عندما فكرت الأمم المتحدة في الاستعانة بكبار نجوم الفن حول العالم كانت
تدرك جيداً أن الجوعى الذين يعيشون تحت خط الفقر والموت لن يعرفونهم لأنهم
في دنيا غير الدنيا، لكن الهدف من تجنيدهم أن تذهب معهم الأضواء والاهتمام،
وينتبه الناس إلى هؤلاء الموتى الذين هم على قيد الحياة، ويجب أن ترق لهم
القلوب وتمتد الأيدي إلى الجيوب وتتوفر لهم اللقمة وشربة الماء والخيمة
التي تستر بعض الشيء من لهيب الحر، وثلوج الشتاء وهم طوال الوقت في العراء.
ولأنه بالاسم والمكانة يستطيع أن يلعب دوراً في هذا الميدان تم اختياره
سفيراً بوكالة غوث اللاجئين، وفي زيارة لأي عاصمة يتجه إلى مكتب الأمم
المتحدة، وفي بغداد بالتحديد وفي المكتب الذي نسفته بعد ذلك الصواريخ بعد
الغزو الأميركي للعراق جلس عادل والتف حوله كل من يعمل بالمكتب ولما وجد أن
عدد النساء العاملات كثير جداً منحهن صورة خاصة بدون رجل سواه.
ويعترف بصراحة بأنه كان في بداية الأمر يعتبره تشريفاً على المستوى الدولي،
حيث وجد معه في نفس النوعية نجوم وشخصيات حصلت على جائزة نوبل.
واختلط الأمر على الناس في الآونة الأخيرة بخصوص سفراء النوايا الحسنة بين
الفنانين والفنانات، أنهم درجات ونوعيات، منهم ما يخص السكان ومنهم البيئة
ومنهم الغذاء، ومنهم شؤون اللاجئين ومنهم الصحة ومنهم ما يخص مكافحة الفقر،
وهناك منظمات مدنية دولية للأعمال الخيرية تستعين بهؤلاء أيضاً في مجال
أنشطتها المختلفة، المجموعة التي حضر معها عادل إمام أول اجتماع في مقر
الأمم المتحدة بحضور «كوفي عنان» الأمين العام كانت تضم محمد علي كلاي
أسطورة الملاكمة، وأنجلينا جولي، النجمة الشهيرة، واللاعب البرازيلي الحريف
رونالدو، إلى جانب روجر مور وبيترا ستنوف، وكانت المهمة الأولى في اليمن،
حيث التقى مع اللاجئين الهاربين من جحيم الحرب في الصومال وأثيوبيا
وأريتريا، وهناك اكتشف وجود سماسرة يتاجرون بهؤلاء نظير 20 دولاراً لنقل
الفرد الواحد، أنهم ينتقلون في شكل مجاميع في قوارب صغيرة ويتعرضون للغرق
وينجو القليل منهم وأحياناً يضطرون إلى تفريغ تلك الحمولات قبل الوصول إلى
الشاطئ اليمني بمسافة 2 كيلومتر، ولا يفكرون فيمن يجيد السباحة ومن لا
يجيدها، ولذلك وجد أن نصف أعداد هؤلاء في عداد الموتى، إنهم يحصلون على
تأشيرة لاجئ من مكاتب الأمم المتحدة ويضطرون إلى العيش وسط الأمراض
والمجاعات والجرائم والدعارة، وكانت الخطوة الأولى تخصيص قطعة أرض لإقامة
معسكر لاستقبال هؤلاء.
وفي دارفور شاهد عادل قمة المأساة، إنه يتعايش كفنان وإنسان، ويمارس مهمة
أكبر من كونه مجرد فنان من أجل توعية البشر قد لا يعرفوه على المستوى
الشخصي لأنهم بلا مأوى ويعيشون بمعزل عن الدنيا وما فيها لا كهرباء لا ماء،
لا راديو ولا تلفزيون، ولا حياة، إنه تعامل مجرد بشكل إنساني، ويبدو أن
عادل وجد في هذه المهمة ما يرضي طموحاته الإنسانية، فقد أرسل له كوفي عنان
أكثر من خطاب شكر لأنه حريص على زيارة مكاتب الأمم المتحدة في كل عاصمة
وبالتالي التعرف على هموم ومشاكل اللاجئين، وكل هذا مقابل عقد شرفي نظير
دولار واحد في السنة، وفي هذا الإطار قدم إعلاناً بموسيقى عمر خيرت وكان
ينتقل لتصوير الإعلان على نفقته الخاصة لأن اللاجئين أولى بكل قرش.
مشكلة اللاجئين تخص أكثر من 22 مليون شخص على مستوى العالم، يحتاجون إلى
الغذاء والكساء والمأوى وميزانية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لا تتجاوز
المليار دولار فقط وهو رقم متواضع مقابل هذا العدد الهائل وما يحتاجه.
ويظل السؤال: لماذا لم يقدم استقالته مثل دريد لحام وجمال سليمان وحسين
فهمي احتجاجاً على الأمم المتحدة؟
الوضع مختلف
عادل يؤمن تماماً بأن ما يصلح لزيد ليس بالضرورة ينفع لعبيد وإذا قرر بعض
النجوم الإعلان عن الغضب من الأمم المتحدة وتخاذلها في قرار سياسي مطلوب
وضروري لصالح شعب فلسطين في ظرف تاريخي معين، فهذا حقهم وهم يتصرفون في ذلك
كوسيلة ضغط مشروعة لكنه يرى أن وجوده قد يكون ضرورياً لصالح الشعب
الفلسطيني نفسه وهي وجهات نظرة ولا يمكن لفنان عربي أن يبيع أهله في فلسطين
من أجل عمل تطوعي لا استفادة مادية منها أو معنوية.
والسياسة كما يقولون تقوم على الاختلاف وتعدد الآراء، وقد هاجموا الرئيس
السادات عندما ذهب إلى القدس وأراد أن يحقق السلام لأن الحرب قاتلة ومدمرة
وهناك من اتفق معه، ومن اختلف وقبله جمال عبدالناصر كان يرى ضرورة مواجهة
العدو بنظرية الند للند، وكل واحد منهما تحرك بدافع من وطنيته وحبه لبلاده،
ناصر يسعى إلى كبرياء مع عدو لا يعترف ولا يمد يده إلا بالقوة، والسادات
أراد أن ينهي الحرب وأن يعيد الأرض بالتفاوض، ليس لمصر فقط، لكن جميع
الأراضي المحتلة وعلى رأسها فلسطين بحدود 67.
ويقول «عادل» ربطتني بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات صداقة قوية
والتقيت به أكثر من مرة وفي ظروف صعبة وبعد خروجه من لبنان واتجاهه إلى
تونس التقيت به هناك ودعاني للغداء معه وأهداني غطاء الرأس الفلسطيني
الشهير وما زلت احتفظ به وقد اتصل ذات مرة بشخصية سياسية كبيرة وطلب منه أن
يبلغني بأن الفندق الذي سأعرض به مسرحيتي «الواد سيد الشغال» في جنيف
بسويسرا يديره رجل يهودي، وعلى الفور طلبت من منظم الرحلة أن يغير المسرح
أو يلغي السفر نهائياً.
ويحكي فتحي العشري في كتابه «عادل إمام إشراقة فنية» عن اللقاء الذي جمع
الدكتور أسامة الباز السياسي البارز، والأديب الدكتور يوسف إدريس والكاتب
الصحافي إبراهيم نافع وكنا نتناقش حول جدية إسرائيل في الانسحاب من طابا
ومدى التزامها بوعودها واقترحت عليهم أن يخرج كل منا عشرة جنيهات من جيبه
ويكتب عليها رأيه للذكرى وأخذت الجنيهات الثلاثين لاحتفظ بها، وخليها في
سرك أنا لم أخرج العشرة جنيهات الخاصة بي على أساس أني صاحب الاقتراح،
المهم أن زوجتي على ما يبدو احتاجت إلى نقود فأخذت الجنيهات الثلاثين دون
أن تلاحظ حكايتها وما كان مكتوباً عليها.
وفي فيلم «السفارة في العمارة» حاولت أن أقدم القضية الفلسطينية بمنظور فني
مختلف، وتركت للمتفرج يحدد موقفه كما يريد، ورغم تقلب البطل ونظرة الناس
إليه مرة كشجاع وأخرى كخائن إلا أنني في نهاية الفيلم كان انحيازي واضحاً
ضد القتلة ومغتصبي الأرض عندما استشهد الطفل الفلسطيني الذي هو عنوان
البراءة، وأنا لا أحب في أفلامي أن أقدم رسالتي بشكل مباشر كأنني أخطب في
مجلس الشعب أو أيام الاتحاد الاشتراكي أو الحزب الوطني، لأن الفن له
أسلوبه، ومع ذلك هناك من اتهمني بالتطبيع بسبب هذا الفيلم، وقد احترمت كل
الآراء، خاصة رأي الجمهور الذي أعرفه من خلال شباك التذاكر وهذا هو المؤشر
الحقيقي بالنسبة لي.
حكاية مشهد
حضرتك تعرف محمد علي كلاي؟
يدخل مجموعة شباب إلى غرفة الكشف الطبي تمهيداً لتجنيدهم.. والاختبارات تتم
على الطول والحالة الصحية وما إلى ذلك.. ويكتشف الضابط أن أحد هؤلاء الشبان
وهو عادل إمام حاصل على مجموع كبير.
ويسأل: إيه اللي جابك معهد أمناء الشرطة؟
فيقول: أصل سيادتك وأنا صغير كنت باحب ألعب عسكر وحرامية.. ودايما كنت مع
الحرامية وآن الأوان أبقى مع العسكر.
ويعود الضابط ويسأله عن هوايته الرياضية: أنت بتلعب رياضة؟
فيقول عادل بكل ثقة رغم جسمه النحيف الضئيل: سيادتك تعرف الملاكم اللي اسمه
محمد علي كلاي؟
يجيب الضابط: طبعاً أعرفه.
يقول عادل: طيب اسأله لما تقابله أنا عملت فيه إيه؟.. أصل بيخاف مني موت!!
الفيلم هو شياطين إلى الأبد.. والشلة التي دخلت معه أمناء الشرطة مع عادل
هم أحمد الحداد وفاروق يوسف ومظهر أبو النجا، وهو يعود بنا إلى سلسلة أفلام
إسماعيل ياسين في الجيش والبحرية والطيران، ولكن عادل يختار معهد أمناء
الشرطة وكان دخوله يتم بالثانوية العامة، في وظيفة ترقي عن العسكري العادي،
وتقل بعض الشيء عن الضابط وهدف المعهد، تحسين صورة الشرطة في الشارع، وبعض
أحفاد الشرطة الذين حصلوا على ليسانس الحقوق بعد ذلك تحولوا إلى ضباط.
ويقول مظهر أبو النجا إن الكثير من مشاهد الفيلم كان يتم إعادتها أكثر من
مرة نظراً لحالات الضحك التي كانت تسيطر علينا أثناء التمثيل، وكثير من
المشاهد ارتجلنا فيها ما لم يكن يخطر على بالنا، لكن الظروف فرضتها، خاصة
في المشاهد التي تم تصويرها وسط مجاميع من طلاب معهد أمناء الشرطة عندما
كان يصرخ المعلم أثناء الأكل: ثابت.
لكن عادل «فخراني» يستمر في الأكل بل والتوفير أيضاً من تحت لتحت. وكان
المخرج محمود فريد يترك لنا الفرصة كاملة لكي نعبر عن أنفسنا، والحقيقة إن
عادل كبطل للفيلم كان يفسح لنا المجال لكي نظهر معه، والحقيقة ساعدنا
كثيراً الحوار الذي كتبه بهجت قمر بخفة دم غير عادية والفيلم بطولة حياة
قنديل ونجوى فؤاد.
فيلم للعلم
زهايمر
إخراج: رامي إمام.
تأليف: نادر صلاح الدين.
تاريخ العرض: 2010.
زمن الفيلم: 110 دقائق.
الأبطال: فتحي عبدالوهاب، علا غانم، أحمد رزق، نيللي كريم، إيمان السيد.
القصة
يحاول الأبناء الاستيلاء على ثروة أبيهم بالإيحاء له بأنه مصاب بمرض فقدان
الذاكرة وعن طريق ممرضته يكتشف الأمر ويحاول أن يرد لهم اللعبة بأحسن منها
ويعطيهم درساً للحياة، أن الأموال يصنعها الإنسان لكنها لا تصنعه وأن ما
بين الأب وأولاده لا يمكن التجارة به مهما كانت الأسباب.
النهار الكويتية في
08/08/2012 |