سينمائيّة السّيناريو الذّكي!
يلاحظ أن الفيلم اختار لنفسه رؤية استلهام الكوميديا من
الدراما. ولعل نوع الكوميديا المطروحة في الفيلم مرتبطة
بالغاية التي يرغبها المخرج من الحكاية، وهي: العاطفة.
فالكوميديا العاطفيّة: يتحول خلالها الوضع العاطفي (عادي في
الأحوال الأخرى) إلى حبكة تتعقّد خيوطها بفعل شخصيّات منفعلة
أو غير مستقرّة. إلا أن فكرة التّحويل الفنيّة في الفيلم ظهرت
في كتابة سيناريو وحوار ذكيّ لغويّا، وفكريّا، واجتماعيّا،
وفنيّا. لأنه طبع اتجاه الأحداث بطابع السلاسة والعفويّة
الإيجابيّة التي انتهت بالبطلين إلى التماسك وعدم الانفصال.
كما عمل المُخرج على تبئير فنيّ لفكرة زمنيّة 90 يومًا (عدّة
الطلاق الرّجعي: 3 قروء) بتحويل الطلاق من: مشكلة إلى حلّ.
فبعد أن اكتشفت البطلة: (سارة) كذب زوجها في موضوع الإنجاب
وعقمه، ساءت الأحوال بينهما وطالبت بالطلاق. لكن شخصيّة: الخال
-الأب الروحي لفهد- وجّهت البطل بالقبول شرط تطبيق شروط
الشريعة لحالة الطلاق الرجعي ببقاء الزوجة في بيت زوجها طوال
مدة العدّة 90 يومًا علّه يستطيع أن يجتهد ويقرّب المسافة
بينهما ويعودان للارتباط من جديد مصداقًا لقول الله تعالى في
أول آية من سورة الطلاق:
)لا
تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا(.
توالت الأحداث بعد تلاوة أب البطلة تلك الآية الكريمة على
مسامع ابنته البطلة وزوجته: (أم سارة)، وقدّم المُخرج تأطيرًا
فنيّا استثنائيّا لسينمائيّة السيناريو وفق جانبين متعاكسيْن:
داخليّ وخارجي. إذ ظهر التسلسل الداخليّ تنازليّا يظهر في بنية
الزّمن للتسعين يومًا عبر لوحات فنيّة في مشاهد الفيلم تعبّر
عن تقدّم الوقت وانقضائه. أما التّسلسل الخارجي فيظهر
تصاعديًّا مع امتلاء الثقة والعاطفة بين البطلين، وتحولهما من:
النفور إلى المحبة، ومن الانفصال إلى الترابط عبر مواقف صنعت
الثقة مجدّدًا بينهما، كما في مشاهد عديدة، مثل: مشهد شهامة
فهد في إنقاذ شرف أخت البطلة وكذلك في مشهد مبادرة سارة في طلب
المسامحة ورجوعها عن أخطائها خاصة بعد حادثة الافتراء بالخيانة
التي تعرّض لها البطل. ويظهر الجانبين الزمنيين في سينمائية
سيناريو الفيلم كالآتي:
وملمحٌ لطيف آخر، قدّم به المُخرج سيناريو الدراما التي يلزم
معها التفكير الذّهني بنكهة الكوميديا السهلة التي لم تكن
تهريجيّة بقدر ما كانت تقدم وظيفة استعراضيّة كحالة تواصل مع
العاطفة الجاهزة لظهور النهاية السعيدة. "وقابلتكَ أنتَ"! مقطع
لأم كلثوم في غنائيّتها الشّهيرة: سيرة الحب ظهرت كوسيط موسيقي
كوميدي بين: البطل (فهد) وخاله. ورقصتهما معًا على إيقاعها، أو
الخال وحده، أو عند ضرب العود في مشهد أبي البطلة مع الخال
وغنائهما المقطع مرة أخرى. وربما تكرار هذي المتلازمة
الموسيقيّة الطريفة، عزّزت روح الكوميديا في السيناريو فظهرت
في شكل عروض بدنية وشفويّة يستلطفها الجمهور، باستخدام وسائل
التعبير المختلفة كالغناء والرقص والموسيقى. إلا أن ذلك الضحك
لم يكن في رؤية المخرج: خالد الحربي دون قيمة حضاريّة راقية
تعزّز ذائقة الجمهور وتعمل على إعادة ترتيب أولوياته في عاطفة
الحب والعائلة وأصالة هويته الدينية والوطنيّة والاجتماعيّة
تجاههما.
|