كانت الدراما المسلسلة حتى وقت قريب زينة البيوت ولمة الأهل بعد
الإفطار والخارطة البرامجية الرمضانية في مختلف القنوات الفضائية الخليجية
والعربية، ورغم الصخب الإعلامي والإعلاني عن النجوم والمسلسلات قبل وخلال
رمضان، لكن النتيجة باختصار أن هذا الموسم لم يسفر عن دراما جيدة.
إن أبسط تعبير يمكن وصف المسلسلات به، من خلال متابعة «الحواس الخمس»
لردود فعل المتخصصين، أنها تشبه كما تقول اللهجة المصرية الدارجة «زحمة على
الفاضي»، ولم يستطع أي مسلسل أن يحقق عند المشاهدين حالة من التماس العاطفي
كالتي تعودنا عليها في الأعوام السابقة، وبالتالي لم يكن هناك عمل اجتمعت
عليه الأسرة العربية، بل إن التخمة زادت عن الحاجة، وأوقعت القدرة على
متابعة المشاهد في خانة العجز التام، وجعلتهم لا يقدرون على التمييز بين
هذا العمل وذاك إلا بصعوبة. ازدحام وتكرار يقول الناقد الفني السوري بشار
إبراهيم: التخمة قادت إلى الازدحام، وإلى التشابه أيضا، في البيئة والحكاية
والشخصيات وممثليها، تشابه في البناء والسرد وطرائق التصوير والمونتاج
واستخدام الغرافيك، وحتى في تصحيح الألوان.
ولن يحتاج المرء كثيرا من الجهد ليكشف أن الاسم الواحد، لممثل أو فني
أو تقني، يتكرر على تيترات المسلسلات، ليبقى السؤال معلقاً: ترى ما المسافة
الحقيقية بين هذا المسلسل وذاك؟.وتضيف الممثلة الإماراتية أشجان قائلة: إن
تكرار الوجوه في دراما رمضان ملحوظ، رغم وجود عناصر كثيرة تستطيع تأدية
المطلوب منها، وكثيرا ما يدفع هذا المتفرج الى عدم المصداقية، خصوصا إذا
أدى الممثل دورا ونقيضه في عمل آخر، يعرض في التوقيت نفسه.ويؤكد المذيع
التلفزيوني العراقي علاء المنذر، إن ما أصاب دراما رمضان من كثافة انعكس
بالسلب على البرامج، التي جاءت في معظمها دون المستوى، وعانت كثيرا من
سيطرة النجوم عليها أيضا، وتحولهم الى مهنة تقديم البرامج على حساب من
يملكون الخبرة والإمكانيات.
أما المخرج الإماراتي هاني الشيباني، فيرى أن تنوع الأعمال وعددها شتت
الذهن، لاسيما مع زيادة عدد المسلسلات المحلية أيضا، ما شكل عبئا جديدا على
المشاهد لمتابعتها، وسط طوفان الأعمال العربية الأخرى.
واكتفت الإعلامية الإماراتية منى بوسمرة، بالانتظار لما بعد رمضان،
لمتابعة ما استحوذ على اهتمام الناس، وما جمعته من معلومات خلال المجالس
واللقاءات، وما تنقله الإذاعة عبر أثيرها في برامجها المختلفة عن الأعمال
التي وجدت صدى لدى المشاهدين.
وتتفق معها الصحافية السورية يسرى عادل في هذا الاتجاه، مشيرة إلى
ظاهرة (بوسترات) نجوم ونجمات المسلسلات والتي انتشرت في الشوارع والمراكز
التجارية، محاصرة الجمهور في كل مكان، للتذكير والتنبيه وللاستعراض أيضا.
أبرز الملاحظات
على الرغم من الكثير من الملاحظات التي يمكن للمرء التفكير بها بصدد
الدراما الرمضانية في موسهما الحالي، إلا أن ثمة العديد من النقاط الجديرة
إما بالاحتفاء، وإبداء الدعم والتأييد، أو الرفض وإبراز السلبيات لتجنبها،.
ومن الواضح أن الدراما الخليجية عموماً لاتزال تشكو من البكائية
والتصعيد العاطفي إلى درجة الميلودراما، وأنها لا تزال على صعيد المضامين
كمن يبحث عن هوية واضحة المعالم، على الأقل بما يؤهلها للتخلص من التردد
فيما بين الطراز البدوي والتراثي التقليدي من جهة وميلودراما الفلل والقصور
والأرائك الفاخرة والمساحيق الصارخة، هذا ما يراه الناقد بشار إبراهيم،
ويؤكده المخرج هاني الشيباني الذي يركن هذه الظاهرة الى ربات البيوت،
اللاتي يقسن صفة الحلاوة للمسلسل بمدى ما يحمله من حزن، أو ما تقدمه
المشاهد من مآس وميلودراما.
عجيب غريب
ويحرص بشار إبراهيم على التأكيد بأنه على الصعيد المحلي لا بد من
التنويه بالتجربة الإماراتية، على صعيدين اثنين، أولهما من ناحية أعمال
الرسوم المتحركة متمثلة هذا العام بعملي «شعبية الكرتون»، «خوصة بوصة»، مع
استذكار «فريج»، التي أعلن صاحبها أنه هذا العام في استراحة المحارب،
تحضيراً لانطلاقة متجددة، وثانيهما لناحية تجربة كوميديا الست كوم «عجيب
غريب» للفنان أحمد الجسمي، بمرافقة مرعي الحليان وزريقة الطارش، وآخرين.
ويعتبر الشيباني أن تجربة الست كوم محاولة جادة، وذكية، للخروج من
مأزق الدراما الخليجية من خلال اقتراح فني جديد، بدأ يجد قبولاً وحضوراً في
السنوات الأخيرة، اتكاء على تجربة الدراما المصرية في هذا المجال، وإن كان
ثمة من ملاحظات يمكن أن تقال بصدد تجربة الجسمي هذه، إلا أن لها شرف
المحاولة، والمبادرة للتغريد خارج السرب، فيما ترى أشجان ان هذه التجربة
جاءت سريعة ويشوبها بعض الأخطاء، وإن كانت كما تقول بو سمرة تتمتع بنسبة
مشاهدة عالية.
أزمة نص
وفي الوقت الذي يمكن للدراما الخليجية التطور على الصعيد الفني
والتقني بالاستعانة راهناً بخبرات إخراجية عربية، في سبيل توليد جيل من
المخرجين الخليجيين الدراميين المحترفين، فإن الحاجة القصوى فيها إنما مهمة
العثور على كتاب دراما خليجيين محترفين، كتاب قادرين على الالتصاق بالواقع،
لتقديم نصوص درامية لا تقع في مأزق الإفراط أو التفريط، من هذا الخيط يتجه
الناقد بشار إبراهيم قائلا يبدو أن الدراما الخليجية تعاني من حالة تصالح
مع الواقع الخليجي،.
فيما يؤشر وكأنها أزمة نصوص أولاً، ومن ثم إشكاليات بناء فني وسرد
وأداء، لا يكف عن المبالغات الحركية والوجدانية والعاطفية، والتي تصل في
الغالب إلى حدود الدموع والنواح والنحيب.
ويستعرض الشيباني تجربة «حنة ورنة» للشابين الإماراتيين يوسف إبراهيم
وعمر إبراهيم، حيث يرى أن بعض الحلقات جاءت أقل من مستواهما لكنها تجربة
تحسب لهما، وتؤكد أشجان أن أهم ما يميز هذا العمل هو إعطاء الفرصة للشباب
من خلال تلفزيون دبي الذي ساهم في تطوير شكل الدراما المحلية، وإن كان لها
ملاحظات على مسلسل «دروب المطايا».
وهو عمل بدوي به مبالغة في تصوير الأشياء، وفي المقابل تعبر عن
إعجابها بمسلسل «الهدامة» الذي يقيم التفاصيل التراثية بدقة وأمانة، أما
منى بو سمرة فترى أن مسلسل «أم البنات» قد جمع حوله البنات لاسمه وحكايته،
وأن المسلسل التاريخي «بلقيس» لم يخل من بعض الانتقادات حول الملابس
الفاضحة لملكة سبأ، وجهل بعض الناس بتاريخها.
منتصف الموسم
وعلى الرغم من أننا قد تعدينا حافة منتصف الموسم الدرامي الرمضاني،
فإنه من الواضح أن كثرة الأعمال الدرامية، إلى حد مبالغ فيه، منع من
إمكانية أن تتجه آراء وعناية المشاهدين نحو أعمال محددة واضحة، تعلي من
شأنها، وتمنحها الجدارة والأهمية، كما ينبغي، هذا ما يحرص بشار إبراهيم على
توضيحه، معللا استغراق المشاهدين لأسبوعين في لملمة شتات أفكارهم، على
الأقل ليحفظوا أسماء ما يمكنهم من أعمال، ومعرفة مواعيد بثها.
وعلى أي من القنوات، رغم استعانتهم بالجداول التي نُشرت على أكثر من
موقع إلكتروني، كدليل عون للمشاهد على جدولة مشاهداته، ويعلق علاء المنذر
على ذلك قائلا إن الأعمال الدرامية استغرقت نصف الشهر تقريبا لتقديم نفسها،
وهذا أمر خارج عن المألوف، وغير طبيعي، فشهر رمضان عدد أيامه محدودة.
ولا يمكن بأي حال أن تزيد عدد حلقات المسلسل لتتعدى الثلاثين، وتستمر
بو سمرة على نفس المنوال قائلة إن دراما رمضان تحتاج إلى أكثر من وقفة
لإعادة حساباتها لتعيد رونقها وجذبها للمشاهد مرة أخرى، صحيح ان عدد
القنوات الفضائية والمتخصصة دراميا في ازدياد، لكن مقدرة المتفرج ضعيفة
وتحتاج إلى عام كامل وليس إلى شهر لمتابعة العدد الذي تجاوز رقم مئة، كما
ينبغي النظر إلى تراجع المنع الرقابي هذا العام، باعتباره علامة مضيئة، فقد
حصل أن تم هذا العام بث ما كان قد منع في العام الماضي.
وتختم يسرى عادل مداخلتها قائلة اننا جميعا نعترف بأننا في عصر
السرعة، الإيقاع بالفعل أصبح سريعا ولا يحتمل البطء بما يحمله من ملل لا
لشيء، إلا لأن يكسب المنتج والممثل والفنانون والفنيون ومن خلفهم أيضا
أصحاب الفضائيات عندما يبيعون هذا المسلسل كما يقال بالوزن أو الكيلو،
وربما هذه هي المرة العشرين التي نؤكد فيها، عدم ضرورة أن يمتد المسلسل
التلفزيوني إلى أكثر من أيام الشهر الفضيل، وليس هذا من اجل الاختصار فقط
ولكن من اجل المسلسل نفسه، حتى لا يحمل هذه الإطالة الضارة بالعمل عندما
يتم حشر الدقائق بلا أي معنى حقيقي يضيف أو يقدم أي متعة للمشاهد، ما يؤدي
إلي ترهل العمل، ويذهب من الذاكرة بعد انتهاء رمضان.
البيان الإماراتية في
09/09/2009 |