الممثل قاسم الملاك والمخرج جمال عبد جاسم يرسمان صورة تلفزيوينة عن واقع
عراقي مكبل بالاسئلة الموجعة.
عندما عاد الفنان قاسم الملاك الى حضن "الشرقية" القناة التي تعتز
بمواهبه وتقدر عطاءاته بعد توقف لفترة قصيرة، كانت سحابة صيف مرت بسلام،
فرحتُ كثيراً لقناعتي بأنه سيتحرك ضمن فضاء إبداعاته لتقديم أعمال تبقى
راسخة في ذهن المشاهد.
لن أتحدث عن عمليه السابقين في "الشرقية" وهما "حب وحرب" و"دار دور"
فقد كُتب عنهما الكثير، لكني أكتب اليوم عن عمله الأخير الذي قُدم في رمضان
الفائت، وأعادت عرضه قناة "الشرقية" مؤخراً انه مسلسل “سايق الستوته“.
العمل برمته، بانوراما اجتماعية لواقع عراقي بأمتياز، يعيشه العراقيون
من خلال أمكنته وشخوصه التي تتنازعها ارهاصات ورؤى وأحلام عديدة، تتباعد في
امنياتها غير انها تلتقي في أهدافها وهي البحث عن الطمانينة والسكينة
الداخلية المفقودة في ذواتهم.
ناقش المسلسل، ماضي العراق المعاصر لاسيّما بغداد بأزقتها وشخوصها
الأصيلة والهامشية، وحاضر يعكس حالة اللاإستقرار النفسي في المجتمع الذي
يعيش العراقيون فيه تحت حالات السرقات والنهب والفلتان وشظف العيش، وقدم
لوحات انسانية لرؤية المستقبل جسدتها أمنيات "حساني" بأمتلاك جسد رياضي،
مفتول العضلات مثل أبطال العالم في الكمال الجسماني وهو الرجل القزم، و "أم
حساني" الحالمة بالزواج بعد وفاة زوجها وامنية زوجة ابن "صابر" بانجاب
طفل.الخ .
لم يجلس مؤلفا المسلسل “قاسم الملاك وفلاح عبد اللطيف” ومخرجه “جمال
عبد جاسم“ في غرفهم، ويغمضوا عيونهم ليفكروا في كيفية حل مشاكل المجتمع بل
اتجهوا بحدسهم الاجتماعي الى التفاعل مع الناس بمختلف الشرائح من خلال
الإطلاع على ظروفهم وأمنياتهم، وذهبوا بعيداً في التعاطف مع المجتمع
وأوساطه.
التفتوا الى ظاهرة التسوّل ومافياته، والمرضى العقليين والأنحلال
الاجتماعي من خلال مشاهد محلات التجميل، وفتيات الغناء في الافراح وغنج
“صفية“ الباحثة عن أنوثة ضائعة.
ودائما يقلب الملاك في أعماله، المعادلة على عقب من خلال سعيه التعرض
لحياة الناس الذين ينتمون الى المرتبة الدنيا في المجتمع، وصياغتها في إطار
فني جميل، وكأنه طفل يرسم لوحة.
واتساقا مع الجو الشعبي للمسلسل، لمسنا لغة شعبية بسيطة قريبة من
روحية الأحداث تنم عن قدرة كبيرة في قيادة دفة حوار الشخصيات رغم تشعبها،
ووعي كبير في البناء الدرامي.
تم اختيار لغة االمسلسل ومفرداته بعناية غلبت فيها الكوميديا، فمن
المعروف ان لكل مصطلح الكثير من المرادفات لكن العمل توقف عند أجملها
وأكثرها تأثيراً في الإذن العراقية. وأكد على أن يكون الحوار مبتسماً
دائماً.. ومقبولاً لدى الناس، فالابتسامة تعرف طريقها إلى القلب دون
إستئذان. لقد ابتعد المسلسل عن التكلف بالحوار والتمثيل، فكان مثل نسمة
باردة في قيض حرارة صيف عراقي ونجح المسلسل في ذلك .
ويبدو ان الملاك يدرك ان فكرة العمل الفني لكي تصل وتحدث تأثيرها في
الآخرين لابد من مشاهد لديه الإستعداد والإسترخاء وهذا لن يحدث إلاّ بوجود
فكرة قوية مركزة ومؤثرة، ولكي تكون الفكرة مؤثرة في الآخر فيجب ان تكون
قوية وكثيفة، فالفكر الضعيف أو الفكرة التي نتجت من تركيز مختل، لا يمكن أن
تؤثر في المجتمع.
لقد دعا المسلسل بجرأة ملحوظة، من خلال فكرته وشخصية “صابر” الى قيام
وطن يتوق إلى التعافي من الجراح والوثوب الى النهوض من الكبوات تحت وطأة
ضغوط مضنية مضرجة بدماء الضحايا تمثلت بالأنفجارات والألغام و الكمائن
والغدر بالأسلحة الكاتمة، وهذا الأمر ليس جديداً على الفنان الملاك، فهو
أحد الداخلين بقوة الى عالم الممنوعات والمحظورات ومن الساعين الى تسليط
الضوء على المخبوء خلف الجدران.
ما يحسب للمسلسل انه في هذا الاتجاه سلط الضوء على ظاهرة التفكك
الاسري في المجتمع وهي ظاهرة تستحق التركيز عليها لانها تسير بهذا المجتمع
الى طريق مظلم. وهذه الظاهرة تزداد إتساعاً زيادة ملحوظة جداً وبات لزاماً
علينا ان نتصدى لها ونحاربها لكي نتخلص منها لانها ذات أثر سيء على
المجتمع.
وانطلاقاً من مفهوم ان الأسرة هي نواة المجتمع وان المجتمع يقيّم من
حيث قوته او ضعفه بمدى تماسك الاسرة.
ورغم الخواص الاقتحامية والعنادية في شخصية قاسم الملاك، إلاّ انه
يمتلك النقيض تماماُ، فهو طيب الى أبعد حدود الطيبة ويتأثر بأي خدش يتعرض
له.
و“سائق الستوته“ عمل دخل في قاع المجتمع، ومن ذلك القاع قدم صوراً
معاشة، غفل عنها الكثيرون ممن بيدهم الأمرمن المسؤولين وهو بذلك أسس
لمنظومة قيم اجتماعية وضعها في واجهة الحياة برسم من يسعى ويرغب بالتغيير
نحو الاحسن، منظومة اجتماعية بذرتها شخوص المجتمع وسنبلتها واقعهم.
لقد أشار الملاك الى حالة التخلف التي تغلف حياتنا العامة، وتحوّل حتى
الظواهر الإيجابية الى ظواهر سلبية، ويبدو ان فناننا أرتبط بعقد مع نفسه،
لا أنفصام فيه، حيث أختار الطبقات المسحوقة هدفاً لأعماله.
فالظروف المعيشية العصيبة التى لا تطيق وطأتها النماذج التي قدمها
المسلسل، تزيد من شحن النفوس المقهورة والمأسورة تحت ظلم طبقات معينة من
المجتمع، توقاً إلى الحرّية والفرج من الضّيق وحفّزتهم على تفجير تطلعات
تختمر في وجدانهم، عبروا عنها في حواراتهم بين بعضهم البعض. ولو تم تشريح
المسلسل، اجتماعياً، لتوصل المرء الى حقيقة مهمة وهي ان الإنسان لا يستطيع
تحقيق النجاح منفرداً لذلك يحتاج إلى بناء علاقة مع مجموعةٍ من الناس
تقاسمه نفس الأهداف، فالنجاح يتحقق من خلال الآخرين ولذلك لعبت شخصية
”صابر” دوراً كبيراً في تحقيق هذا الهدف، حيث يعتبر اللطف مع الآخرين
واللباقة والبشاشة وفي بعض الآحايين الزجر الناعم، ضروري لكي يحقق الإنسان
ما يريد.
وركز المسلسل على الجانب الاقتصادي في المجتمع، بأعتباره يمثل الدور
الأعظم في تشتيت جهد الإنسان وضعف قدرته على التركيز والتفكير، لاسيّما حين
تعصف به الأزمات النفسية والأجتماعية أو فقدان العمل بشكل نهائي، إذا ما
كان مصدر رزقه، فينعكس ذلك على حالته العامة، وينجم عن عدم قدرته على
مسايرة متطلبات الحياة، وأيضا دخلا على الجانب الاجتماعي بصفته الحجر
الأساس في التماسك الانساني والتفاعل بين أفراد المجتمع، فمعايير الحياة
تحتم على الفرد الالتزام الكامل بها، والخروج عنها يعد خروجاً على العرف
والتقاليد الاجتماعية.
وناقش المسلسل موضوعة الضغوط الأسرية وما تشكله بعواملها التربوية من
ضغط شديد على رب الأسرة وعلى التنشئة الأسرية.
فـ “صابر” سائق "الستوته" و“ مظلوم“ سائق "الدوبة" في مسلسل الملاك
السابق "دار دور" اسمان لهما دلالاتهما لشخصيتين بسيطتين لكن بطباع وكرامة
رجلين نبيلين، عاشا دقائق أحداث الحياة اليومية وما تحمله معها من ضغوط،
لكنهما كانا يسايران باستمرار المواقف المختلفة في العمل أو التعاملات مع
الناس أو المشكلات التي لا يجدان لها حلولاً مناسبة.
فالمعروف ان الشخصية الإنسانية ذات خصائص يتميز بعضها عن البعض الآخر،
فبعض العوامل الضاغطة تشكل عبئاً على أنماط معينة من الشخصيات، في حين
تستطيع أنماط أخرى تحملها، وكان “صابر ومظلوم“ يحملان شيئاً من هذا وشيئاً
من ذاك!
وفي النهاية، لابد من توجيه كلمات الأعجاب لمخرج العمل الفنان المبدع
جمال عبد جاسم الذي أخذنا معه في رؤية فنية جميلة لأجواء بغداد رغم ملامح
الحزن الظاهر في بعض ملامح العاصمة الحبيبة، فأجاد بها رغم الحالة
المعروفة، وهي حالة لا تبدو مشجعة على التصوير في فضاءآتها، لكنه وكادر
العمل أتسموا بالشجاعة ونكران الذات.
وكلمات اعجاب مماثلة لسيد الكامرا التلفزيونية منذ ايام الستينيات وما
بعدها والذي أختار العزلة الفنية قبل ان نشاهد عدسته وهي تختار زواياها
بأقتدار عال، المصور الرائد محمد خطار، وتحية للشاعر كريم العراقي الذي
شدنا في قصيدته ذات الابعاد والمضامين الانسانية المعبرة عن خلجات الناس
التي رافقت المسلسل في بدايته ونهايته وبهذه المناسة أسجل شكري لصديقي قاسم
الملاك لأختياره أسماء ذات ريادة فنية معروفة، لكنها غابت ولم تظهر إلاّ في
أعمال بسيطة مثل الفنانين الرواد فاضل جاسم ومحمد حسين عبد الرحيم، ولتفجير
طاقات ومواهب في ممثلين آخرين.
زيد الحلي: كاتب وصحافي عراقي مقيم في دمشق
zaidalhilly@yahoo.com
ميدل إيست أنلاين في
25/02/2012
عزت العلايلى:
"ويأتى النهار" يفضح القهر الأمنى وينتهى بخطاب تنحى مبارك
كتب العباس السكرى
يبدأ الفنان الكبير عزت العلايلى نهاية الأسبوع الجارى تصوير أولى
مشاهد مسلسله الجديد "ويأتى النهار" بالحى الشعبى فى مدينة الإنتاج
الاعلامى، حيث أكد العلايلى لـ"اليوم السابع" أن تقديمه لشخصية مسيحية داخل
العمل، ليس مقصودا منه التفرقة بين المسيحيين والمسلمين، أو تسليط الضوء
على دورهم فى المشاركة بالثورة، مشيرا إلى أن الرسالة العامة للمسلسل هو أن
الجامع والكنيسة يد واحدة داخل وطن واحد".
وأشار العلايلى إلى أن سيناريو العمل يتضمن رصدا حقيقيا وواقعيا
للشارع المصرى، إبان فترة ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير.
وأشار العلايلى إلى أن العمل يعتمد على إظهار صور التفاوت الطبقى بين
أبناء الشعب الواحد ومدى معاناة ومرارة الطبقة الكادحة فى حياتها، ويلقى
الضوء على الطرق التى كان النظام السابق يستخدمها فى التنكيل بأبناء الشعب
الذين وقفوا فى وجه النظام السابق وتعمد خفت أصواتهم.
وأضاف العلايلى أنه كانت لديه رغبة كبيرة فى المشاركة بأى عمل يحكى عن
جوانب الثورة المصرية وفق رؤية سليمة توضح مبادئها وتبرز طاقة الصبر لدى
الشعب المصرى فى تحمله عنف وطغيان النظام السابق، مشيرا إلى أن أحداث
المسلسل تؤرخ لإرهاصات الثورة المجيدة التى حققت المستحيل بإسقاطها لنظام
فاسد، واصفا رحيل النظام وخلع رئيسه بالمعجزة.
وعن القضية التى يتناولها السياق الدرامى للأحداث أوضح العلايلى أن
العمل يتعرض بشكل كبير لقضية القهر الأمنى التى استخدمها الأمن للقضاء على
أى حركة وطنية كانت تظهر قبل الثورة المصرية، بجانب طرحه أشكال هذا القهر
الأمنى تجاه منظمى الحركات والائتلافات، وذلك من خلال تتبع الأحداث لما كان
يجرى فى الشارع المصرى ذاك الوقت.
وحول الشخصية التى يجسدها العلايلى فى المسلسل صرح بأنه يجسد دور محام
يدعى "كمال جرجس" لديه تطلعات ثورية ويشارك فى بعض الحركات الثورية التى
نشطت للدفاع عن الحرية والكرامة، وتحاول التصدى للظلم، كما أنه بحكم خبرته
وسنه يعاصر كافة ممارسات النظام الحاكم ضد الشعب ويعتبر شاهدا على ما كان
يجرى قبل اندلاع الثورة.
وأضاف العلايلى أنه قريب لتلك الشخصية فى الواقع ومؤمن بها إلى حد
كبير، حيث يهدف الدور إلى ترسيخ قيم العدل وتهتم بالطبقة الكادحة وتواجه
أباطرة الفساد من خلال مرافعاته ضد قضايا تمس الشارع المصرى، بجانب مشاركته
الفعالة فى الأحزاب التى كانت تنظم لمواجهة ديكتاتورية النظام وظلمه الذى
يمارسه على الطبقات المختلفة.
وأوضح العلايلى أن شخصيته فى العمل تعد نموذجا للوطنية وليس لفصيل
دينى معين، مشيرا إلى أن المسلسل ينتهى نهاية منطقية بخطاب تنحى الرئيس
السابق حسنى مبارك عن الحكم، لافتا إلى أن التطرق لأحداث ما بعد الثورة،
أمر غير منطقى، ويخلو من المصداقية، خاصة أن هناك قضايا لم تزل مطروحة على
مائدة الثورة، ولن تتمكن الدراما من وضع نهايتها.
يذكر أن الفنان عزت أبو عوف وفردوس عبد الحميد ومدحت تيخة ويسرا
اللوزى يشاركون فى بطولة العمل الذى ألفه مجدى صابر ويخرجه محمد فاضل.
اليوم السابع المصرية في
26/02/2012
إسماعيل عبد الحافظ:
"ابن ليل" يتحدث عن القيم الأصيلة لأبناء الصعيد
كتب عمرو صحصاح
صرح المخرج الكبير إسماعيل عبد الحافظ لـ"اليوم السابع"، أنه يواصل
حاليا تصوير أحدث أعماله فى الدراما التليفزيونية "ابن ليل" ببعض أحياء
مدينة الإنتاج الإعلامى، موضحا أنه سعيد بهذا المسلسل للغاية لما يتضمنه من
أحداث كثيرة ومهمة، حيث تناقش أحداثه الواقع الذى تعيشه فئة كبيرة من أهالى
الصعيد، كما يتحدث عن القيم الأصيلة لأبناء الصعيد.
وأضاف عبد الحافظ أنه قرأ سيناريو "شفيقة ومتولى" للكاتب الكبير محمد
صفاء عامر وحاز على إعجابه، موضحا أنه سيبدأ على الفور فى اختيار الفنانين
الذين سيشاركون فى العمل عقب انتهائه من تصوير مسلسل "ابن ليل".
مسلسل "ابن ليل" بطولة مجدى كامل ويوسف شعبان وأحمد بدير وفريال يوسف
وأحمد راتب وصبرى فواز ومحمد وفيق وأحمد خليل وأمير كرارة وآخرين، من تأليف
طارق بركات، وإنتاج شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات.
المسلسل يتعرض للعديد من القيم والنماذج الطيبة لأهالى الصعيد، وتدور
أحداثه حول صراع على المال، وزعامة قيادة العائلات والصراع بين القبائل،
حيث يؤدى بطل المسلسل دورًا يتسم بالعطاء وخدمة أهل القرية التى يعيش فيها
بكل ما يملك، لكنه يجد نكراناً للجميل من المحيطين به، ما يحوله إلى النقيض
فيصبح "ابن ليل".
يذكر أن آخر أعمال المخرج إسماعيل عبد الحافظ مسلسل "أكتوبر الآخر" من
بطولة بوسى ويوسف شعبان وفاروق الفيشاوى، من تأليف فتحى دياب، وإنتاج مدينة
الإنتاج الإعلامى.
اليوم السابع المصرية في
27/02/2012
'الدهانة'
غابت عن مسلسل 'الدهانة'
بقلم: كاظم اللامي
الكاتب حامد المالكي والمخرج علي أبوسيف يعالجان في عمل تلفزيوني علاقة
الريفي ببغداد، وكيف يعيش المتريفون وسط أجواء المدينة.
يمتلك الكاتب العراقي حامد المالكي فيض احساس يقبض بتلابيب اللحظة
الانسانية لدى المشاهد فيجعله ينشد الى أحداث تتردد الواقع المعاش
وتداعياته، وبين واقع متوقع حدوثه قد لامس الخيال.
وتحتوي مواضيع حامد المالكي على قيمة فنية جديرة بالاهتمام دون
الابتعاد على الحسابات النقدية.
ففي مسلسل "الدهانة" يقصد الكاتب بالعنوان تلك المنطقة السكنية التي
تشكلت في قلب بغداد وتمتد جذورها الى العصر العباسي حسب ما يقال.
ويقطن هذه المنطقة ناس بسطاء من حرفيين وباعة متجولين وقد اشتق اسمها
من الحرفة المميزة للمنطقة وهي بيع الدهن الحر المستخرج من حليب الماشية .
ويتكون القسم الاكبر من سكانها حسب ما يرويه اهلها من الكرد الفيلية
وهم شيعة الكرد العراقيين الذين قدموا من المحافظات العراقية المتاخمة
لإيران.
لكن من خلال احداث المسلسل لم نر للدهانة حضورا، فلو سمى الكاتب
المسلسل باسم ابوسيفين او الكفاح او الشيخ عمر او الشورجة او الكيلاني او
الصابونجية او الحيدرخانة لن يتغير شيء، فالعمل بشكل عام لم يبين الصورة
المتعارفة عن منطقة الدهانة وما كان يميزها من احداث تاريخية او حتى
بالإشارة الى شخصياتها المميزة او مهن وحرف أهلها.
ويتحدث المسلسل عن مدرس مادة اللغة الانكليزية في خمسينيات القرن
الماضي ابان حكم عبدالكريم قاسم.
وهذا المدرس اسمه وجيه صاحب كاريزما تجعل كل من يلتقيه ينجذب اليه،
فهو مهذب متسامح متعاون مع الاخرين، منفتح على الجميع.
ويصارع وجيه اوهاما وحقائق في ذاته المعذبة، كان يحمل مشنقة الضمير
والثقافة والايديولوجيا والموروثات والتقاليد والاعراف التي كانت تلتف حول
عنقه.
والسبب في هذا الصراع ومجيئه الى بغداد هو متابعة اثر قاتل ابيه،
ويدعى محيسن الذي تابعته العشيرة في كل مكان حتى علموا بوجوده في بغداد،
وفي الدهانة تحديدان فارسلوا له وجيه لينتقم ويثار لدم ابيه.
لكن وجيه لا يلتفت من خلال احداث المسلسل لقضية الثار، ولا الى القاتل
محيسن، وهو أمر يبعث على التساؤل: هل أن الأحداث الأخرى سرقت المؤلف من
الحدث الرئيسي؟ أم ان وجيه يعاني من صراع داخلي جعله ساهما في اكثر الأحيان
هادئا الى حدود الافراطن حتى في تعامله مع حبيبته وصال الجميلة الساكنة
قبالته؟.
ينطوي وجيه بطل المسلسل على احساس وشفافية تجعله لا يؤذي نملة فكيف به
ان يقتل انسانا.
وقد ردد مرارا احترامه للقانون لانه الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن
تنصف الجميع.
ووقع بطل المسلسل بسبب الحاح العشيرة على الثار من قاتل والده في صراع
محتدم بين ثقافته ومبادئه وبين التقاليد والاعراف البالية التي تمثل
ازدواجية الآخر لدى البعض، فرغم ازدرائهم لها الا انهم يعودون لجاهليتهم
الاولى مع أول حدث بسيط يتعلق بالعشيرة.
يصور الكانب شخصية وجيه الريفية بمستوى فكري راق اجبر صديقه المدرس
مراد على القول "علمني كيف أكون شريفا".
ووجيه ليس حالة منفردة في المجتمع، بل هناك الكثير من القادمين من
الاهوار ومدن الجنوب قد تآلفوا مع أجواء بغداد.
ولم يبالغ الكاتب في بهرجة ابن الريف، ولم يكن انحيازيا في هذا الطرح،
والدليل انه اظهر الجانب الآخر من شخصية الريفي متمثلة في ابن عم وجيه رويض
الذي التهمته بغداد فسقط في المستنقع لعدم تأهله اجتماعيا وثقافيا، اضافة
لترسبات منحرفة كانت تلازمه، فشكل صدمة لجميع اهل بغداد.
كيف يكون وجيه المهذب الودود ابن عم رويض المجرم والقاتل والسارق
والانتهازي المتحايل والذي قتل محيسن باتفاقه مع ابوعتيوي شقي الدهانة
وسرقة المخزن الذي يحرسه وهروبهم من العراق.
وتسببت جريمة رويض في سجن وجيه عدة سنوات كانت كفيلة بذبح احلامه وهدم
تطلعاته نحو المستقبل بوجه مشرق.
وصور الكاتب هروب رويض وابوعتيوي دون ان يطالهم العقاب ليبين فساد
القانون الذي يتستر على جرائم المتنفذين وذوي الامكانيات المادية والعلاقات
دون ان يمسهم سوء.
واسقط الكاتب الحاضر على الماضي من خلال وجيه ورويض ليصور العراق
الحالي الذي يحظى بانتشار النموذج رويض في المجتمع العراقي، فحديثو النعمة
والقادمون من الضباب هم من يمسكون بزمام البلد، وكلما تفوح رائحة فساد ما
لدى احدهم يترك البلد دون ان تطالهم يد القانون بل يهربون تحت حمايته.
وكان وجيه يصف نفسه بانه معتدل ما بين التطرف اليساري والتطرف اليميني
مع حمله لبعض توجهات المعسكر الشيوعي واعجابه بالتجربة الماركسية وادم سميث
وتجربة عبدالكريم قاسم.
لكن لم يخلو حديثه في احايين كثيرة من نقمة على ما قام به الزعيم
عبدالكريم قاسم من جذب سكان الريف اصحاب البيوت الطينية الى بيوت ضيّقة في
منطقة سماها الثورة ومن ثم بعد ذلك سماها صدام حسين بمدينة صدام واخيرا
سميت على يد قادة العراق الجديد بمدينة الصدر، ولا نعلم ماذا سيسميها
القادمون.
ويعالج حامد المالكي في كتاباته قضايا عديدة في حياة الانسان العراقي،
فالدين والسياسة والاجتماع والاقتصاد هي القاسم المشترك لكل اعمال الكاتب
يطرحها وفق الاحداث ومن خلال الشخصيات وانفعالاتها وحواراتها .
وبقيت الشخصيات في المسلسل اسيرة للتاريخ، فكانت حوارات وجيه مع من
يجالسه تهويمية لكنها كانت في بعض احيان كثيرة غنية بالمعلومات المفيدة
للمشاهد مع توفرها على كشف حقائق ربما تبدو غامضة.
واشار الكاتب على لسان وجيه بان الغرب اصبح على قدر كبير من التطور
العلمي والثقافي وفي كل مجالات الحياة لم يكن محض صدفة بل نتيجة عمل دؤوب
متسلسل مع غياب الامبراطوريات السياسية المتسلطة وكذلك انهيار سلطة الكنيسة
وبدأ نشاط الثورة الصناعية والنهضة الاوربية والانتقال الى تطبيق النظريات
على ارض الواقع، وينتقد خضوع المواطن العراقي للشخصيات الدينية والسياسية
كما ينتقد عدم امتلاكنا لنظرة اقتصادية رصينة مع تضاد النظرية والتطبيق
جعلنا نتأخر خطوة مقابل تقدم مئة خطوة لغيرنا.
واستحضر الكاتب في المسلسل بعض الحقائق الاجتماعية مثل بيوت الرقص
والحفلات الماجنة وعديد زوارها من طبقات مختلفة النشأة والتكوين والصق عنوة
مصطلح فنانين على هذه الطبقة.
ويصف معاناة هذه الشريحة من خلال معاناة مديرة بيت الطرب في "الدهانة"
المدعوة سعدية التي تقاذفتها امواج الالم وخيبتها المريرة الى انتهت بها
الى الانتحار.
وقام الكاتب بالتلميح بشكل مقتضب الى فترة بداية اعتلاء حزب البعث سدة
الحكم وافراجهم عن كافة السجناء والمعتقلين ومن ضمنهم وجيه الذي كان له اول
لقاء مع مدير المدرسة الجديد الذي حاول كسبه الى حزب البعث ليعطي الكاتب
صورة واقعية لعملية الاستقطاب في صفوف البعث.
ولم يتخلص الكاتب من المخارج الفنية الكلاسيكية التي تتكرر في الاعمال
العربية فيعترف الحارس ابو كاظم بان وجيه بريء من دم محيسن وتأكيد مقتله
على يد رويض وابوعتيوي وهروبهم الى الكويت.
ورغم ما جرى لوجيه من معاناة الا ان الكاتب ابى الا ان ينهي حياة
البطل كضحية لقيم ساذجة وتقاليد واعراف بالية فيقتل على يد اهل محيسن
ليستمر مسلسل الدم.
وفي احداث اخرى من المسلسل واهمها مفصل البيئة الصادقة والتي نجدها في
الازقة الضيقة والتي تظهر في اثاث المنازل والديكور بشكل عام وحتى الفرش
المتعارفة لدى العراقيين، فكان الصدق حاضرا بقوة بالإضافة الى الازياء
المناسبة.
ورغم الدقة في الاهتمام بالواقعية البيئية للمسلسل الا ان تصوير
المشاهد داخليا كان يعطي الانطباع بالخوف وعدم القدرة من مجاراة المشهد
الخارجي الا في الريف فقط، اما المدينة فلم نجد لها مشاهد خارجية تعكس
معالم بغداد في تلك الفترة.
وواكبت المؤثرات التصويرية والموسيقي احداث المسلسل، فكان ربط المشاهد
وتعاقبها بموسيقى موحدة، وكان التغيير ضمن المشهد لا مع القطع مما يوحي
للمشاهد بتسلسل الاحداث وتواليها دون انقطاع وهنا تكمن قيمة المؤثر
الموسيقي.
واضافت الاضاءة عناصر متعددة لجمالية الصورة، واستطاعت في تمازج
الالوان ان تواكب الزمن والمحيط وانفعالات الممثلين.
وكان المخرج علي ابوسيف صاحب ايقاع متناغم دون رتابة استطاع بإدارته
لفريق العمل ان يحبك احداث المسلسل بشكل متكامل.
من المؤشرات الجمالية للمخرج انه لا يقطع الحوار بل يقطع الصورة فبعد
نهاية الحوار لا نرى الكاميرا ساهمة منفصلة بل تستمر بعملها في تصوير
الانفعال الشخصي والتغيير المكاني بعملية سلسة.
وتمتع المخرج والكاتب بجرأة كبيرة في صناعة المشاهد الرومانسية بإتقان
جيد كما في مشهد اقتحام وصال لبيت وجيه عدة مرات وتصوير سيقانها الجميلة في
مشاهد اخرى يمثل القمة في الجرأة في عمل فني.
اما الممثلون فهم بشكل عام قد لازمهم التوفيق بشكل كبير وكانوا بحق من
الادوات الناجحة بيد المخرج والذي كانت له اليد الطولى في ادارتهم بهذا
الشكل العفوي الممتع بدءا من الرائع كاظم القريشي المتميز في كل تنقلاته
الادائية ما بين اعمال تركت بصمة لا يستهان بها اجبرت اكثر الاستفتاءات بان
يكون اميرها وهو مستمر بلا نصب او وصب في تصاعد تألقي اعطى لسماء الفن
العراقي زرقتها الجميلة الساحرة.
زهور علاء ممثلة عفوية نجح من اختارها لهذه البطولة فكانت ركن من
اركان النجاح يعتد به.
مهند هادي لا اقول عنه شيء سوى انه مظلوم لأنه طاقة ابداعية وعامل خلق
وانشاء ورقم صعب في صناعة الجمال لم يأخذ فرصته الحقيقية للآن مع الاخذ
بنظر الاعتبار تأثره بإداء الفنان المرحوم قائد النعماني نتيجة وجود الشبه
الخلقي بينهما.
اسراء البصام ممثلة مؤثرة الا انها عطلت ابداعها في هذه الادوار
البرجوازية.
سهى سالم ممثلة ذات قيمة فنية متميزة الا انها لم تضيف شيئا لتاريخها
الفني بدورها الخالي من أي انفعالات الذي عجز ان يفجر طاقاتها التمثيلية
المدفونة.
الراحل حاتم سلمان رغم انه من بقايا زمن الكلاسيكيين والمسلسلات
الهامشية الا انه خرج من اللحد وامتعنا كثيرا والفضل للنص والمخرج.
اياد الطائي لديه الكثير الا انه ما زال يعاني بسبب تعابير وجهه
القاسية والتي لم يستثمرها جيدا في تأديته لدور الضابط الملاحق لوجيه والذي
يذكرنا بالضابط المطارد لجان فالجان في مسلسل البؤساء وهذا الامر يقودنا
للقول بان الممثل العراقي يستسلم امام شكله وصوته وبنيانه الجسدي لأدوار
معينة تضعه في خانة تأتي على اخره مبكرا.
ما زلت اقول ان سمر محمد هي ملح الاعمال العراقية ويشاركها الابداع في
ذلك محمد حسين عبدالرحيم وسوسن شكري الذي وازنوا الكفة بحضورهم المهم.
ميدل إيست أنلاين في
27/02/2012
خطوة إيجابية في حقل ألغام
توجه مصري لإنتاج مسلسلات بـ15 حلقة
ماهر منصور
بدأت مصادر إعلامية قريبة من أجواء سوق الإنتاج الدرامي المصري،
الحديث عن أن ثمة نية لإنتاج مسلسلات من خمس عشرة حلقة لأسباب إنتاجية، على
أن ينذر ذلك بعهد درامي جديد يحمل هذا الشكل الجديد من الإنتاج، لكسر طوق
العرض الدرامي الرمضاني.
وكانت هذه الخطوة الدرامية قد بدأت سابقا مع أعمال قلة عرضت في رمضان
ما قبل الماضي، منها «كابتن عفت» للفنانة ليلى علوي، و«ما زلت آنسة»
للفنانة الهام شاهين. والقراءة الهادئة لتفعيل هذا التوجه من شأنه أن يفتح
باب الأسئلة حول جدواه العملية وكشف غاياته الحقيقية، فهل إنتاج مسلسلات
بخمس عشرة حلقة هو كسر لاحتكار العرض الرمضاني حقاً؟ وما مدى الاستفادة
الفعلية لجهة تكاليف الإنتاج من تنفيذ نصف حلقات المسلسل المعتاد (يتألف من
ثلاثين حلقة)؟ وكيف سينعكس ذلك على المستوى الفني للعمل؟
في تاريخ الدراما العربية عموماً عرفنا التمثيلية، وهي سهرة تلفزيونية
بحلقة واحدة قد تصل مدتها نحو الساعة ونصف الساعة، كما عرفنا الثلاثية وهي
مسلسل من ثلاث حلقات، والسباعية وهي مسلسل من سبع حلقات، ثم قدمت مسلسلات
بأعداد حلقات متفاوتة، ولا سيما في بدايات الدراما السورية. فكنا نسمع عن
مسلسل من 13 حلقة، وربما أكثر أو أقل، لكن عدد الحلقات هذا لم يأت ضمن
جدولة زمنية تقليدية، وإنما كان يتبع لقصة العمل والزمن الافتراضي لانتهاء
أحداثه. ولم نسمع بجدولة ثابتة لعدد الحلقات إلا مع بدء ربط العرض الدرامي
الجديد بشهر رمضان المبارك، حيث صار لزاماً إنتاج مسلسلات بثلاثين حلقة
لتغطي أيام الشهر الفضيل.
ويبدو اليوم أن حصر إنتاج المسلسلات الجديدة بخمس عشرة حلقة هو إنتاج
لنصف مسلسل رمضاني، بمعنى أن لا نيات حقيقية بكسر العرض الرمضاني، فبدلا من
عرض مسلسل واحد طيلة الشهر، صار بالإمكان عرض مسلسلين. وبالتالي إذا كان في
نية فضائية ما عرض أربعة مسلسلات في رمضان صار بإمكانها مع الشكل الجديد
للإنتاج أن تعرض ثمانية أعمال، الأمر الذي يعني نظرياً تنوعاً درامياً
أكبر، وهو ما نأمله ولا نراهن عليه.
أما كلفة إنتاج مسلسل بخمس عشرة حلقة، فهي بلا شك أكبر من إنتاج مسلسل
ثلاثيني، ويمكن لنا تفهم التوجه المصري الجديد من خلال الظروف الإنتاجية
المستجدة للمنتجين المصريين بعد ثورة 25 يناير، ورغبتهم باستمرار الإنتاج
الدرامي حتى ولو بنصف عدد الحلقات. وهذا لا يعني بالطبع أن المنتجين
سيبيعون مسلسلاتهم الجديدة بنصف ثمن مسلسل ثلاثيني، بل تبعاً لتكاليفها
الجديدة. وهنا تصبح الكرة في ملعب الفضائيات، ولا سيما تلك التي تتوجه
اليوم لإنتاج مسلسلات مكونة من تسعين حلقة فقط لتغطية زمن عرض درامي
بتكاليف إنتاجية أقل، فهل سترضى بتغطية زمن عرض الثلاثين حلقة بمسلسلين
بتكاليف إنتاجية أكبر؟!
أما فضيلة إنتاج مسلسلات بخمس عشرة فهي أنها قد تشكل طوق الخلاص من
الثرثرة التي بدأت تطغى على الدراما العربية، على حساب الأحداث، وحالات
التطويل المملة التي بدت وسيلة الكتّاب الوحيدة للوصول بأعمالهم إلى بر
الحلقة الثلاثين.
بالإجمال، تحمل فكرة إنتاج مسلسلات بخمس عشرة حلقة العديد من النقاط
الإيجابية التي تنتصر للمشاهد ولمستوى العمل الفني وللتنوع الدرامي. لكن
تنفيذ الفكرة أشبه بالمشي في حقل ألغام، إذ لا شيء مضمونا فيها. فربما عند
التنفيذ لا نخرج بأكثر من مسلسل واحد مقسوم إلى قسمين كل منهما خمس عشرة
حلقة، وربما يتم وأد الفكرة في مهدها بعزوف الفضائيات عنها. وربما تنهكها
شروط الممثلين والمخرجين المالية، وربما لا يستطيع الكتّاب التكيف معها...
فإن تجاوزنا كل هذه المخاطر، فإننا على الأرجح سنكون أمام فتح درامي جديد.
السفير اللبنانية في
28/02/2012 |