لم تقتصر أوجاع شريهان على متاعب المهنة المعتادة وطموحات
الفن التي تأكل أعصاب الفنان.. ولا عامل السن الذي يقهر اللياقة.. أو ظروف
الصحة.. التي يهزها حادث ويحول الفتاة التي هي لهيب متحرك الى حطام.. وكيف
كتب لها نفس القدر ان تتعافى.. وتمارس الحياة.. وتخرج من محنة الى أخرى..
وكأنها موعودة بالعذاب.
وكلما دخلت في امتحان.. مارست انسانيتها بمبالغة زائدة لكي
تحمي نفسها من المخالب والأنياب التي تنهشها من اليمين والشمال.
في وقت من الأوقات كانت تشعر بأنها «حصالة» محشوة بالنقود
يود كل من يعرفها ان يمد يده فيها ويخرج ما بها.. حتى اذا فرغت أنفضوا من
حولها.. ولما أنجبت ابنتها الوحيدة وجدت خلاصها فيها.. بعد رحيل أمها
وأخيها.
ابنتها هي هبة القدر العظيمة لها التي مسحت الكثير من
جراحها وأحزانها وأوجاعها ولان قضية اثبات النسب هي الأهم في حياتها لابد
من اكمالها.
العــم يــــرد
ورفع العم قضية سب وقذف ضد شريهان يتهمها بسبه وقذفه بألفاظ
لا تليق ضمن أوراق دفاع تقدم بها في دعوى فرض الحراسة القضائية.
فيما كانت الأم وراء رفع عدد من القضايا باسم «ابنتها»
لتحافظ على حقوقها «المنهوبة» من أفراد عائلة العم.
كما رفضت محكمة استئناف القاهرة برياسة المستشار محمد
سليمان السليمي دعوى طرد عمرو الشلقاني من الشقة التي يقيم فيها مع
والدته.. واستئناف شريهان الحكم. وعاشت شريهان مرارة الحرمان من عطف كل
أفراد عائلة الأب.
وكانت البداية رفضها نسبها.. وكانت النهاية محاولة طرد
شقيقها من شقته.
وتحطمت نفسية الابنة عندما قرأت احدى الاحتجاجات القانونية
التي أرسلها مكتب العم على الشلقاني الى الصحافة رداً على تعدياتها
المستمرة وعدائها القاسي ضد عائلة الأب.. يكشف فيه بعض أسرار حياة الأم مع
أبيها.
قال المحامي محمد شريف وكيل العم.. ان احمد الشلقاني «والد
شريهان» عندما مات لم يكن له ورثة ظاهرين سوى ابنه القاصر عمرو وكانت أمه
عنان هلال متزوجة من شخص يقيم في الولايات المتحدة ولم يكن معلوماً للعم
الذي عينه شقيقه وصياً على القاصر عمرو ان هناك صلة بين شريهان والأب
المتوفي كما لم يكن هناك في الأوراق الخاصة ما يذكر وضع الأم عواطف هاشم أو
صفتها.
وان الأم تقدمت بمستندات تشير الى موافقة الأب احمد
الشلقاني على استخراج جواز سفر باسم ابنته شريهان الى مصلحة الجوازات
والجنسية لاستخراج جواز سفر لها.
ولم تأخذ المحكمة بدفاع العم وحكمت بنسب الابنة لأبيها في
20/6/1980 وانتهت الخصومة بينهما حتى عادت المشاكل بين ظهور القاصر عمرو.
واستمرت القضايا 9 سنوات كاملة تتأرجح جلستها.. وتتابعها
الصحافة.. تنهش في خصوصيات الطفلة الكبيرة.. تحطم نفسيتها وتحولها الى كائن
يمشي دون مشاعر أو احساس.
كان آخرها عندما قبلت محكمة النقض بحث قضية نسب شريهان
لوالدها الشلقاني.. بناء على طلب تقدمت بها والدة عمرو احمد شلقاني ضد
شريهان للطعن في نسبها الى المرحوم احمد شلقاني وحجزت القضية للحكم في
أكتوبر المقبل.
كانت محكمة النقض قد نظرت الطعن في يونيه الماضي وحضر
الجلسة محروس فودة المحامي عن والدة عمرو الشلقاني كما حضرها المحامي محمد
الشريف عن العم على شلقاني المحامي.
وكانت الأم عواطف هاشم والدة شريهان قد حصلت على حكم بثبوت
بنوة شريهان الى المرحوم احمد شلقاني واختصمت والدة عمرو احمد شلقاني.
وبعد ان أصبح الحكم نهائياً في غيبة والدة عمرو شلقاني طعنت
على حكم البنوة الصادر من محكمة الاستئناف بالتماس اعادة النظر على أساس ان
اثبات البنوة قد شابه غش، وان دعوى ثبوت النسب رفعت على غير ذي صفة توصلا
لصدور الحكم بالبنوة الا ان المحكمة التي نظرت الدعوى رفضت الالتماس شكلاً
لرفعه بعد الميعاد ولم تبحث موضوع رفع دعوى البنوة على غير ذي صفة فطعنت
والدة عمرو بالنقض على الحكم وقبلت المحكمة، وتولدت لدى شريهان مشاعر
بالاضطهاد.
وضاع عمر
فقدت شريهان.. طعم الحياة.. وهي تخطو سنواتها الخمس عشرة..
يوم مات عمر خورشيد.
شعرت بظلام دامس يغشي حياتها وهي تتلقى الخبر المفزع.. لا
تصدق عينيها الكلمات المتراقصة تنعي «عمر».. وأصوات العزاء تخترق أذنيها..
فلم تصدق أنها ستعيش بدونه أبداً.
كان كل حياتها.. كانت ترى فيه الأب والصديق.. وانهمرت
شلالات دموعها.. وهي تقترب من الأحداث التي تلت الوفاة.. والتحقيقات التي
تولتها النيابة والشرطة.. والأقوال التي مست الفقيد.. وصراع الثورة بين
زوجته الثالثة.. والرابعة.. والأم.. والأشقاء.. وشعرت بان الحياة بدون طعم.
كانت شريهان تعتبر عمر خورشيد المعلم لها في الحياة والفن
كان العصا التي تتكئ عليها والرجل الذي تشعر معه ان الحياة من الممكن ان
تطاق!!
كان عمر خورشيد أول من اكتشف موهبتها من الفنون في المدرسة
الابتدائية كانت تبدو على شريهان الموهبة الفنية.. وتتحدث شريهان بالتليفون
مع شقيقها عمر وتسأله:
هل لو عرفت أنني أمثل على مسرح المدرسة تزعل، أم تجيء
لمشاهدتي؟
-
فضحك عمر وقال
-
أقبل الدعوة
-
وجلس عمر خورشيد بين أولياء الأمور.. وحدقت فيه العيون
المعجبة وتقول شريهان:
-
أحسست ان وجود أخي عمر أحدث هزة فرح عند الناس فقررت ان
أرفع رأسه، ومثلت دوري كما لم أمثله في أي بروفة من قبل.
-
ورأيت عمر يصفق بين المصفقين، وجريت اليه بعد ان أسدلت
الستارة.. وسألته رأيه فقال ضاحكاً:
- «فاتن
حمامة صارت لها منافسة».
وتستعيد شريهان ذكرياتها عن عمر كيف كان يرشدها.. كيف كان
ينصحها بان تكون قوية أمام موجة الفن فلا تجرفها بعيداً عن دراستها.
كان يضرب لها المثل بنفسه.. فقد أصر عمر خورشيد على الحصول
على ليسانس الآداب قسم الفلسفة.. رغم كل الأضواء التي عليه ورغم كل الرزق
الذي كان يسيل بين يديه.. كان يعرف ان الشهادة العلمية ليست ورقة مكتوبة بل
قيمة في ثنايا النفس وتلافيف العقل.. تعطي الثقة، وتجلب الاحترام، وتشكل
اذا تأزمت الأمور بديلاً عن الفن.
لا تنسى يوم ذهبت معه الى عبد الحليم حافظ.. يومها قال عمر
خورشيد لصديقه حليم:
-
يا سيدي شرشورة عاوزة تمثل وضحك عبدالحليم.. وتنبأ لها
بالمستقبل العريق مثلما قال لنجلاء فتحي.. وقال لها عبدالحليم:
-
ستكوني نجمة في السماء.. وتعلقت الصغيرة برقبته تضحك
وتغني.. فقبلت شقيقها.. وطغت فرحة الحب على وجهها الجميل.. وتحققت نبوءة
عبد الحليم حافظ.. وأصبحت نجمة في السماء.. ورحل عنها عمر خورشيد.
كان يوم 29 مايو 81 موعداً مع قدر شريهان وعذابها.. في
اليوم الأسود لقي ملك الجيتار مصرعه في حادث سيارة!!
كانت الساعة تشير الى الرابعة صباحاً عندما فوجئ الملازم
أول عبداللطيف عقرب ضابط قسم الهرم بصوت فرامل وتصادم وارتطام يصل اليه
واضحاً ومزعجاً داخل مكتبه بالقسم.. وأسرع الضابط خارج مبنى القسم ليشاهد
على بعد 200 متر وعند تقاطع شارع الأهرام بطريق مصر اسكندرية الصحراوي
سيارة تحطم جزء منها بجانب الرصيف.. وأبلغ الضابط الاسعاف وأسرع الى مكان
الحادث.
في مكان الحادث اكتشف الضابط ان السيارة التي اصطدمت
بالجزيرة بها أثار تصادم عنيف بالباب المجاور لقائد السيارة ووجد على
المقعد المجاور للسائق سيدة في حالة هستيرية وقد غطى وجهها الدماء الغزيرة.
وفي دواسة السيارة أسفل عجلة القيادة وجد عمر خورشيد ملقى
وسط بركة من الدماء تناثرت بعضها خارج السيارة.
كان عمر خورشيد في حالة خطيرة.. وكانت السيدة المصابة زوجته
دينا خورشيد.. وكانت السيارة «بويك سبور» تحمل رقم 105086 ملاكي القاهرة.
ولم ينتظر الضابط سيارة الاسعاف.. واستعان بالسيارات المارة
وفي السيارة رقم 3030 جمرك بورسعيد تم نقل دينا خورشيد الى المستشفى.. كما
قامت السيارة رقم 2400 ملاكي الجيزة بنقل عمر خورشيد الى مستشفى الأنجلو
للاسعاف.
وتمت أول معاينة لسيارة عمر خورشيد حيث تبين وجود آثار
فرامل لأربع عجلات بطول 40 مترا وآثار زيت أسفل السيارة وان هناك كميات
كبيرة من الدماء على الأرض بجوار الباب الأيمن للسيارة.
كما تبين ان العجلة الخلفية اليسرى للسيارة منزوعة من
مكانها مع كسر في الشاسية وتهشيم زجاج الباب الأيمن وتطبيق بالرفرف الأيسر
وكسر بالمساعدين وتهشم الاشارة الخلفية اليسرى للسيارة.
كما تبين ان سيارة عمر خورشيد تسببت في تحطيم عمود اشارة
المرور الموجود بالجزيرة الوسطى بنهاية شارع الهرم.
وتقدم أول شاهد للحادث.. وكان مواطن عربي الجنسية يدعى سعد
عبدالعزيز العلي.. صاحب السيارة 3030 جمرك بورسعيد التي نقلت زوجة عمر الى
المستشفى!!
قال انه كان يسير خلف سيارة عمر خورشيد من مدينة المهندسين
حتى مكان وقوع الحادث.
وان سيارة بويك خضراء اللون (اكترا) 8 سلندر تحمل لوحات
بيضاء يقودها شخص اسمر اللون يطلق شعره على نظام الخنافس وبجانبه شاب آخر
اخذ يطارد سيارة عمر من المهندسين وطوال شارع الهرم..
وكانت سيارة عمر خورشيد تسير على سرعة 120 كيلومتر.. وقال
الشاب العربي ان السيارة التي كانت تطارده كانت تسير بنفس السرعة.. وان
قائد السيارة المجهولة حاول مرات عدة ان يكسر على عمر خورشيد بشارع الهرم
بطريقة عرضته للخطر طوال الشارع
.
وعند مكان الحادث انحرفت نحو سيارته السيارة المجهولة
فاصطدم بالجزيرة ووقع الحادث.. وشهد محمود فريد الموظف باحدى الشركات بأنه
كان يسير بسيارته في شارع الهرم ولاحظ سيارة خضراء يقودها الشاب الأسمر أخذ
يحاور سيارة عمر خورشيد وهو يسير بسرعة لا تقل عن 120 كيلومتر طوال شارع
الهرم حتى انحرف في اتجاهها بطريقة خطيرة فوقع الحادث بان اصطدمت سيارة عمر
بالجزيرة.
وسمع الشاهد عمر وهو يتألم من شدة الصدمة بعد ان ارتطم برأس
زوجته في الزجاج الأمامي للسيارة وتسبب الارتطام في انبعاج زجاج سيارته.
وقرر الشاهد أنه عقب الحادث قام بنقل عمر خورشيد في سيارته
التي تحمل 2400 ملاكي الجيزة الى مستشفى الأنجلو بالدقي ولكن المستشفى رفضت
استقباله لعدم وجود امكانيات لعلاجه ونصحوه بنقله الى مستشفى العجوزة.
ولقي عمر خورشيد مصرعه ومات بعد وصوله بربع ساعة وجاء تقرير
مستشفى العجوزة بعد توقيع الكشف على جثة عمر خورشيد انه مصاب بجروح تهتكية
بالرقبة والوجه وسجحات بالرقبة ونزيف دموي شديد تحت الجلد في الجهة اليسرى
من الرقبة مع نزيف من الأذنين ونزيف بقاع الجمجمة أدى الى هبوط في الوظائف
الحيوية والوفاة.
أما «دينا» زوجة عمر خورشيد فقد تم نقلها الى مستشفى
الأنجلو حيث تبين أنها مصابة باصابات قطعية في وجهها ورقبتها واشتباه كسر
في العمود الفقري.. وذاع خبر مصرع عمر خورشيد ليلقى الحزن والأسى على مصر
كلها.
وشيعت جنازته من مسجد عمر مكرم، يتقدمها الراحل منصور حسن
وزير الدولة لرئاسة الجمهورية والثقافة والاعلام الأسبق, الذي أمر فور علمه
بالحادث بتقديم كل التسهيلات اللازمة.. كما اتصل الوزير وكذلك السفير
الأميركي الفريد اثرتون للاطمئنان على زوجة الفنان والتي تعالج بمستشفى
الأنجلو.
وعرض احمد فؤاد حسن نقيب الموسيقيين وقتها انشاء جائزة
سنوية باسم عمر خورشيد لأحسن عازف جيتار على مستوى الجمهورية.
كما أدخل التلفزيون تعديلاً على برامجه حيث أذاعت القناة
الأولى برنامجاً خاصاً على أعمال الفنان.. وخصصت القناة الثانية سهرة
المنوعات لأعماله ومقتطفات من الأفلام التي أشترك فيها.
والسؤال ماذا تفعل المسكينة شريهان بعد عمر؟!.
النهار الكويتية في
28/07/2013 |