أصيبت باحتباس في البول.. وسقطت مغشياً عليها.. وبعد ان
قالت جريدة القبس الكويتية أنها ماتت كانت اذاعة مونت كارلو تقول غير ذلك..
والحكاية تأتي على لسان شريهان نفسها وكما رصدها الكاتب الكبير فاروق فهمي
في أسرع كتاب تم أعداده في زمن قياسي بعد الحادث بأيام قليلة:
تقول شريهان:
وأحضروا لي الطبيب في البلاتوه فأعطاني أدوية وفرت لي
الراحة.. ولكن كانت الحقن ضارة بالعظام فنقلت الى مستشفى السلام.. ومكثت 22
يوماً في المستشفى تحت العلاج المكثف حيث أجروا ليّ فحوصات طبية ولكنها لم
تكن دقيقة.
وفي يوم خروجي شعرت بالآلام نفسها المبرحة.. فذهبت الى
أميركا للعلاج.. هذه هي الحقيقة.. أرد على الاشاعات التي أطلقها الزملاء
والزميلات اللاتي أغضبهن نجاحي في الفوازير!!
وعادت شريهان من أميركا.. لتغني وترقص وتواصل بروفات
المسرحية وارتفع الستار عن العرض قرب نهاية ديسمبر 1986.
وقررت «السندريلا» ان يكون لها مسرحها الخاص لتحقق حلم
حياتها.. ان تقيم مسرحا استعراضيا خاصا بها يحمل اسمها «شريهان شو» وكانت
الأم عواطف هاشم تحلم قبل وفاتها ان ترى لافتات النور تحمل اسم «شريهان»
تضيء بها الشارع الكبير!!
وقامت شريهان فعلاً بدفع 2 مليون جنيه نظير حق استغلال
واستئجار مبنى سينما ريتس بشارع عماد الدين بالقاهرة وتحويله الى المسرح
الذي تحلم
به.
كانت مسرحية الافتتاح التي تنوي ان تبدأ بها مسرحها الجديد
«شارع محمد علي» آخر ما كتب الفنان الراحل بهجت قمر.
وأثار حصول شريهان على السينما نظير 2 مليون جنيه ضجة كبرى
فلم يسبق ان دفع فنان مثل هذا المبلغ الكبير لتنفيذ المشروع.
وتأجل المشروع.. حتى تستطيع شريهان تدبير مليون دولار
لتجهيز السينما وتحويلها الى مسرح بعد ان استقدمت خبراء من الولايات
المتحدة ومن مسرح «المولان روج» في فرنسا لمعاينة السينما ووضع تصور لها
يمكن ان يكون عليه المسرح الاستعراضي الذي تحلم به.
واكشفت شريهان ان عليها ان تدبر مليون دولار أخرى ونصحها
الأصدقاء وفي مقدمتهم سمير خفاجي بتأجيل المشروع.. وهاجمها النقاد.. وقالوا
من أين تحصل على النقود.. وردت عليهم.. بأنني سأضع ما ورثته من أبي وأمي
لتغطية كلفة المشروع وأستفيد من الاعفاءات الجمركية التي تخصصها الدولة لأي
مشروع جديد بالاضافة الى ما أحصل عليه من قروض من البنوك بضمان المشروع.
واختارت للمسرح اسم «شريهان شو».. وحضرت شريهان لمسرحية
«شارع محمد علي».. واتفقت مع المخرج حسن عبدالسلام ليقوم بالاخراج.
كانت تتمنى ان تضع خبراتها التي اكتسبتها في تعلم الباليه
على يد «لورا» خبيرة الباليه.. ومحمود رضا.. وحسن عفيفي في الفنون الشعبية
لتقدم فناً استعراضيا محترماً ووقف القدر يعاندها.
مات مؤلف المسرحية بهجت قمر.. بعد ان اتفق معها على العمل
الجديد.
وقبل وفاته بأيام.. أرسل لها وصية يحدد فيها خطوات العمل..
وكأنها رسالة وداع.
على غير عادته أرسل فارس الكوميديا الراحل بهجت قمر رسالة..
حدد فيها أبطال المسرحية وهم فؤاد المهندس وجميل راتب ومحمد رضا ومحمود
الجندي وليلى طاهر ونعيمة الصغير.. حتى الألحان لم يغفلها بهجت قمر فطلب ان
يقوم بها صديق عمره عمار الشريعي أو بليغ حمدي فاعتبرتها شريهان وصية واجبة
التنفيذ.
وعلى غير عادته أنهى بهجت قمر كتابة الفصل الثالث من
المسرحية قبل ان تبدأ بروفاتها اذ كان يفضل كتابة الفصل الأخير من خلال
احساسه بجو الرواية على خشبة المسرح ولكن وكما تقول شريهان: اتصل بي بهجت
قمر بعد انتهائه من كتابة الفصل الثاني وقال بالحرف الواحد «أنا حاسس ان
الرواية دي آخر عمل لي ولابد ان انتهي من كتابة الفصل الثالث قبل ان تبدأ
البروفات يا شيري».
والأغرب من ذلك.. حدثت واقعة غير مقصودة لبهجت وهو يكتب
الورقة الأخيرة من المسرحية عندما جرحت اصبعه من فتاحة الورق فاذا به يجفف
الدم في ورق المسرحية وهو يقول.. آخر قطرة من دمي وضعتها في الرواية.
وتوقف المشروع.. وعادت شريهان مرة أخرى.. لمسرح الفنانين
المتحدين.. اتفقت مع سمير خفاجي على بطولة مسرحية «آه يا غجر».. المقتبسة
من الأوبرا العالمية كارمن.. ويقوم بالبطولة أمامها محمود الجندي وصلاح
السعدني وحسن مصطفى ويخرجها كرم مطاوع.
وبدأت شريهان تجري البروفات للافتتاح في الموسم الجديد
بمسرح الفنانين بالاسكندرية.. وفجأة عاندها الحظ من جديد.. يقع الحادث
الأليم.. وتتأجل المسرحية الى اجل غير مسمى.. وتنتظر مجموعة الفنانين مصير
البطلة!!
اذا ظلت مسامير البلاتين التي تم تركيبها في العمود الفقري
لشريهان فترة تتراوح بين ثمانية أشهر أو سنة.. كما صرح الدكتور سمير الملا
«الطبيب المرافق لشريهان في باريس».. فان مسرحية «آه يا غجر» سيتأجل عرضها
الى الموسم الشتوي لعام 1990.
أما اذا كان التقرير المبدئي الشفهي الذي أدلى به الطبيب
المصري يهدف الى طمأنة شريهان وأقاربها ومعارفها، ورفع الروح المعنوية لها
بالدرجة الأولى.. فان تحديد مصير شريهان ومستقبلها الفني، سيحسمه التقرير
النهائي الذي كان لم يصدر بعد- من الطبيب الفرنسي رواكامي.
وتعرضت شريهان الى حملة غريبة من ذئاب الفن أثناء عرض
الفوازير.. ومسرحياتها الناجحة.. لدرجة أنها تخيلت ان هناك جيشا من الأقلام
يحاربها.. ولم يكن أمامها الا الانسحاب أو المهادنة.
قالوا عنها انها تظهر في الفوازير بملابس فخمة تحدث قلقاً
في البيوت.. وردت عليهم.. أحب ان أبدو جميلة وأنيقة فأنا نجمة استعراض...
لو كانوا شاهدوني بملابس رثة هل كانوا يرحموني.. ان كل قلم يزيد هجومه..
يصاب بشهرة.. ولكنها محدودة
.
كانت شريهان تعشق فنها.. تدخل في مغامرات عنيفة لتحقيق
ذاتها.. أنذرها المخرج خيري بشارة أثناء تصوير فيلم الطوق والاسورة ان ما
تفعله من الممكن ان يصيبها بأمراض خطيرة.. بعد ان رفضت ان تلعب دورها
دوبليرة.. وكان المشهد يتطلب ان تلقي بنفسها في الترعة أمام الكاميرا وتسبح
حتى الشط الثاني.. ونفذت الدور بنفسها.. وسط تحذيرات العاملين بالفيلم..
لأنها أحبت العمل وأجادته.
في أكثر من مشهد من مشاهد الفيلم تعرضت شريهان لأخطار بسبب
رفضها الكامل للاستعانة بالدوبليرة علماً بان الدور يحتاج خبرات جديدة
تماماً عليها حيث تلعب شخصية صعيدية تواجه القيود والضغوط المفروضة حولها
من كل جانب.
كان فيلم «الطوق والأسورة» مأخوذا عن قصة الروائي الراحل
يحيى الطاهر عبدالله سيناريو يحيى عزمي وحوار الشاعر الغنائي عبدالرحمن
الأبنودي واخراج خيري بشارة واشترك في بطولته أمام شريهان عزت العلايلي
وفردوس عبد الحميد من تصوير كامل التلمساني وتدور أحداثه في الثلاثينيات
وحتى ثورة يوليو 1952.
لعبت شريهان دورين (فهيمة) وابنتها (فرحانة).. فهيمة تتزوج
من الحداد (أحمد عبد العزيز) وتكتشف عجزه وتحاول أمها علاج هذا العجز من
خلال طقوس مختلفة.
وأثناء هذه الفترة تحمل فهيمة في الحرام وتموت بعد الولادة
وتكبر طفلتها لتواجه كل قيود الصعيد الى جانب نظرة الناس اليها حيث لا
يعرفون لها أباً.. كان الفيلم قد صور بأكمله في مدينة الأقصر وقضت شريهان
كل أيام التصوير هناك رغم الحرارة الشديدة جداً وتحذيرات الأطباء.
وكان تصرفها يدل على عنادها.. كانت تتفانى في حبها لعملها
حتى ولو وصل الى مرحلة الخطورة.
وفازت شريهان بجائزة أحسن ممثل عن دورها في الفيلم ولأول
مرة تقهر القدر الذي عاندها!! وأتهمها بعض النقاد ان لها علاقات مع أثرياء
«عرب» تقتنص منهم الأموال.. وواجهت شريهان الاتهام.. دون خوف وقالت لهم.
أنا بنت الشلقاني.. الوريثة الوحيدة لأبي وجدي ولست في حاجة
الى نقود أو أي شيء.. فحياتي مليئة بالعمل.
أنا شريهان.. لا تؤثر في الاشاعات.. فعلاقتي بربي والناس
تسودها المحبة والود.. ولو لم أكن نجمة لما أحبني الناس.
وأصبحت سندريلا الحب مشكلة في كل دولة زارتها.. في الكويت
وأثناء عرض مسرحيتها «علشان خاطر عيونك».. دارت حول وجودها معارك كلامية
طاحنة.. بعض المتطرفين شغلوا أنفسهم بمعركة الزيارة.. جماعة منهم التقوا
بمنظمي حفلات شريهان في محاولة للضغط عليهم لالغاء عرض المسرحية وعرضوا ان
يدفعوا لهم مقابل ذلك 50 ألف دينار تعويضاً عن الخسائر التي ستترتب على هذا
الالغاء.
جماعة أخرى وزعت أفرادها على المساجد ومن فوق المنابر
أعلنوا ان زيارة شريهان للكويت نوع من البلاء وان ما حدث للكويت من ضرب
للسفن وقصف الصواريخ كان عقاباً للبلاد لسماحها بالزيارة.
وفشلت مساعي المتطرفين.. في الغاء العرض.. ولم ترهبها
الكلمات النارية التي هاجمتها في الصحافة الكويتية.
وعرضت المسرحية ولاقت نجاحاً منقطع النظير.. وشعرت شريهان
أنها قهرت القدر من جديد.. وهكذا كانت حياة السندريلا شريهان.. حياة نصفها
دموع والنصف الآخر مفاجآت.
حلمت شريهان يوماً بأنها نجمة الاستعراض الأولى في مصر..
فهي تمتلك كل مقومات النجمة الساطعة الذكاء.. الموهبة.. والوجه الجميل..
والقبول الحسن لدى جماهيرها العريضة في العالم العربي.
كانت تعرف ان أملها محفوف بالخطر.. يحاول ذئاب الفن
افتراسها بعد ان أصبحت وحيدة. ولكن روح التحدي والعناد والثقة كان طريقها
لمواجهة المستحيل.. ورثت عن أمها قوة الشخصية.. والتصرف.. حافظت على قاعدة
العلاقات العامة التي وضعت أساسها «الأم».. فزادت علاقتها بالنقاد وأصحاب
الأقلام الفنية.. لم تبخل عليهم بشيء.. وبدأت صورتها وأخبارها تحتل الصفحات
الفنية بصفة يومية وحتى عندما كانت بعض الأقلام تشتط وتخرج عن الاتفاق
وتهاجمها لم تكن تغضب.. ولا تقطع علاقتها.. فهي تعرف مفاتيح كل قلم وكيف
يعود.
وكانت أخبارها حقيقية.. تمليها على أصدقائها.. أو يتابعوها
بشغف.. ليقدموها في أحلى صورة للقراء.. وكانت المشروعات والأخبار عندها
تشبع رغبة كل ناقد بها.. ولم تنس شريهان وهي تحقق أحلامها.. ان تتعامل مع
فن الدعاية والاعلام فكان العمل كل حياتها.
في زيارة لها للندن لاجراء بعض الفحوص الطبية بعد ان
عاودتها آلام العملية الجراحية التي كانت قد أجرتها في أميركا.
فكرت ان تكون الرحلة صحية وفنية.. وهمست لبعض أصدقائها
بأنها تنوي شراء مسرح جاهز يجري تركيبة على أرض تمتلكها في حي المهندسين
تقدم عليه عروضها الاستعراضية التي كانت تحلم بتقديمها الأم قبل وفاتها
بسنوات.
ورغم تعثر المشروع.. لم تفتر «همة» شريهان.. فكان تخطيطها
لشراء مسرح سينما ريتس.. ولم تهتز شريهان وهي ترى بعض أصحاب المسارح مثل
جلال الشرقاوي وسمير خفاجي وغيرهم يدخلون المزاد لشراء السينما القديمة..
يومها فازت عليهم وحصلت على المسرح بعد ان دفعت المبلغ الكبير وزاد طموحها.
قررت يوماً ان تفتح بوتيكاً في شارع النيل بالعجوزة يحمل
اسمها وتسند ادارته لشقيقتها الكبرى «جيهان».. وحققت أول مشاريعها
التجارية.. وتم افتتاح المشروع بالمشاركة مع الشقيقة وزوجها المعلق الرياضي
فايز الزمر.
وزاد الاقبال على «البوتيك».. بعد ان عرضت فيه ملابسها
الغالية واكسسوارات الفوازير.. وعرضوا عليها ان تبيع ملابس الفوازير بأسعار
خيالية.
ولكن شريهان لم توافق على فكرة البيع.. كانت الملابس
والاكسسوار للعرض لمزيد من الدعاية. وارتدت شريهان تاج الطموح.. لتحقق
أحلامها.. قبلت الأدوار الجيدة.. لم يكن يهمها ان تبدو في
الصورة الجميلة.. كانت تعيش الدور بكل احساسها.
لم تمانع ان تلعب دور سيدة عجوز في الخمسين من عمرها في
فيلم «جريمة شرف» للمخرج عادل الاعصر.. وبطولة كمال الشناوي.
ونبهها المخرج مسبقاً الى ان الماكياج سيحولها الى عجوز
وستظهر بهذا الشكل في مشاهد عديدة في الفيلم.
ووافقت النجمة الشابة.. ووضعت وجهها في أول يوم تصوير بين
يدي الماكيير محمد عشوب الذي استطاع ان يحولها فعلاً الى عجوز في الخمسين.
وقد أدت دور العجوز ببراعة ما جعلها تطمئن الى أنها ستظل
قادرة على التمثيل وستكون مقبولة من حيث الشكل حتى عندما تبلغ الخمسين.
كانت شريهان تحلم بان تكون غنية ومشهورة وفنانة محترمة
وراقصة استعراض يشار اليها وزوجة وأما.. لكنها كانت تعمل حساباً للمفاجآت.
ولأنها كانت محرومة من الأبوة فقد تعمدت ان تضيف كلمة
«بابي» عشرات المرات في مسلسل «نار ودخان» أمام كمال الشناوي مما جعل
النقاد يقسون عليها بفشل مسلسل «نار ودخان» والذي عرضه التلفزيون المصري
وهاجمه النقاد.
تقول: كنت في حالة نفسية سيئة وأنا أمثل بعد وفاة أمي
بأسبوع ولكنني تغلبت على مشاعري وطلبت اجراء تعديل في أجزاء العمل.
وضرورة تصوير بعض الحلقات في اليونان وان تحذف بعض المشاهد
التي لا لزوم لها لكسر الملل بسبب المط والتطويل في الأحداث حيث كان العمل
في الأساس 10حلقات وليس 17 حلقة كما حدث بعد انتهائي من تصوير المسلسل.
وتقول شريهان: كان يعمل معي فنان الماكيير عزيز ابراهيم ولم
أغيره منذ 7 سنوات.. ومع ذلك كانت هناك مفاجأة في انتظارها وما أكثر
المفاجآت في حياة شريهان!.
النهار الكويتية في
30/07/2013 |