تخمة درامية على شاشات الفضائيات بها قدر كبير من الثرثرة، أحيانا
بدافع الضرورة وفي الغالب لمط الحلقة لتغطي وقتها المطلوب، ورغم كونها
للأسف ظاهرة قديمة إلا أنها تزيد كل عام عن العام الذي قبله، حتى أصبحت لا
تطاق، وبالتالي لابد من تغيير السياسة الإنتاجية القائمة علي مسلسل يستمر
طوال شهر رمضان، وقد يطول ليشمل جزءاً كبيراً من شهر شوال في حين أن
الدراما التلفزيونية بدأت بمسلسلات قصيرة لا تتجاوز 13 أو 15 حلقة، ووصلوا
بها إلى 30 و40 حلقة دون داع أو مبرر، إلا لمصلحة النجم والمنتج والمخرج
وكل طاقم العمل، على حساب أعصاب المشاهدين وروحانية الشهر الفضيل.
هذا الانفجار الدرامي في المسلسلات يأتي دائما في صالح من يقدمونها،
ولا يأتي علي الإطلاق في صالح المتلقي ، فهو لأهداف تجارية بحتة، والكم
الكبير من الأعمال الدرامية التي تعرضها القنوات والمحطات المختلفة، يزيد
من طرح سؤال: هل يمكن لمشاهد مهما كان وقت فراغه أن يتابعها؟، بلا شك يعد
ذلك ضرباً من المستحيل واستحالة حدوثه، وهذا الشكل من الزحمة المفرطة قد
يظلم الأعمال المتميزة، والتي تحتاج إلي تركيز أكثر ومتابعة أدق، و فيما
يلي رصدا وتحليلا لبعض منها..
مغامرة «الباطنية»
يعتبر تحويل العمل السينمائي إلى مسلسل تليفزيوني مغامرة تجنح
بأصحابها إلي احتمالين، الأول: قد لا يجذب المشاهد الصورة الجديدة
بمفرداتها، خاصة إذا ارتبط بأبطال وقصة وحوار وإيقاع الفيلم، والثاني: ربما
تعجبه الرؤية الدرامية في تناولها الجديد، ويتحمس لها باعتبارها تضم خيوطا
وأحداثا وحكايات أخرى تجيب عن تساؤلات وتكشف أبعادا مختلفة لبعض الشخصيات.
ويأتي مسلسل «الباطنية» في موسم رمضان الحالي كنموذج جريء لهذه
الحالة، فقبل 29 عاما قدم السيناريست مصطفى محرم هذا العمل في فيلم حمل
الاسم نفسه، وحقق نجاحا جماهيريا كبيرا، واليوم يعاد العمل في دراما
تلفزيونية، تحوي تفاصيل وأحداثا كثيرة لا يستطيع زمن الفيلم السينمائي
تحملها، ولا يمكن إنكار أن المسلسل الدرامي الجديد له رونقه بما يملكه من
عنصر تشويقي، وتركيزا أكبر على شخصيات العمل ومنها «المعلم العقاد» والذي
يؤديه الفنان صلاح السعدني.
حيث يتحمل عبئا كبيرا لأن خيوط اللعبة كلها تنبع من عالمه الغامض
والمليء بالمغامرات، فهو ليس مجرد تاجر المخدرات الكبير الذكي بل إنه أيضا
الإنسان الذي يحنو على عائلته ويحيط أفرادها بمشاعر فياضة، وكما كان
تلقائيا في تقمصه لشخصية تاجر المخدرات، التي قدمها بلغة أداء تخص السعدنى
وحده، قدم أيضا الوجه الآخر للشخصية، الحاج الذي لا تفارق المسبحة يده،
العطوف في تعامله مع نسائه وأولاده وأهل حارته.
وبين الشخصيتين، وما فيهما من دهاء عقل ومشاعر قلب، خيط رفيع أمسك به
صلاح السعدنى حتى الآن، وإن كانت بعض الخيوط الأخرى لم تظهر بعد، فالمخرج
محمد النقلي يترك للطبيعة نفسها تحريك الأحداث وطرح المفاجآت على المشاهد،
وإن كان الإيقاع بطيئا بعض الشيء، وخصوصا في دهاليز منازل زوجاته الثلاث
وفي سرد علاقة ابنه بالشغالة والزواج بها، وصراع الشرطة المهمش قليلا تجاه
تجار المخدرات، وربما يكون كل هذا مقصودا، خصوصا أنه يتم تحويل فيلم مدته
ساعتين إلى أكثر من 16 ساعة، ولكن هل يخفي مصطفى محرم والنقلي والسعدني
مفاجآت أكثر تشويقا وشخصيات تحمل عمقا وخصوصية، هذا ما ننتظره في الحلقات
المقبلة.
أداء الجواسيس
في أدوار الجاسوسية يبقى دائما جمال الأداء سر التميز، وذلك بما
تحتويه الشخصيات وتستطيع التعبير عنه من أحاسيس غامضة وتعبيرات غير صريحة،
مشوبة بالتردد ونظرات الذكاء، وما يصاحبها من خطوات قد تبدو ثابتة لكنها في
الحقيقة مضطربة تائهة، بالإضافة إلى ذلك موحية بأكثر من انطباع، وهو ما
يتطلب بالفعل لمن يجسدها قدرات خاصة وموهبة تستوعب كل تحولات الشخصية
النفسية والبدنية.
وفى مسلسل «حرب الجواسيس» يظهر أداء شريف سلامة هادئا سلسا وهو يتقمص
شخصية «نبيل»، الذي يتم تجنيده ليتحول إلى جاسوس بشكل نموذجي بعيدا عن
المزايدة في الانفعالات، وبدا شريف بالفعل مقنعا وهو يتمرد أولا على واقعه
ويجد في السفر إلى الخارج مفرا لتحقيق ذاته ماديا وعاطفيا، بعيدا عن الواقع
التعس والمجهول المظلم الذي ينتظره في مصر، وثانيا عندما شعر أن حلم الثراء
يتفتح أمامه في الخارج، موحيا أنه يدرك أن تحقيق ذلك سيتم عن طريق خطر وغير
مشروع.
وكان بارعا في التعبير عن هذه المرحلة والنقلة الجديدة في حياته، ومنذ
الوهلة الأولى لوصول نبيل إلى أرض الغربة، وبالتحديد في ألمانيا، كشف شريف
سلامة عن أدائه المتقن، وهو يواجه مصيرا مجهولا، واستيعابه الجيد لعمق
شخصية ربما يتغير مصيرها وحالها من يوم لآخر بل من ساعة لأخرى، وكان الشكل
الهادئ والفكر المتردد والنظرات الحائرة ثلاثة عناصر مهمة للغاية في خصائص
الشخصية، التي لا تعرف إلى أين يذهب بها القدر حتى وإن كان المشاهد يشعر
بما سيحدث معه.
كما كانت المفاجأة الكبرى مع مسلسل «حرب الجواسيس» بطلته منة شلبي
المنطلقة والمتمكنة للغاية، والمندمجة لأقصى درجة في الشخصية الصعبة التي
اعتذرت عنها نجمات كثيرات وخفن منها.
غاصت منة شلبي في مشاعر وأحاسيس الفتاة التي يطاردها كابوس الخيانة،
وبأنها تورطت في عملية جاسوسية، وكانت غير متيقنة تماما هل هي تورطت أم لا،
هل تبلغ بما كشفته عمن أحبها وأحبته وأعطته حياتها أم لا؟، توترت كثيرا لكن
انتفض هدوؤها وسكينتها ليدافع عن وطنيتها، فهي لم تنس مطلقا أنها صحفية
مصرية وابنة عسكري شهيد، وبين كل هذه المشاعر المتناقضة جاءت دموع «سامية
فهمي»، وبالقطع جاء أيضا «هشام سليم» ضابط المخابرات بأدائه الهادئ المتميز
ليمهد الطريق لتبدع منة شلبي في اقتحام حياة سامية فهمي، وبجدية كاملة
تعترف وتبوح بما تشعر به من هواجس وكوابيس وأحلام، وهى لحظات صعبة تحتاج
ل«دويتو» له خبرة كبيرة.
ومن المؤكد أن الحلقات المتبقية من المسلسل، تحفل بالمزيد من الإثارة
في أحداث تبرز قدرات وإمكانيات طاقم العمل، وخصوصا المخرج نادر جلال، الذي
أجتهد في إبراز صراع الجواسيس، ليعيد إلينا الثقة في مقدرة أجهزتنا على
حماية أغلى ما نملك وهو الإنسان.
الكوميديا و«الست كوم»
على مدار الأعوام القليلة الماضية غابت الكوميديا عن الأعمال
الرمضانية، وكان من النادر عرضها في هذا الشهر الذي يحظى بنسبة مشاهدة
عالية، بل وتعثر أحيانا عرض عمل كوميدي وحيد طوال موسم رمضان وفشل تسويقه
إلى عدة قنوات، ليعرض على قناة واحدة فقط مثلما حدث مع مسلسل «حياتي أنت»
بطولة أحمد آدم ودينا قبل أعوام.
ومنذ أربعة أعوام تقريبا شهدت الكوميديا التلفزيونية طفرة كبيرة مع
دخول «الست كوم» إليها، وتحقيقه نجاحا كبيرا بين الجمهور مع عرض مسلسلي «تامر
وشوقية» و«راجل وست ستات»، ليحرك الست كوم مياه الأعمال الكوميدية الراكدة
وتتزايد أعداده عاما بعد الآخر.
ففي حين قدم العام الماضي ثمانية أعمال مصرية «ست كوم»، يعرض هذا
العام 11 عملا، وفى المقابل يعرض 6 مسلسلات كوميدية هي «عصابة بابا وماما»
بطولة هاني رمزي ونيكول سابا و«عبودة ماركة مسجلة» بطولة سامح حسين، و«ونيس
وأحفاده» بطولة محمد صبحي، و«الكابوس» بطولة أكرم حسني الذي يقدم فيه شخصية
«سيد أبو حفيظة» التي اشتهر بها في برنامج «نشرة أخبار الخامسة والعشرون».
إلى جانب مسلسلين تلعب بطولتهما ماجدة زكي هما «حقي برقبتي» و«كريمة
كريمة»، ما يعني زيادة المسلسلات الكوميدية بشكل كبير مقارنة بما كان عليه
الحال في الأعوام الماضية، وهو أمر لافت يرجع إلى الإقبال الكبير على إنتاج
الأعمال الدرامية وتوظيف رؤوس الأموال بشكل جنوني لإنتاج الدراما، والذي
لولاه لكانت أنواع كثيرة من الدراما التلفزيونية في طريقها للاختفاء.
لسعات
* ماكياج أشرف عبد الباقي في مسلسل «إسماعيل
ياسين» حوله إلى شكل عبد المنعم إبراهيم، الحمد لله ربنا ستر ولم يأت أداؤه
مثل توفيق الدقن!
* أشفقت على صفاء سلطان في تجسيد دور العملاقة
«ليلى مراد»، فالملابس والأسنان وقصة الشعر لن تصنع الشخصية، اللحم والدم
وقبلهما الروح هي المفردات التي تاهت منها، بالإضافة إلي الصوت الساحر
النابض بالضحك وليس «النحنحة».
* زمان كنا نصوم ونتسلى بمسلسل وفزورة، الآن
نتسلسل ونتبرمج في نهار رمضان وليله، وإذا كان لدينا شيء من الوقت نعمل
إيه؟، آه افتكرت.. «نصوم».
البيان الإماراتية في
05/09/2009 |