممثلة ناجحة
وتألق ثلاثي الشباب (متولي والمصري والابياري) في تجسيد نوعية جديدة من
الطلبة بدأت تطفو على سطح التعليم في مصر، والى حد كبير استطاع وائل احسان
ان يقدم لنا معالجة مرئية معقولة لفيلم افتقد المعقولية في احيان كثيرة.
القبس الكويتية في 30
ديسمبر 2008 |