الحقيقة أنك قد تصاب بالإجهاد وأنت تحاول التفتيش في الحياة العائلية لعادل
إمام، فهي كتاب مفتوح، وكأن عائلته هي لوحة لأسرة مصرية، ليست الوحيدة لأن
مثلها عشرات ومئات ومع ذلك سأل أحدهم ذات مرة بشكل صريح ومباشر: يا أستاذ
بعد ما حققته فنياً وعائلياً وإنسانياً، فيه إيه بعد كده؟ وكان السؤال
صعباً ومؤلماً، لكن عادل يأخذه بكل بساطة: والله ما أعرف!!
وأظن أنه يعرف أن المسؤولية أعظم، والرسالة أكبر، والمهام تتوالى، وهموم
الوطن والمواطن لا تنتهي، وهو خادم هذه الهموم وصيادها، لأنه يعرف كيف ومتى
يعزف على أوتار هذه الهموم.
وكنت ذات مرة جالساً في بيت الكاتب لينين الرملي ودق جرس التليفون وكان
عادل إمام على الخط، ودار بينهما حوار عرفت تفاصيله بعد ذلك من لينين،
والحكاية أن عادل سمع بأنه كتب سيناريو كوميدياً بعنوان «بخيت وعديلة»
وعرضه على أحمد زكي ولكنه ماطل في تنفيذه، وطلب أن يشتريه، وأثناء جلسة
المفاوضات على الأجر مع الفنان الراحل مصطفى متولي، عرف من لينين أن عنده
مشروع سيناريو بعنوان «الإرهابي» وكانت البلاد تعاني الأمرين في هذا
الموضوع، وشهداء الشرطة يتساقطون مع الأبرياء.
وقرر عادل أن يؤجل بخيت وأن ينهي لينين سيناريو الإرهابي بأسرع وقت ممكن،
لأن الفن الجيد لا يحتمل التأجيل، والفيلم المناسب لابد أن يظهر في الوقت
المناسب لأن مفعوله يكون أشد تأثيراً وأثراً وقبل وأثناء وبعد تصوير الفيلم
تلقي تهديدات لكي يتراجع، لكنه قرر المضي إلى آخر الشوط مهما كان الثمن،
وخصصت الداخلية حراسة ترافقه بشكل شبه دائم في مشاويره، وحراسة أخرى عند
بيته، ورغم أنه كان يضيق بالحراسة لكن للضرورة أحكام، بل زاد على ذلك أنه
قدم سلسلة من الأفلام تعالج الإرهاب بأكثر من زاوية، منها «الإرهاب
والكباب»، ثم «طيور الظلام».
وبدلاً من الخطاب شبه المباشر في «الإرهابي»، وكان المناخ ملتهباً ويحتاج
مثل هذه النوعية، لكنه بعد ذلك توغل أكثر، كل هذا والضحك لا يغيب أو يتوارى
في غمار القضايا المهمة.
ليلة عرض «الإرهابي» أنا أذكرها جيداً، كانت الحكومة كلها داخل السينما،
وحشد رهيب من رجال وسيدات الفن، وأهل النقد والصحافة، وكان الفيلم يتضمن
لحظات صارخة وجليلة من الضحك عندما التقى «علي» المتشدد بالجار القبطي
«مصطفى متولي» وباستخدام سوء الفهم والخلط في الكلام، جرى الحوار، والتهبت
صالة العرض أكثر من مرة، والتهب الجو أكثر من جانب الفريق المتشدد الذي رأى
فيما يفعله نجم الكوميديا تحدياً كبيراً يجب التصدي له. وعلى طريقة زوجته
معه لم يتوقف عند التوغل في كشف مساوئ وفظائع الإرهاب، بل ركب القطار مع
فرقته وقرر أن يذهب إلى أسيوط لمساندة فريق من الهواة تعرضوا للضرب
والتهديد لأنهم يقدمون عرضاً مسرحياً في قرية تدعى «كودية الإسلام» في
محافظة أسيوط بصعيد مصر، وكانت الجماهير تترقب قطاره من محافظة إلى أخرى.
كانت مغامرة بكل معنى الكلمة، حذرته زوجته وتوسلت إليه، لكنه هذه المرة أصر
لأن المسألة لم تعد تحتمل الصمت أو الفرجة من بعيد ومع ذلك يعترف عادل إمام
بأنه اقترب من الإخوان المسلمين في مرحلة مبكرة، ويؤكد أن التطرف لم يكن
يغلف أفعالهم وأقوالهم، كان لديهم مشروعهم الوطني وكفاحهم المسلح، ضد
المحتل وكانت روح الفن واضحة في مؤلفات سيد قطب ومنها التصوير الفني في
القرآن الكريم، لقد تعرف عادل إمام في حي الحلمية على شريحة كبيرة من
الإخوان، وأيضاً من الضباط الأحرار، كان لديهم استنارة دينية ودنيوية لأن
الدين الحقيقي لا يتعارض مع الدنيا أبداً.
كانت دراستنا في الزراعة ترسخ داخلنا الإيمان القوي بعظمة المولي سبحانه
وتعالى، من يقول إن الدين يعني قتل من يختلف معك والله سبحانه وتعالى خلق
الدنيا على قانون الاختلاف والتعدد وكثرة الألوان في الطبيعة وفي البشر وفي
الأفكار، ولو شاء لجعلها أمة واحدة تنطق بلسان واحد.
البطل الغلبان قبل عادل إمام كان أبطال السينما في قمة الوجاهة والشياكة
والوسامة، وجاء هذا النحيف الهفتان لكي يعلن ظهور بطل الغلابة روبين هود
فرع الحلمية، تخلى عن الزخارف الشكلية وضغط على زر الأصالة والجدعنة وخفة
الظل فاستمر أكثر من غيره.
ومع ذلك تصور البعض أن ذهاب عادل إلى أسيوط لمساندة مسرحية للهواة كان في
حد ذاته مسرحية لحساب نجوميته واسمه والحقيقة أن عادل عندما ذهب إلى هناك
كان يتربع على القمة في السينما والمسرح بلا منافس، ثم ما الذي يدعوه دون
غيره من أهل الفن وقد اغتالوا فرج فودة وحاولوا مع مكرم محمد أحمد وصفوت
الشريف ونجحوا مع رفعت المحجوب، وقبل كل هذا قتلوا السادات وسط جيشه وشعبه،
فهل يستعصي عليهم الوصول إلى عادل؟!
يقول عادل: الغريب أن الإرهابيين هددوا شباب مسرح «كودية الإسلام» في أسيوط
رغم أنهم يقدمون مسرحية تحض على عدم الهجرة من مصر، والبقاء على الأرض التي
تحب من يحبها، لم يكن هدفي الحوار مع المتشددين وبالمناسبة المتشدد قد يكون
منتمياً لأي دين، في المسيحية هناك متشدد، وفي اليهودية أيضاً لكن ما يهمنا
هو من هو المتشدد الذي يتخذ الإسلام ستاراً، واغتيال فرج فوده كان دافعاً
مهماً لهذه الرحلة وما تجسده، وما قيمة فن أقدمه من بعيد لبعيد، دون موقف
فعلي على أرض الواقع، وهذا هو حق المجتمع عليّ، الذي رفعني وأكرمني وأكرم
أسرتي.
حضرة جناب السفير
يرى البعض اختيار الأمم المتحدة لـ«عادل» سفيراً للنوايا الحسنة لشؤون
اللاجئين شرفاً يضاف إلى أوسمته وجوائزه ونجاحه وأراه مع البعض الآخر
استثماراً لشخصية عادل، وهو عمل تطوعي يضطره في أحيان كثيرة أن ينفق من
جيبه، وهو يفعلها، في صمت واقتناع ورضا.
وعادل يعشق المهام الصعبة، وما الذي يحركه كنجم له اسمه وأجره الضخم لكي
يذهب إلى خيام اللاجئين، حيث الجوع والمرض، وشبح الموت، هل هو طامع في صورة
تجمل وجهه الفني بطلاء إنساني بما يرفع أسهمه، قد يحتاج غيره مثل هذه
الأمور لإنقاذ سمعته الموحولة هنا وهناك، لكن مع هذا الرجل البيتوتي
العائلي والذي يرتكز نجاحه في جزء كبير منه على استقراره الاجتماعي وصورته
كزوج وأب وجد، وقبل ذلك ابن يدين بالوفاء والامتنان لأبيه البسيط وأمه
الأبسط، ومجتمع البسطاء كله، بلا رياء أو نفاق. هنا سنضطر للعودة إلى أسيوط
مرة أخرى وفي ذروة التهاب المد الإرهابي لرؤية محاولات د. هاشم فؤاد عميد
كلية الطب عندما فرض قوانين الجامعة على الشباب المتطرف وأيضاً عميد علوم
الإسكندرية وكانت النتيجة أنهم أحرقوا سيارته ثم أحيل إلى المعاش ولم تسأل
عنه الحكومة.
يذكرني عادل هنا بحكاية بطلها كاتب صحافي تناول الإرهاب في سلسلة مقالات
صارخة ثم توقف فجأة ولما سأله عادل شخصياً: إيه الحكاية؟!، قال بكل بساطة:
لم يكلمني أحد من الحكومة!، فقد كان يكتب لهدف شخصي والإرهاب هنا مجرد «سبوبة»
كان يكتب بغير اقتناع بما يقول بعكس الكاتب فرج فوده، حيث خرج عادل وهتف
«بلادي بلادي» لكن بعضهم هتف: عاش الهلال مع الصليب وهو هتاف ثورة 1919،
ولكل وقت هتافه وأسلوبه، بالطبع لم يكن عادل يعترض على فكرة الهتاف لكن على
توقيته. وقد جاء في حودايته ان ابنه رامي وهو طفل قال له: فلان وحش لأنه
مسيحي وعرف من الطفل أن الجملة التقطها من خادمة كانت تعمل في بيته، وطردها
فوراً، وأظن أنه أعطاها أجرة سنة مقدما ًحتى تجد العمل البديل فهو لا يقطع
عيش الخادمة، لكنه يحافظ على أخلاقيات ابنه ويقول له ان المسلم الحقيقي هو
المحب لكل الديانات الأخرى.
فيلم للعلم
حب في الزنزانة
اخراج: محمد فاضل.
قصة: محمد فاضل وإبراهيم الموجي.
سيناريو وحوار: ابراهيم الموجي.
تصوير: محسن نصر.
زمن الفيلم: 110 دقائق ألوان.
تاريخ العرض: 14 فبراير 1983 بسينما ريفولي.
مونتاج: سعيد الشيخ.
الأبطال: سعاد حسني، يحيي الفخراني، عبد المنعم مدبولي، جميل راتب، علي
الشريف، نعيمة الصغير، محمد كامل، بدر نوفل.
القصة
يقوم أبو الفتوح سكرتير الشرنوبي التاجر الجشع بإقناع صلاح بدخول السجن
مقابل شقة تمليك وورشة خراطة وفي السجن يتعرف على فاروق المحكوم عليه
بالإعدام، ويقع صلاح في غرام مسجونة بعنبر النساء وبعد الإفراج عنها تذهب
لاستلام الشقة لكن الشرنوبي يراودها عن نفسها ويهرب صلاح من السجن ويتزوج
فايزة، ويستطيع أن يقتل الشرنوبي.
حكاية مشهد
شيرين صرصار تطالب بحقها كاملاً!
فجأة يدخل «بخيت» الشاب الفقير.. و«عديلة» المدرسة البسيطة.. إلى عالم
الثراء.. عندما يتم استبدال حقائبهما بأخرى فيها أموال عديدة تخص عصابة
إجرامية.
وفي مشهد بديع تبدأ عملية توزيع الثروة التي تقدر بالملايين.. وبخيت يمسك
بها ورقة ورقة ويحاول بالطبع أن يكون النصيب الأكبر لنفسه.. لكن عديلة التي
تجلس له بالمرصاد تمنعه من ذلك وتصر على القسمة بالتساوي.
ونرى التحول في مظهرهما وحياتهما بشكل مبالغ فيه لتعويض أيام الفقر والضنك.
وفي مشهد آخر نرى معركة ساخنة بين بخيت وعديلة يتم فيها استخدام جميع أدوات
البيت الغالية.. ثم يتسع نطاق المعركة في حفل لكي نرى الجاتوهات والتورتة
تلتصق بالوجوه في مشهد تكرر كثيراً.
وتقول الفنانة شيرين الشهيرة بـ «شيرين صرصار» كنت التقي بعادل إمام لأول
مرة في عمل فني.. وقبلها عرفني الجمهور من خلال مسرحية «المتزوجون» مع سمير
غانم.. وقد أسعدني اختياره لي لمشاركته بطولة هذا الفيلم ولم يحقق له
الكثير من النجاح، عملنا له عدة أجزاء.. والسبب في ذلك أن عادل غاب عن
الكوميديا لسنوات قبل هذا العمل.
وكان واضحاً.. بين فريق العمل الكاتب لينين الرملي والمخرج نادر جلال وعادل
إمام أن الهدف من الفيلم هو الضحك حتى لو تم ذلك بأساليب تبدو للبعض
تقليدية وربما ساذجة.ز وكان رد الفعل عند الجمهور مشجعاً وهو ما يهمنا
وكثير من مشاهد الضرب والمعارك بيني وبين الأستاذ عادل جاءت طبيعية..
وصورناها بدون بروفة.. وبدون كلام كان يشجعني على ضربه بقوة.. ووجدت نفسي
أمارس كل فنون القتال مصارعة وكاراتيه ورمي الفازات والأواني والملاكمة..
ولأن هذا الأمر يخالف ما ظهرت به مع سمير غانم من رقة ونعومة زائدة.. وجد
العمل تجاوباً هائلاً.. وعادل بطبيعته يحرص على من يعملون معه ويمنحهم فرصة
النجاح وأنا من هؤلاء رغم أنني في مرحلة بخيت وعديلة كنت نجمة ولها اسمها..
لكن العمل مع عادل إضافة لأنه قدمني في سلسلة بخيت وعديلة بطريقة مختلفة..
أصبحت حالة عند الجمهور.
وكان الإنتاج كريماً في كل ما كنا نقوم بتكسيره من أدوات وأثاث حتى تبدو
المشاهد طبيعية ومؤثرة.
النهار الكويتية في
07/08/2012 |