كانت أحداث غزة الأخيرة عاملاً استفزازياً لكتاب الدراما لتناول ملفات
الجاسوسية التي توقظ روح الانتماء للوطن. وخرجت الدراما المصرية على
المشاهد العربي ب(حرب الجواسيس) بطولة منة شلبي وهشام سليم، وأخرجت نظيرتها
السورية (رجال الحسم) لباسل الخياط ومايا نصري. هذان العملان قوبلا برد فعل
إيجابي من قبل الجمهور ومتابعي الشاشة الرمضانية. (الحواس الخمس) يرصد رد
فعل النقاد على هذين العملين والمعايير التي تحكم نجاح أو فشل تلك النوعية
من الأعمال.
تؤكد الناقدة ماجدة خير الله أن دراما الجاسوسية بوجه خاص لديها
الكثير من المقومات التي تجعلها قادرة على جذب الجمهور، وفي الوقت نفسه
تقديم مضمون جيد، لكن خير الله تعود وتقول إن هذا مرهون بعدم العبث في
أحداث هذه الأعمال، وبمعنى آخر يجب تقديمها كما هي مسرودة في ملفات
المخابرات، حتى تكتسب المصداقية لدى الجمهور.
وتضرب خير الله مثلاً بالأعمال التي أنتجتها الدراما في سنوات سابقة،
مؤكدة أن الجزء الأكبر منها حقق نجاحاً لاعتماده على قصص واقعية دون تحريف،
وأبرز هذه الأعمال مسلسل «رأفت الهجان» الذي كتبه الراحل صالح مرسي عن قصة
مأخوذة من ملفات المخابرات المصرية وأخرجه الراحل يحيى العلمي.
ومن الأعمال الأخرى التي لاقت نجاحاً، كما تقول خير الله، مسلسل
«الحفار» الذي قام ببطولته نور الشريف، وتناول قصة تدمير الحفار الذي كانت
إسرائيل تنوي استخدامه لحفر أنفاق عسكرية في حربها مع مصر، هذا إلى جانب
مسلسل «دموع في عيون وقحة» للفنان عادل إمام، لافتة إلى أنه ربما لا يتذكر
المشاهد من دراما الجاسوسية سوى هذه الأعمال.
إحياء الأبطال
بدورها تؤكد الناقدة ماجدة موريس أنه ليس كافياً أن ينتمي العمل إلى
دراما الجاسوسية كي يحقق نجاحاً، لافتة إلى أن هناك بعض الأعمال التي قدمت
سواء على مستوى الدراما أم السينما، ولم تلقَ أي تجاوب من الجمهور، نظراً
إلى تدخل أيدي صانعيها في أحداثها بما يتفق مع أهوائهم.
وحول دراما الجاسوسية المقدمة هذا العام، قالت موريس: «إن هناك عملين
«حرب الجواسيس» مصري، و«رجال الحسم» سوري، وكلاهما حقق خلال الفترة الماضية
إقبالاً كبيراً على مشاهدتهما، لكن موريس أرجأت حكمها النهائي حتى نهاية
رمضان حتى تكتمل أحداث العمل، ويبدو واضحاً لديها مدى التدخل في الأحداث
الحقيقية للعمل أم لا، وإن كانت قد أشادت بتقنيات التصوير والإخراج للعملين
والتصوير في أماكن حقيقية جذبت المشاهد إليها».
وتمنت موريس تضافر جهود كتّاب السيناريو مع المسؤولين بجهاز المخابرات
لإخراج الملفات من الأدراج لإعادة كتابتها طالما لا تمس أمن وأمان الوطن
حتى تمنح أبطالاً ماتوا في سبيل أوطانهم حقوقهم في الحياة مرة أخرى بعد أن
تفانوا في رفعة شأنه وضحوا بأرواحهم.
دور تنويري
فيما رأى الناقد محمود قاسم صاحب أول موسوعة عن السينما المصرية أن
السينما تعد أكثر حظاً من الدراما في الاستفادة من ملفات المخابرات، ضارباً
المثل في هذا الصدد بعدد من الأعمال على رأسها «الطريق إلى إيلات» الذي رصد
القصة الحقيقية لتدمير المدمرة إيلات على أيدي رجال البحرية المصرية، أيضاً
هناك «إعدام ميت» للفنان محمود عبدالعزيز، ثم «الصعود إلى الهاوية» للنجم
محمود ياسين ومديحة كامل حيث لاتزال هذه الأعمال محفورة في ذهن الجمهور إلى
الآن، بل تلقى نسبة مشاهدة كبيرة عند عرضها على الفضائيات، ما يؤكد أنها
تتمتع بقدر كبير من المصداقية، ولعبت دوراً تنويرياً لا يقصد به التسلية
والمتعة فقط.
بدوره يلقي الكاتب يسري الجندي الضوء على المعايير التي تحكم كتابة
هذه النوعية من الأعمال، مؤكداً أن دراما الجاسوسية في حاجة إلى متخصصين
يمتلكون حرفية شديدة وقدراً كبيراً من العمل الشاق ليصبح العمل ناجحاً،
وانتقد الجندي في هذا الصدد الأعمال التي تعتمد على الإطار الكوميدي في
الأعمال الجاسوسية مؤكداً أنها تحولها إلى عمل هزلي يقلل من قدر العمل
المخابراتي.
وضرب الجندي مثالاً بدراما الجاسوسية التي قدمت في الماضي، مؤكداً
أنها كانت على قدر كبير من الحرفية والاتقان، مشيداً في هذا الصدد بفيلم
«الصعود إلى الهاوية» الذي يعد الركيزة الأساسية لأفلام الجاسوسية، حيث
كانت أحداثه منطقية ويخلو تقريباً من الأخطاء.
عودة حميدة
أما الناقدة السينمائية الكاتبة خيرية البشلاوي فتؤكد أن معظم أعمال
دراما الجاسوسية وثقت للنجاحات التي حققها رجال المخابرات المصرية على جهاز
الموساد الإسرائيلي واختراق تحصناته الأمنية، وإذا كانت شخصيتا رأفت الهجان
وجمعة الشوان عاشتا في ذاكرة الناس ووجدانهم؛ فإن المحاولات الدرامية
الأخرى تكاد تكون جميعها قد باءت بالفشل، لأنها مثل الدراما الكوميدية لا
تقبل المستوى المتوسط، فإما أن تحقق نجاحاً عالياً في بناء الشخصيات وتناول
الأحداث والوقائع بالغة الحساسية أو تسقط في المبالغات سواء في تقديم صورة
العدو أم الصديق.
وأكدت البشلاوي أنه فيما يتعلق ب«حرب الجواسيس» و«رجال الحسم» فقد
يظلمان في العرض الرمضاني، لأن كل منهما يتناول أحداثاً دقيقة ومثيرة، ووسط
هذا الزخم الرمضاني من الصعب أن يتابعهما المشاهد بدقة، مؤكدة أن مثل هذه
الأعمال التي ترصد قضايا مهمة من الأفضل لها أن تعرض خارج رمضان حتى تأخذ
حقها من النقد والتحليل والمشاهدة سواء من الجمهور أم النقاد، وإن كانت
اتفقت البشلاوي إلى أن العملين يعدان عودة حميدة لدراما الجاسوسية مطالبة
بتقديم المزيد من هذه الأعمال التي ترسخ معاني الوطنية والشهامة عند الشباب
العربي، في ظل سيطرة قيم العولمة والثقافة الغربية الوافدة إلينا، والتي
تشكك في كل قيمنا.
يذكر أن «العميل 1001» يعد آخر الأعمال الدرامية التي تندرج تحت مسمى
دراما الجاسوسية، قبل أن يعرض «حرب الجواسيس» و«رجال الحسم»، وقام ببطولته
مصطفى شعبان ونور وريهام عبدالغفور ورزان مغربي، سيناريو وحوار نبيل فاروق،
وإخراج شيرين عادل.. أحداث المسلسل كانت مقتبسة عن قصة حقيقية لإحدى
الملاحم البطولية للمخابرات العامة المصرية، ودارت حول مراحل قيام
المخابرات بزرع شاب داخل المجتمع الإسرائيلي، وعلى الرغم من مراجعة القصة
في جهاز المخابرات وموافقته عليها إلا أن العمل حقق فشلاً ذريعاً، بعدما تم
تغيير نهاية العمل على غير حقيقتها التي أكدت موت الشاب بقصف من الطائرات
المصرية.
البيان الإماراتية في
05/09/2009 |