شعور هائل بالسعادة والفخر ملأني وقد سنحت لي الفرصة لإجراء هذا
الحوار ليس فقط لأنه واحد من أطيب «الآباء الروحيين» لأمثالي، لكن أيضا
لأنه أحد أساتذة الأجيال، وواحد من كبار المحترمين في هذا البلد الطيب،
وأحد أبرز الأدباء والمثقفين المحملين بهموم الوطن والمساهمين بإبداعاتهم
في نهضته، كما أنه لحق «طرد» الملك فاروق ثم عاصر السادات ومبارك بعدما
عاصر جمال عبدالناصر الذي رغم شغفه به وبثورة يوليو إلا أنه وبكل بساطة
يعلن اختلافه مع هذا الزعيم العظيم في أشياء كما يختلف أحيانا مع ثورته..
الأستاذ يسري الجندي - هنا - شاهد علي أكثر من عصر، وبقدر ما نستطيع سنحاول
أن نحظي منه بشهادته ورؤاه وتوقعاته حول ما جري في عقود مضت، وما يجري
الآن، وما ننتظر في قادم الأيام.
·
هل أنت - شخصيا - إنسان «ثورجي»..
وهل شاركت في مظاهرات أو اعتصامات من قبل؟
- بالمعني الذي تقصده: لا.. لم أشارك في عمل جماعي وطني إلا حرب
أكتوبر 73، وحينها استدعيت لأنني كنت علي قوة الاحتياط بعدما أديت الخدمة
العسكرية. وأذكر أنني خرجت في مظاهرات مرتين، الأولي يوم تنحي الرئيس جمال
عبدالناصر، وجدت نفسي بين الجموع التي خرجت للشوارع- في بلدي دمياط - ولم
أكن أدري إلي أين أذهب، ولا حتي أذكر ماذا فعلت حينها. والمرة الثانية كانت
حينما توفي. وفيما عدا ذلك: لم أشارك في مظاهرات أو عمل أزعم أنه وطني، أنا
عاكف علي الدور الذي اخترته لنفسي مبكرا:الكتابة التي وهبت لها نفسي،
وقادتني هي، حتي أنني اعتبر شخصا غير اجتماعي، لأن معظم وقتي بين بيتي
ومكتبي، لا أبارحهما، ومن ناحية المتعة: حياتي تعتبر فقيرة جدا، وخالية من
المتعة الصغيرة العادية، حتي السجائر - التي كانت متعتي الوحيدة - منعت
عنها قصرا من أجل صحتي، هذا له شأن بطبيعتي. أنت - كمبدع - من الممكن أن
تكون لك توجهات أو ثوابت مثل العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية،
وهذه الثوابت من الممكن أن تكون عنصرا «مشتركا» مع أطراف سياسية كثيرة، لكن
لا تندرج تحت أي طيف سياسي من هؤلاء، لأن ذلك قد يوقف تطور الإبداع، المبدع
يحتاج مساحة من الأفق أمامه تسمح له بتطوير نفسه وأفكاره دون قيود. هناك
ثوابت ربطتني بثورة يوليو، لكن كان بيننا عنصر خلافي أيضا وذلك فيما يخص
جانب الديمقراطية السياسية تلك الثوابت ستجدها مخيمة علي أعمالي المسرحية.
وفي التاريخ الفكري والأدبي هناك أمثلة كثيرة تؤكد نفس اعتقادي سواء كان
صحيحا أو خطأ، علي مستوي العالم، هؤلاء كانت لديهم انتماءات حزبية، وكانت
تشكل قيدا علي تطورهم الإبداعي، رغم أنهم من الرموز الكبيرة في الغرب. ولكن
هذا السؤال لم يعد له مجال أصلا، إذ لم تكن توجد حياة حزبية- في مصر - خلال
العقود الماضية، لأن الحزب الوطني الذي لا أريد القول بأنه كان تشكيلا
عصابيا وليس حزبا استطاع أن يدمر تماما وجود حياة حزبية بالمرة، بل استطاع
القضاء علي فكرة الممارسة السياسية بالنسبة للمواطن العادي، وهذا جزء من
مشكلتنا الآن.
·
كان عمرك عشر سنوات عندما قامت
ثورة يوليو 1952 فهل تعي ذاكرتك مشاهد طرد الملك فاروق من مصر؟
- نعم.. كنت واعيا حين طرد الملك فاروق.. وكنت ألتقط من أبي آراءه
فيما يحدث حولنا، وكنت أحضر مناقشاته مع رفاقه، فصرت واعيا بما يحدث، وما
استخلصته وأنا صغير هو أن فاروق كان ملكا منفلتا وفاسدا.
·
بعد ذلك عاصرت جمال عبدالناصر
والسادات ومبارك.. هل من مقارنة بين كل منهم؟
- لا شك أن احترامي الكبير لعبدالناصر كرمز وطني لن يتكرر ولن يتكرر
زمنه الذي كان زمن الزعامات والقامات العالية، رغم أن البعد السياسي في
الديمقراطية - في ذلك الزمن - كان مشكلة، لو كان استطاع عبدالناصر تلافيها،
وهو كان يريد تلافيها بعد نكسة 67 ولكن القدر لم يمهله، لو كان قد تلافاها
لاستطاع أن يحمي الثورة التي انقضوا عليها بعد موته. أما السادات فهو بلا
شك رجل سياسة، لكنني أرفضه وأرفض ما انتهي إليه وما حدث بعد حرب أكتوبر 73.
أنت عندما تكون قويا ولا تركع تكن عصيا علي التركيع والهيمنة، والعكس صحيح،
والسادات فعل العكس، السادات أعطي الفرصة كاملة لإسرائيل وأمريكا للسيطرة
علي المنطقة، وجعل إسرائيل تحقق ما لم تكن تحلم به، ومنح الاستعمار فرصة
للعودة بعدما كان قد اختفي، كل ذلك سمح به اختفاء الدور المصري وتحالف
السادات مع الأعداء التاريخيين للأمة العربية ولمصر. أما مبارك فلا تعليق!
·
خطاياه أكثر من أن تحصي؟!
- يعني.. لا تعليق. لكن السادات يظل رجل سياسة، ويحسب له إقدامه علي
حرب 1973 وإن كان التحضير لها - إلي حد كبير جدا - قام علي اكتاف قادة عظام
تحت رئاسة عبدالناصر، ولابد أن نعترف بذلك، والسادات اعتمد علي ذلك في
انجازه خطوة الاقدام علي حرب أكتوبر 1973 العظيمة، وإن كانت- للأسف الشديد
- نتائجها علي المدي البعيد لم تكن في صالحنا ولا في صالح قضايانا.
·
هل نستخلص من شهادتك ورؤيتك - في
كلمة أو جملة واحدة حول كل رئيس وعصره من الثلاثة - كالآتي: إخلاص - شجاعة
- لا تعليق؟
- لا أوافق علي ذلك، السادات لم يفعل ما فعل من فراغ ولا بالمصادفة،
وعندما أقول إنه رجل سياسة فهناك رجل سياسة وطني وآخر غير وطني، وكلاهما
رجل سياسة، كما كان الأمر قبل ثورة يوليو - مثلا - إسماعيل صدقي كان رجل
سياسة من الدرجة الأولي ولكنه كان مستبدا وله جرائم، بينما كان النحاس رجل
سياسة وطني وكذلك سعد زغلول بالطبع.
·
نعود إلي ثاني أهم ثورة شهدتها
بعد ثورة يوليو؟ بماذا جاءت ثورة يناير؟
الثورة لم تأت بشيء حتي الآن.. هي فقط أطاحت برأس النظام ونظامه
البرلماني الفاسد، لكنها لم تبدأ بعد. لكن المدهش والرائع انها جاءت بعد كل
هذا الفساد الذي جعل معظمنا يفقد الأمل في حدوثها، بل ويفقد الأمل في نفسه
أيضا! - ولو أنك قفزت كده، لكن طبعا تنظيم الثورة جيد، وكما قلت لك - في
مرة سابقة - إنني كنت متأكدا أنها ستجيء ولابد أنه سيحدث تغيير، وجذري،
لكنني كنت أخشي ألا أعيش هذه اللحظة، لكن الله - سبحانه وتعالي - أرادها
وأنا علي مدخل السبعين، وأنا مندهش حتي الآن لأنها حدثت وأنا مازلت حيا،
لكنني أقول إننا في البداية، فهذه ثورة حقيقية وكبيرة جدا وسوف تحدث تأثيرا
كالذي أحدثته ثورة يوليو في محيطها الإقليمي وعلي المستوي الدولي، لكن
متاعبها ومصاعبها ستكون كبيرة.
·
ما الذي يخيفك أو يقلقك يا
أستاذنا؟
- الذي يقلقني جدا حتي الآن هو أن «التطهير» يسير ببطء شديد جدا، وقد
كتبت أحذر من ذلك أكثر من مرة، هذا أخطر، لأنه لا يمكن للثورة أن تقوم علي
بقايا نظام سابق، لا يمكن أن نضع أساسا علي جذور النظام القديم، ذلك النظام
مازال موجودا وكانت أشباحه موجودة في الاستفتاء ورءوسه الكبيرة مازالت
مطلقة السراح.
·
ولا أدري لماذا توجد مسافة بين
الحشد الثوري والايقاع والقرارات علي الأرض، نحن نسير بإيقاعين مختلفين!
- الثورة لا تعرف إلا منطق الثورة لا تعترف بالوسط، هنا منطق آخر يسير
وكأنه منطق - إصلاحي هذا لا ينفع، فالمنطق الإصلاحي لا ينطبق مع المنطق
الثوري، هذا ما يجعل إجراءات «التطهير» بطيئة وبالهويني وبالطبطبة في أمور
لا تحتمل «الطبطبة»! يقلقني أيضا التعجيل في اتخاذ القرارات الخاصة
بالتغيير ونحن نحترم رغبة القوات المسلحة في أنها لا تريد أن تتحول للنظام
العسكري وتريد تسليم الحكم لسلطة مدنية بسرعة، لكن هذا ليس مبرراً للاسراع
بخطوات والساحة غير مهيئة لها.
·
البعض يطالب بمحو هذه المادة، بل
لا يطيق نقاشا حولها، ويطالب بعدم ذكر الديانة في البطاقة الشخصية ويرفض -
تماما - قيام أي حزب علي أساس ديني أو أن يتدخل الدين بأي شكل في رأس الحكم
في الدولة المدنية المنتظرة.. ما رأيك أنت؟
- الشباب الذين قاموا بالثورة جاءوا من قلب هذا العصر هذا ما يميزهم
كما قلت، هم يقفون علي شاطئ آخر غير الذي نقف عليه ولهم لغة مختلفة، العصر
ومقتضياته سيفرضان نفسهما علي هذه الثورة، سيكون هناك مجتمع مدني عصري
بالمعني الحقيقي، وسوف تختفي كل الاختلافات المصنوعة. علاقتنا بالمسيحيين
كانت جيدة جدا أيام عبدالناصر، وكان مسموحا لهم بحقوق في المراحل التالية
لعبدالناصر كان هناك تعمد لوجود هذه الفوارق، لكنهم سيستردون حقوقهم كاملة
وسوف تنتهي لعبة الطائفية، هناك أمور كثيرة سيتم علاجها، لأن الثورة انطلقت
من عقول تنتمي لهذا العصر، وهذا العصر لا يعترف إلا بالمجتمع المدني.
·
لك رأي حول «الإخوان المسلمين»
واحتمالية وصولهم للحكم؟
- أعتقد أننا سنصل لمرحلة.. قد تكون بعيدة نسبيا.. وفيها سيكون وجود
أي حزب له مرجعية دينية من الأمور المرفوضة تماماً.
·
متفائل بوجود الدكتور عصام شرف
علي رأس الحكومة الآن؟
- نعم، لأنه رجل شريف ومخلص جدا، أنا مطمئن إليه، لكن المرحلة صعبة
جدا، وربنا يعينه عليها. ما يساعده في مهمته الصعبة هو «التطهير» بالكامل
واجتثاث رءوس الفساد التي مازالت موجودة، وأيضا يجب أن يكون كل من كان في
الحزب الوطني، في منأي عن المرحلة الأولي من البناء.
·
مصر رايحة علي فين بعد ثورة
يناير 2011؟
- رايحة في اتجاه حجمها الحقيقي، ولكن هناك ثمن، حتي تصل لحجمها
الحقيقي الذي يليق بها هذا الثمن هو بعض الوقت والتعب.
·
الثورات تجتاح كثيراً من البلاد
العربية، في اعتقادك كيف سيكون الوطن العربي بعدها؟
- هذا طبيعي، مصر عندما تتحرك فالمنطقة كلها تتحرك، والوطن العربي
يتحرك الآن نحو الأفضل.
·
ما اسم أو وصف الرئيس الذي تتمني
أن يحكم مصر في هذه المرحلة، ماذا تريد، وتنصح - أنت شخصيا؟
- أتمني نظاما برلمانيا، رغم أنه يحتاج أحزابا قوية، أرجو أن نجد
الفرصة لوجود أحزاب قوية حقيقية، لأنها التي تستطيع أن تسمح بنظام برلماني
لا رئاسي، أما إذا لم توجد أحزاب بالدرجة الكافية لهذا النظام الآن فلابد
من وجود ضمانات للحد من سلطات رئيس الجمهورية.
·
ولا يقلقك بعد ذلك من يحكم مادام
النظام سليما؟
- بالضبط.
·
كثيرون نصحوا الثوار، وشباب
ميدان التحرير بالذات، بضرورة إنشاء حزب يضمهم وبأسرع وقت، ما رأيك؟
- ليس بالضرورة، إنما يندمجون في الحياة الحزبية، هم يفتقرون خبرة
تكوين حزب وخبرة العمل السياسي والحزبي، لذلك فالأمران واردان، اما أن
ينشئوا حزبا يجمعهم، أو ينضموا لأحزاب يثقون بها.
جريدة القاهرة في
26/04/2011
خارطة طريق لإنقاذ دراما المسلسلات
التليفزيونية
بقلم : سمير الجمل
أعمال قليلة تلك التي يتم تصويرها حاليا في مجال الدراما
التليفزيونية.. والأسباب واضحة.. أولها أن معظم أموال الإنتاج كانت تحت
الطاولة باسم فلان وعلان ولأن غالبية هؤلاء إما ذهبوا إلي جهاز الكسب غير
المشروع أو في طريقهم إليه، فقد رفعوا أيديهم وابتعدوا وهذا ما يثير
الشبهات حول عمليات غسيل الأموال في هذا المجال، وهو ما ساهم في رفع أجور
النجوم إلي الأرقام الخرافية التي بلغتها. أما علي صعيد الجهات الحكومية
فإن صوت القاهرة شبه متوقف بعد أن تم استبعاد رئيسها إبراهيم العقباوي
وتكليف سعد عباس بإدارة شئونها في وقت حرج لا يعرف فيه الرجل جيدا ما
الإمكانات المتاحة أمامه، وهل سيعمل مستقلا عن القطاع الاقتصادي وشركة
الإعلانات، وإذا كان الأمر كذلك فهل هو علي أرض الواقع يمتلك الميزانية
التي تسمح له بحرية الحركة، وهل ستعود إليه عائدات تسويق أعماله السابقة
والشركة بالفعل تمتلك رصيداً لا بأس به، ولكن علي الشاشات العديدة لا نري
إلا أقل القليل.. ولا ندري لذلك سببا، وهل الظروف الحالية التي تعيشها معظم
الدول العربية تسمح لها أن تأخذ من إنتاج صوت القاهرة ما يحقق لها السيولة
التي تستطيع بها أن تدير عجلة إنتاجها، وكلنا يعرف أن الشركة تم فصل قطاع
الصوتيات والمرئيات فيها.. عن شركة الإعلانات قبل الثورة، ولكن بعدها تم
التراجع عن هذه الخطوة، وبعد غياب وزير الإعلام والأوضاع المهنية في
ماسبيرو بسبب الهموم الإدارية والمالية والوظائفية التي حاصرت رئيس الاتحاد
الدكتور سامي الشريف ظلت صوت القاهرة في مكانها لا تعرف إلي أين وكيف تتجه،
وأصبحت أشبه بالمطلقة المعلقة، لا هي مستقرة في بيت الزوجية ولا هي انفصلت
وبحثت لنفسها عن حياة جديدة. مدينة الملاهي أما علي صعيد مدينة الإنتاج
الإعلامي فإن استقلاليتها بعيدا عن سطوة وزارة الإعلام المباشرة لم تشفع
لها أن تستمر في إنتاجها الدرامي بعد أن عانت التخبط في إدارتها برئاسة سيد
حلمي، الأمر الذي دفع الخبير الدرامي يوسف عثمان إلي الانسحاب منذ أسابيع
تاركا المركب بما حمل لحلمي، الذي كان يستخدم يوسف وخبراته، ثم يتجاهله في
اتخاذ القرارات الإيجابية، فإذا بإنتاج المدينة يتدهور عاما بعد آخر، رغم
أنها تمتلك ذخيرة من النصوص المتميزة دفعت فيها أرقاما كثيرة ولم تنفذها
لأسباب غير مقنعة أو منطقية نهائيا.. ومع ذلك استمر حلمي في رئاسة المدينة
معتمدا علي تأجير الاستوديوهات والإيرادات التي يحصلها من تأجير مدينة
الملاهي.. وحصيلة الأكاديمية والفندق الموجودين بالمدينة.. وقد كانت
المدينة قلعة شامخة للإنتاج أيام عبدالرحمن حافظ.. ولعل أبرز علامات الفشل
هذا المسلسل الهزلي الذي أسندت المدينة بطولته إلي النجم عمر الشريف الذي
اعتمد فيه علي فكرة لكاتبه هي في الأصل سكرتيرته ولأنها عديمة الخبرة
بالدراما التليفزيونية، رفض غالبية المخرجين تنفيذ النص.. فإذا بالمدينة
تكافئها علي ذلك بإسناء مهمة الإخراج إليها.. وكان المسلسل الذي يضرب به
المثل لإعادة ممثل عالمي إلي دائرة المحلية مرة أخري ولا أظن أن حالة
التخبط هذه يمكن أن تتغير إلا إذا تم تغيير سيد حلمي. شبه ميت أما علي صعيد
قطاع الإنتاج فهو تابع بشكل مباشر لاتحاد الإذاعة والتليفزيون وعندما تم
إبعاد راوية البياض تولي إدارة القطاع مسئول الشئون المالية وهو التغيير
الذي يعني بكل بساطة إدارة شئون موظفي القطاع وما لهم من رواتب شهرية.. أما
الإنتاج الدرامي فهو أيضا شبه ميت. نظرة مختلفة في ظل هذه الظروف الخانقة
التي تحيط بجهات الإنتاج الخاصة والحكومية.. ليس أمامهم للخروج منها إلا
اللجوء إلي أشكال درامية مختلفة.. أهمها البطولة الجماعية من خلال نصوص
فيها روح الابتكار بعيدا عن أمور الاستسهال بإعادة الأفلام القديمة خاصة
تلك التي تدور في أجواء المخدرات واللصوص والانحرافات.. وبعد ذلك علينا
البحث عن مسلسل الـ 15 حلقة، وأيضا السباعية والخماسية والسهرة
التليفزيونية التي يمكن تقديمها في حدود الساعتين والتعامل معها كفيلم،
خاصة أن الأفلام حاليا يتم تصويرها بكاميرات الديجيتال الـ
HD
مرتفعة المواصفات. قد اعترفت بها مهرجانات السينما في انحاء العالم كما
أنها تمنح الفرصة لعمل الخدع والمونتاج علي أرقي مستوي وبأقل تكلفة ممكنة..
وهو ما يعطي الفرصة لضخ دماء طازجة في شرايين دراما كانت رائدة وانحدرت
تجاريا إلي أدني مستوياتها باستثناء بعض أعمال السنة الأخيرة وأبرزها أهل
كايرو، شيخ العرب، قصة حب، عايزة اتجوز، سقوط الخلافة وماما في القسم.
والحقيقة أن مجموعة المخرجين الشبان نجحوا في تجديد دماء الأسلوب الإخراجي
النمطي في الدراما التليفزيونية بالكاميرات الثلاث.. عندما عملوا بكاميرا
واحدة علي طريقة السينما، ومن هؤلاء محمد علي، مريم أبوعوف ورامي إمام.
القوالب التي أتحدث عنها يمكنها أن تقدم لنا الرؤي والأفكار الجديدة في بلد
تغير من الوريد إلي الوريد ولا يمكن بحال أن تظل الدراما وهي ديوان العرب
جامدة خاملة بعيدا عما يجري.. وهذه القوالب التي حققت الريادة لمصر هي التي
يمكن من خلالها في الوقت الحالي تقديم التجارب المميزة بإنتاج منخفض
التكاليف وبعناصر مبدعة في جميع المجالات. وأشهد أن تجربتي في تأسيس مركز
السيناريو والقنوات بجريدة الجمهورية جعلتني أثق تماما أن من يدعي غياب
المؤلف الجيد هو واهم أو غائب عن التيار الحقيقي للمواهب وتحت أيدينا
نصوصهم وأعمالهم ويمكن في ذلك سؤال كبار الكتاب والنقاد والنجوم الذين
قدموا محاضراتهم إلي هؤلاء ومنهم محمود ياسين، محفوظ عبدالرحمن، محمد جلال
عبدالقوي،رفيق الصبان، عاطف بشاي، ماجدة موريس، عمر عبدالعزيز، محمد السيد
عيد، نادر خليفة، عادل الأعصر، محمد الغيطي ومحمد كامل القليوبي. وكما
ينادي الناس بالتغيير من باب أولي أن يتم هذا التغيير في ميدان دراما
المسلسلات، لأنها تستطيع أن تقدم المتعة والوعي وما ينهض بالروح والوجدان
نحو العالمية الجديدة.
جريدة القاهرة في
26/04/2011
صناعة النجوم في الإذاعة
والتليفزيون
بقلم : زياد فايد
مما لا شك فيه أن الإعلام المسموع الإذاعة والإعلام المرئي التليفزيون
يشكلان أداة أساسية لصناعة النجوم، بل يمكن القول بأن الإذاعة والتليفزيون،
خاصة في العالم العربي هما الساحة الرئيسية لصناعة النجوم خاصة في مجالات
برامج «الرياضة، الغناء، المطبخ، الوعظ الديني، التوك شو» فهل ثمة اهتمام
أو احتمال بأن تمتد صناعة النجوم هذه إلي مجالات أخري، مثل الثقافة، الأدب،
العلوم، الطب، الاختراع وكلها كما نعلم مجالات حيوية في الحياة البشرية،
كما أنها تشكل قاعدة عريضة وصلبة للتطور الحضاري. ربما قد يحدث هذا لو
اتسعت قاعدة المشاهدين والمهتمين بمثل هذه البرامج الثقافية والعلمية ولا
يمكن في الوقت الحالي أن ننكر دور الإذاعة والتليفزيون في غزو العقل البشري
بدءًا من الطفل الصغير إلي الشاب الموظف، الطالب، ربة البيت وحتي العاطل عن
العمل وغيرهم، فالناس يتجمهرون في اجتماعاتهم وتجمعاتهم ومناسباتهم، حيث
إنه خرج من موقعه الأساسي بالبيت، ليحتل أماكن أخري مثل المقاهي والمطاعم
وقاعات الانتظار بالمستشفيات والعيادات والبنوك والشركات.. إلخ. فلقد أصبح
التليفزيون وسيلة إلهاء مرضية للجميع. فتعدد القنوات وانتشارها واختلافها
سهل علي الناس ملاحقة كل شيء. أما الإذاعة فإنها محور اهتمام جيد أيضا
بالرغم من محاصرة التليفزيون لها إلا أن الناس مازالوا مهتمين بمتابعة
برامج الموسيقي والأغاني وأخبار الطقس والفنانين والسياسة، فلا يمكن قيادة
السيارة دون الاستماع إلي بعض المحطات المناسبة، ولأن وجود الإنسان في
السيارة الآن يشكل جزءًا كبيراً من وقته خاصة مع الازدحام الذي أصبح سمة
لكل الميادين الرئيسية وعواصم المحافظات في كل أنحاء العالم. فإنه يستمع
إلي الإذاعات الأكثر جذبا، الأمر الذي أدي إلي ظهور التنافس الشديد بين
المحطات الإذاعية وظهور نجوم جدد من الشباب خاصة في البرامج الخفيفة
والسريعة الإيقاع التي تبثها محطات
FM
ومنها علي سبيل المثال موجة 6.100 ومن نجومها أسامة منير. هذه المتابعة
الجيدة للإذاعة والتليفزيون وسيطرتهما علي حياة الناس لتواجدهما بكل مكان
جعلت من صناعة النجم أمرا سهلا وسريعا. المقصود بالنجم هنا هو المذيع أو
مقدم البرامج وفي هذا الإطار ظهر العديد من الأصوات الإذاعية التي كانت بحق
بمثابة نجوم ومشاهير تكتب عنهم الصحف ويشير عليهم الناس في الشارع ومن
هؤلاء آمال فهمي، فهمي عمر، جلال معوض ونجوم آخرون أصواتهم كانت نجوما،
ولكن لم يعرفهم شكلا المستمع ومنهم «بابا شارو، أبلة فضيلة، إيناس جوهر»
علي سبيل المثال، وقد لا ننسي جميعا الأصوات الإذاعية القديمة التي تعلق
الناس بها، والتي كانت تبثها المحطات من مختلف الأماكن وكان صداها يتردد
بقوة حتي أصبح صوت النجم رمزا له، لقوة حضوره مهما كان نوع البرنامج الذي
يقدمه، حيث كانت الإذاعة ومن بعدها التليفزيون يصنعان النجومية، فقد لمع
نجم العديد من الفنانين الشبان أمثال أحمد عزمي، ريهام عبدالغفور، غادة
عبدالرازق، أحمد فلوكس، سمية الخشاب، سامح حسين، أحمد مكي، أحمد الفيشاوي،
مي عزالدين، أحمد سعيد عبدالغني، منة فضالي.. إلخ. أيضا استطاعت برامج «التوك
شو» أن تصنع العديد من الأسماء التي لم يكن يعرفها رجل الشارع العادي، صحيح
أن بعضهم كان صحفيا لامعا في جريدته أو بين أوساط الفنانين، ولكن لم يكن
يكفي هذا ليصنع نجوميته وشهرته الطاغية من خلال الفضائيات. يأتي علي رأس
هؤلاء الصحفي محمود سعد وكانت يتقاضي 12 مليونا من الجنيهات سنويا، يليه
الصحفي خيري رمضان وأيضا عمرو أديب، رغم أن كل هؤلاء لم يكن عملهم الأصلي
تقديم البرامج، أيضا لم يكن لديهم خبرات سابقة في هذا المجال، إلا أن لديهم
أسبابا ساعدت علي تألقهم ووصولهم إلي هذه النجومية والشهرة الإعلامية وإن
اختلفت الأسباب بين أحدهم والآخر. أما بالنسبة لمن كان تقديم البرامج هو
عملهم الأصلي أو تجربتهم الأولي، فإن الإعلام قد ساهم في أن يصنع من بعضهم
نجوما، ولم يفعل مع الآخرين نفس الشيء، فهل طبيعة البرامج التي شاركوا فيها
كانت سببا أم أن لديهم مواهب كانت خافية كانت تحتاج إلي فرصة ومن هؤلاء:
مني الشاذلي، معتز الدمرداش، تامر أمين، هالة سرحان.. إلخ. هذا وإن كانت
الفضائيات قد اكتشفت أو أسهمت أو صنعت نجوما آخرين في مجالات أخري، ومنهم
الفنان حسين الإمام، الذي اشتهر بفقرة المطبخ ضمن برنامج القاهرة اليوم علي
شاشة الأوربت. وفي مجال الدعوة صنعت الفضائيات عمرو خالد، محمد حسان، خالد
الجندي.. إلخ، وفي الرياضة أحمد شوبير، خالد توحيد. من جهة أخري أسهم
التليفزيون في صناعة النجومية في مجال الكتابة الدرامية فلا يوجد اليوم من
لا يعرف الراحل أسامة أنور عكاشة، محفوظ عبدالرحمن.. إلخ ربما لارتباطهم
بالمسلسلات التي تذاع خلال شهر رمضان، ولأن برامج الإذاعة والتليفزيون
العربية يغلب عليها مفهوم التسلية
Entertainment بشكل عام، فقد استدعي هذا المفهوم المبالغة في استخدام النجوم كعوامل
جذب للمشاهدين، ورغم أن بعضهم قد لا يمثل القوة أو النموذج الذي تقدمه
وسائل الإعلام علي أنه الأصح أو الأفضل، فإن هذه البرامج صنعت من البعض
نجوما فوق العادة، خاصة مع تحول البرامج الحوارية إلي برامج
Talk show يتم خلالها تداول قضايا تدور في معظمها حول مفهوم التسلية، إضافة إلي
كم البث الهائل من المسلسلات والأغاني، حتي أن مفهوم التسلية الغالب علي
الإعلام العربي قد يؤدي إلي إخلال واضح بنسق القيم العامة التي يجب أن تسود
في المجتمع. من هنا دعت الحاجة إلي ابتكار برامج أكثر تسلية وجذبا للناس
منها برامج الطبخ الكثيرة والتي صنعت مثلا من الشيف رمزي وأسامة السيد
ومنال العالم وغيرهم نجوما لامعين في مجال الطبخ. أما برامج المرأة
والبرامج الصباحية التي تستهدف ربات البيوت، فقد أصبح لمذيعاتها ومقدميها
مكانة خاصة لدي النساء وتجد أسماء كثيرة يتم تداولها في البيوت لأطباء
وسياسيين وباحثين ومصممين يسمع بهم عامة الناس من الإذاعة والتليفزيون.
وحينما فاز الدكتور أحمد زويل عالم الكيمياء بجائزة نوبل في الكيمياء عام
1999 أصبح فوزه بهذه الجائزة العالمية موضوع الساعة في الإعلام المصري
المسموع والمرئي والمقروء، ثم سرعان ما تلاشي الاحتفاء بالرجل، وقد كان
الاهتمام الإعلامي بأحمد زويل محض احتفال بمواطن مصري حصل علي أرفع جائزة
عالمية في العالم، وما إن انتهي الاحتفال حتي اختفت الأضواء تقريبا عن
الرجل، وبإمكاننا أن نضع إلي جانب اسم الدكتور أحمد زويل عشرات أو مئات
الشخصيات العلمية العربية المرموقة في مجالاتها ومن جميع البلاد العربية
سواء هؤلاء الذين يعيشون في الخارج أو يعملون بصمت بيننا. وما من أحد يعرف
شيئا عنهم وفي المقابل نحن نعرف كل شيء تقريبا عن نجوم الغناء والرياضة في
العالم العربي علي سبيل المثال، والمقارنة هنا لا تعني الانتقاص من نجوم
الغناء والرياضة وإنما تعني أن صناعة النجوم في الإعلام العربي تكاد تقتصر
علي فئات دون غيرها، الأمر الذي يرسخ نمطا من الثقافة العامة يتصدر قائمتها
مطربون ولاعبو كرة قدم، بينما يغيب عن المشهد علماء وأدباء ومفكرون
واقتصاديون ومخترعون لا يعبأ بهم الإعلام المرئي والمسموع ولا الصحافة
أيضا، إلا إذا كان أحدهم نجما من خلال جائزة عالمية. كما في حالة الدكتور
أحمد زويل، وعدا ذلك فإن الإعلام العربي يقوم علي مستهلك لا يعنيه كثيرا أن
يكون هذا الإعلام وسيلة للتطور الحضاري أو أن يكون شريكا فعالا في صناعة
نجوم يحتاج إليهم المجتمع قدر حاجته للمطربين ولاعبي كرة القدم. وربما أكثر
وهنا يمكن القول بأن الإعلام العربي هو انعكاس للمجتمع العربي والحديث عن
الحرية والوعي في هذا الإعلام تقتضي أولا نقد المجتمع الذي رضي لأفراده أن
يكونوا ساحة تلق لطوفان من ساعات البث التي تصب في مفهوم واحد هو مفهوم
التسلية وإضاعة الوقت، ومن هذا المنطلق يثور التساؤل: هل يصبح الإعلام
العربي قادرا علي خلق نجوم في مجالات أخري مثل العلم والهندسة والأدب
والابتكار، وهل يمكن للإذاعة والتليفزيون أن يتجاوزا مفهوم التسلية السائد
إلي مفهوم الارتقاء بالوعي العام. ونقل الحقيقة وصنع نجوم في مجالات أخري
بحيث يظهر حضورهم القوي في البيت والسيارة، كما يظهر المطربون والممثلون كي
يخدم الإعلام من موقعه هذا المجتمع بشرائحه المختلفة؟ إنها أسئلة تتعلق في
النهاية بتطور المجتمع ووعيه بدور الإعلام وبرأس المال الذي ينفق علي
المحطات الإذاعية والقنوات التليفزيونية وتوجهات أصحاب رأس المال هذا
وبالمفاهيم السائدة كذلك عن النجومية في العالم العربي والتي تكاد تقتصر
علي فئات دون غيرها.
جريدة القاهرة في
26/04/2011 |