مقابلة في الزمالك قبل لحظات من الحادث الأليم!
مديحة كامل والشاهد العربي في المشهد الأخير قبل الرحيل
الرهيب!
وقالت زوجة عمر خورشيد: أرجوكم أخبروني ماذا حدث هل انتهى
كل شيء؟
اذا سألتها عن أبرز سمة في حياتها قالت: وكأنها تتحدث عن
شخص آخر فهي عاشقة مجنونة للحياة والجوع الدائم للاستمتاع باللحظة وربما
كان هذا الجوع هو نوع من فقدان الثقة في الحياة والاحساس الدائم بعدم
الأمان هكذا قالت شريهان في حديث لمجلة لبنانية في نهاية 1995 وفي نفس
المساحة المخصصة للاعترافات الخاصة جداً قالت:
الحزن يحتل المساحة الأكبر في داخلي وهذا رغماً عني لكثرة
ما بي من أحداث وظروف في زمن قصير جداً ولكن كل محنة مرت بي وكل عذاب عشته
كان زادي في الاستمرار ووسيلتي لفهم الدنيا من حولي وكلمة السر في ابداعي
كفنانة فأنا مدينة للمحن بكل ما حققته.
أنا أتغذى على العذاب لكي ازداد فهماً ونضجاً مع الحياة
بصرف النظر عن مساحة الحزن التي تتسع بداخلي مع مرور الزمن.
العجيب في أمر هذه الفتاة ان بداية ميلادها في العشرين سنة
الأولى من حياتها لا تتفق أبداً مع ما جرى بعد ذلك من سنين عمرها التي
أصبحت موجات متتالية من الأحزان والانكسارات في سمعتها وصحتها وفنها.. حتى
توارت عن الأنظار وهي في قمة مجدها ونجاحها.
عمر.. راح
صدمة حادث عمر فيها أكثر من الكلام وعلامات استفهام وقد
نشطت الشرطة في البحث عن ظروف الحادث الأليم.
قرر سعد عبد العزيز العلي «العربي الجنسية» أحد رجال
الأعمال الأثرياء المقيمين في مصر.. انه اتصل بعمر قبل الحادث وطلب مقابلته
عند صديق لهما بالزمالك بخصوص حفل زعم اقامته وبالفعل تقابلا هناك.. وكانت
معه زوجته دينا!! والفنانة مديحه كامل والموسيقار احمد فؤاد حسن.
وقبل الحادث قام عمر خورشيد وزوجته بالانصراف حوالي الساعة
الثالثة صباحاً معتذراً بأنه على ارتباط بموعد عمل بكازينو شاليمار!! لكن
الواقع أنه كان مرتبطاً بدعوة أخرى من احدى صديقات زوجته.
كما كانت الفنانة مديحه كامل والشاهد العربي الجنسية ضمن
المدعوين عند الصديقة!!
وانصرف عمر خورشيد وزوجته وسار الشاهد خلفهما بسيارته حيث
ظهر صاحب السيارة البويك الخضراء القاتلة.
وتحدثت دينا خورشيد في لحظات الافاقة من الصدمة.. لم تكن
تدري ماذا وقع لزوجها.. قالت بصوت خفيض.. كنت أجلس بجوار عمر في طريقنا الى
مينا هاوس لتناول الافطار.. وعند كازينو الأريزونا عاكسهم قائد السيارة
القاتلة وعند تقاطع الجزيرة انحرف نحوهما واصطدم عمر بالجزيرة ولم أدر بشيء
ورحت في غيبوبة.
وزاد صوتها ارتفاعاً.. ماذا حدث لعمر هل هو بخير؟!.. وبكى
الطبيب المعالج والممرضات!! وأخفوا عنها الأطباء الخبر المشؤوم. في شقة
عواطف هاشم.. كانت الصورة سوداء.
كانت شريهان بمفردها تتلقى الخبر والشقيقان جيهان وهويدا في
هلع وفزع قاتلين.. ورنين التليفون يحمل نذير الشؤم للأم عواطف هاشم التي
كانت في كفر الدوار حيث تقضي بعض أيام يطلب منها الجيران الحضور فوراً
للقاهرة فقد مات عمر خورشيد.
وزادت المأساة والصغيرة شيري تجري بين الحجرات تبحث عن
شقيقها الغائب.
وازدحمت الحجرات الواسعة بعشرات الأقارب والجيران.. وفي بيت
احمد الموسيقي المعروف شقيق عزت أبو عوف.. وقع خبر مصرع عمر كالصاعقة على
مها أبو عوف الزوجة الرابعة لعمر.. فلم تصدق ان زوجها قد مات.. فقد كان
يستعد للانتقال الى شقته الجديدة بعد عودته من رحلته الأخيرة من أستراليا..
كانت حامل.. ولم تتحمل الصدمة.. وحدث نزيف شديد لها كان ضحيته الجنين!
وزادت التفاصيل.. اثارة.. روت الفنانة مديحه كامل ظروف
أخرى.. قالت كنت في سيارتي خلف عمر.. وفوجئت بسيارة أخرى تطارده!! اعتقدت
في البداية ان المسألة لا تتعدى المعاكسة ولكن عندما اشتدت المطاردة تملكني
الخوف.. وفجأة وجدت سيارة عمر تصطدم بالجزيرة وعمود النور ونزلت ومن معي
مسرعين فوجدنا عمر ملقى في دواسة السيارة والدماء تنزف منه فقمنا بنقله الى
المستشفى.
وأمرت النيابة بضبط السيارة الخضراء القاتلة.. وسمحت
النيابة بدفن الجثمان.. وتوجه د. عزت أبو عوف شقيق مها «الزوجة الرابعة»
الى مستشفى العجوزة وقام بتغسيل عمر ولفه بالأكفان قبل تشييعه الى مثواه
الأخير... وعاشت شريهان أيام العذاب.. لتتذكر الكلمات القليلة التي روى لها
فيها عمر النبوءة التي قالتها له عرافة من أنه سيلقى حتفه في حادث.
كانت النبوءة قد رويت له وهو يؤدي دوره في فيلم «العرافة»..
وعاشت شريهان لحظات ونظرت للحياة بسخرية.. فقد كان لعمر خورشيد فيلمان
يعرضان وقتها.. الأول بعنوان العرافة.. والآخر دموع في ليلة الزفاف.. وفي
الفيلمين يموت في نهايتهما عمر خورشيد.
وغرقت سندريلا الحب.. في شلالات الدموع!!
حاولت الأم بجهد خارق ان تعوض شريهان أحزانها الهائلة..
فأغرقتها في بحر من الحنان وأحاطتها بالجاه والمال.. كانت حلمها ان تكون
مشهورة ولكن عذابها وهي تشهد مأساة الصراع على ممتلكات الشقيق.. وصراع
الزوجات حول الثورة.
وكانت ترى فيه فتى أحلامها.. كانت تتمنى ان يكون «عريسها»
في وسامته.. وفنه وطيبته.. وحنانه.. وخفة دمه.
لم تصدق أي كلمة قيلت عنه.. كانت ترى ان زوجاته الأولى
أمينة السبكي والثانية الفنانة ميرفت أمين.. والثالثة دينا ملكة جمال
لبنان.. والرابعة مها أبو عوف عضو فرقة الفور أم.. محظوظات لأنهن قضين
أياماً مع أبيها الروحي عمر خورشيد.
ووافقت في حزن، على ان تقف أمام محكمة الأحوال الشخصية
بدائرة عابدين.. لتواجه أطماع الثورة التي تركها عمر خورشيد.. وبعد ان فرضت
عليها الأم عواطف هاشم.. ان تتقدم طالبة ادخالها ضمن الورثة باعتبارها
شقيقة من الأم.
لم تكن تنظر للثروة باهتمام.. كانت تتمنى ان يبقى شقيقها
على قيد الحياة.. وتكون فقيرة معدمة!!
وصفعت أذنيها تطورات الحادث المحزن وتحريات الشرطة وتحقيقات
النيابة.
تفاءلت لحظات وهي تستمع لخبر ضبط الشخص الذي كان يقود
السيارة القاتلة بعد 4 أيام من الحادث المروع.. كان طالب عربي بليسانس
الحقوق بجامعة القاهرة.. وكان ممنوعاً من السفر لاتهامه في حادث سيارة
مشابه أصيب فيها أحمد الخواجة نقيب المحامين قبل الحادث بعامين.. وقرأت
اعترافات الطالب بنهم شديد.. كان يقيم في شارع فيني بالدقي.. وكان ليلة
الحادث يسهر في استديو النيل بالزمالك وفي حوالي الثانية صباحاً اصطحب معه
صديقه البارمان احمد حسين سليمان لتكملة السهرة في كازينو شاليمار.. ونفى
الطالب أنه كان يعاكس عمر خورشيد وزوجته.
واعترف بأنه شاهد مديحة كامل تقود سيارتها الفولفو.. فلم
يعرها اهتمامه وواصل سيره.. ونفى علاقته بالحادث وقبضت النيابة على الطالب
العربي وقررت اخلاء سبيل صديقه البارمان.
وبكت شريهان.. وهي تسمع خبر نزاع زوجته الرابعة مها أبو عوف
وزوجته الثالثة دينا على الشقة حتى أمر فتحي جودة مدير نيابة العجوزة
بالتحفظ على شقته الكائنة خلف نادي الصيد بالعجوزة.
وزادت شلالات الدموع.. وهي تسمع الى اشاعة نشرتها بعض الصحف
العربية المغرضة - وقتها - ان الحادث الذي راح ضحيته عمر خورشيد كان
اغتيالا مدبراً.. وان الشاب الذي قاد بسيارته القاتلة كان من أصل عربي.
ولم تصدق الادعاءات التي روجها بعض المتطرفين ان الدافع
وراء الجريمة مشاركة عمر خورشيد لحفل في منزل سفير عربي يقيم في المعادي..
ولم تصدق الاشاعات التي تناثرت حول علاقته بابنة مسؤول كبير
في السلطة!! فكان التخلص منه بالقتل أسهل وسيلة لعلاج الموقف!!
ولم تنس شريهان حالة الحزن العميق التي كان يعيش فيها عمر
خورشيد عندما بلغه ان اسمه أدرج في قائمة الممنوعين من العمل في الدول
العربية بسبب تصريحات مختلفة أدلى بها خلال زيارته للولايات المتحدة من أنه
على استعداد لاقامة حفلات في اسرائيل.. أو انه اشترك في تمثيل فيلم صهيوني
عرض في تل أبيب.. قال يومها عمر خورشيد:
أنه لم يزر الولايات المتحدة الا مرة واحدة عندما عزف في
البيت الأبيض أثناء زيارة الرئيس السادات لواشنطن.. يومها شعر بالفخر
والسادات يقدمه للرئيس الأميركي كارتر الذي أهداه هدية وتقديراً خاصاً.
وقال خورشيد لها: انه لم يدل بأي تصريحات صحافية لصحافي
مصري أو عربي.. ولم يدل بحديث تلفزيوني.. وتحدى عمر خورشيد يومها ان ينشر
اسم الصحيفة التي صرح فيها بأقواله عن زيارته لاسرائيل.
كان عمر خورشيد منزعجاً من سلسلة الاتهامات التي يروجها عنه
المتطرفون.. قال أتحدى ان يوجد فيلم صهيوني قمت بالتمثيل فيه.. وان ما قيل
جزء من حملة لتشويه سمعة الفن في مصر.. وقال يومها عمر خورشيد لن يعترف
بالقدس الا بعد ان يستعيد الفلسطينيون حقوقهم.. وتكون القدس عاصمة فلسطين
العربية. ولم تصدق شريهان كل الاشاعات التي دارت حول شقيقها الفنان.
فهي تعرف وطنية شقيقها.. وحبه لمصر.. وللعرب.. وهكذا فقدت
سندريلا الحب كل شيء.. وتحولت حياتها الى سراب.. ليس فيها أي هدف أو معنى
بعد موت شقيقها حتى الطموح الذي عاشته سنوات حياتها.. أصبح مهدداً للفناء..
غلفه السياج الشديد الذي اجتاح حياتها بعد ان عاندها القدر ووقف لها
بالمرصاد.
بعد رحيل شقيقها عمر خورشيد.. فقدت معنى الحياة.. لقد عاشت
شريهان مرحلة تقترب من الجنون.. بعد ان أصبحت وحيدة.. وحيدة.. وحيدة.
سافرت كثيراً.. وتعبت كثيراً.. رقصت كثيراً.. أنفقت كثيراً
ونجحت كثيراً.. وتعثرت كثيراً.. وعاشت ولاتزال- في حالة شراهة للحياة.
كانت تشعر ان «المفاجآت» ترسم خطوط حياتها فعاشت قلقة تنتظر
المجهول.. نصف وقتها في دموع.. والآخر في سعادة زائفة وضحكات هستيرية لا
معنى لها.
كان العناد من صفات شريهان لا تستمع الى أية نصيحة.. فكل من
له حق النصيحة اختفى من حياتها.
وكانت تتمنى ان تنادي - أباها- بكلمة «بابي».. حتى ولو كانت
في الأفلام أو المسلسلات التي تقوم ببطولاتها. حققت سندريلا الحب الشهرة
الطاغية.. ولكنها كانت شهرة زائفة.
كانت تبحث عن صداقة حقيقية.. حضن مريح تبكي فيه عذاب
الأيام.. لم تجد القلب «الذهب» الذي يحوط حياتها.. كانت تشعر دائماً ان
السراب يغلف اطار أيامها.
عاشت شريهان فترة التناقض.. والتصرف اللاواعي لحظات
اليقظة.. بعد فراق الأم والشقيق.. وصراع المحاكم.
أصبحت تدخن بشراهة.. وترقص بشراهة.. وتقضي السهرات في
شراهة.. وعاشت شيري حياة أكبر من عمرها.. كانت ترى ان الصداقة لا غني عنها
لكنها نادرة في هذا الزمن وصعب ان يجد الانسان صديقة أو صديقاً يخلصان له..
وطاردها النحس والقدر فترة حياتها.
قبل عرض مسرحية «علشان خاطر عيونك» عام 1986 وفي أثناء
البروفات أصيبت شريهان بمرض مفاجئ!! دخلت بسببه مستشفى السلام بالمعادي
لاجراء فحوص دقيقة وسافرت بعدها بطائرة خاصة الى أميركا للعلاج.. واجراء
عملية جراحية وتعطل العمل في المسرحية حتى تم شفاؤها.
واستغل بعض النقاد المغرضين «الحادث» ونشروا أخباراً
كاذبة.. وانهالوا عليها بالسهام الطائشة.. نسجوا حولها صور الخيال ووصلوا
الى حد اقدامها على الانتحار.. واكتشفت شريهان ان هناك جبهة تعمل على هدمها
بلا سبب!!.
وشريهان سافرت فعلاً لأميركا وأجرت عملية أنهت آلامها
المبرحة.. كانت شريهان تشكو آلاماً مبرحة عاقتها عن أداء بروفاتها وتحملت
آلامها.. عادت بعدها لتقف على خشبة المسرح تقوم ببطولة مسرحيتها الشهيرة.
وقرأت شريهان خبر اقدامها على الانتحار في الصحف العربية
بعد عودتها من أميركا.
وضحكت شريهان.. فهي تحب الحياة.. وتعيش لها وليس من أفكارها
الا الحياة.
وروت ظروفها لصحيفة القبس الكويتية وقتها- تقول: موضوع مرضى
أخذ قدراً أكبر من حجمه.. فقد كتبت جريدة كويتية ان شريهان «ماتت» ونقلتها
اذاعة مونت كارلو.. ثم قيل انني مريضة بمرض «خبيث» ولكن الموضوع كالآتي:
كنت أصور استعراضات مع المخرج فهمي عبد الحميد.. وفجأة دارت
بي الدنيا في اليوم الخامس وسقطت أرضاً!!.
النهار الكويتية في
29/07/2013 |