الثلاثة أيام التي سبقت سفر "نانسي" (حنان مطاوع) الى كندا
للّحاق بأسرتها المهاجرة؛ هي الفترة الزمنية التي يروي خلالها
المخرج أحمد رشوان وقائع فيلمه الواقعي الرومانسي الجديد «قابل
للكسر»، انتاج دريم برودكشن
2020م،
وفي تلك الأيام الثلاث نقف على قصص ثلاث سيدات شابات في مرحلة
النضج واكتمال الشخصية.
قصصهن واقعية من الممكن أن نصادفها في حياتنا مع من حولنا من
معارفنا وأصدقائنا وأقاربنا، فلا مبالغات أو حكايات فانتزي أو
غرائبية، بل تكمن الواقعية الكلاسيكية التي انطلق منها مؤلف
ومخرج الفيلم، ليدخلنا في عالم سينما المؤلف التي يتماهى فيها
بشروط السينما المستقلة؛ كما يريدها وكما يرها. حيث رسالة
ضمنية مفادها أن كل شيء قابل للكسر: العلاقات؛ الأحلام؛
المصائر؛ الشخصيات؛ المعاني، الحب والإحساس بالأهل والوطن.
لذلك سوف تهاجر نانسي من هذا الواقع المليء بالإحباط
والمحبَطون. "إنهم يشبهون فكرة حلم الهجرة الواهي في حد ذاته
بالنسبة إلى المصريين، والتمسك الواهي بوطن هو نفسه غير متمسك
بهم"، هكذا يلخص "رشوان" حال شخوص فيلمه.
سينما مؤلف مستقل
ربما أول السمات السردية التي يلمسها المشاهد؛ واشتغل عليها
مخرج الفيلم، هي الروي بتأني وبإيقاع هادئ وبمونتاج متوازن
خلال
104
دقيقة؛ لدرجة تتطابق فيه الارضية الدرامية مع ديناميكية
الاحداث؛ من جهة؛ ومن توائم الاحداث مع البناء الكلي للفيلم من
جهة أخرى، اي تفاعل الأجزاء المتمثلة في اللقطات والمشاهد مع
مجمل الفيلم؛ وترابط الأزمنة بالأماكن. هكذا اجتهدت مونتير
الفيلم "جيهان مشير"، وفق رؤية المخرج، وان جاءت بعض المشاهد
بما يشعر المتفرّج، في بعض الانتقالات، بدراما التلفزيون، أو
بما يذكِّر، من حيث الإيقاع البطيء، بأفلام إنغمار بيرغمان،
وأندريه تاركوفسكي، ومايكل أنتونيوني.
ولو أن وتيرة اللقطات لا تركن للتطويل، وأحجامها تعتمد على
اللقطات القريبة واللقطات المتوسطة مما يكسر الرتابة التي حرص
على تجنبها مدير التصوير "محمود لطفي"، وأخذه للقطات حاذقة
بكاميرا مثبتة على مقدمة موتوسيكل كريم، الى جانب تداخلات
الموسيقى التصويرية الحسية الرائعة التي أبدعها "خالد شكري"،
فصبغت الفيلم بطابع رومانسي أخّاذ وحميم، ومن ناحية جعلته
يتوازن مع انضباط الصوت الذي راقبه المهندس "عمرو عصام"،
ليتلاءم مع مكساج "محمد عبد الحسيب"، ويكون مكملاً للحوارات
المتبادلة باختصار وايحاء وتكثيف بين الممثلين... كل ذلك
يجعلنا أمام سيناريو سينما مستقلة هادئة برؤية خاصة تستقصي
المشاعر وتذهب عميقاً الى الظروف الحياتية التي تشكل الأحاسيس
الإنسانية.
لكن؛ أسلوب السرد الذي انتهجه مخرج ومؤلف قصة الفيلم؛ لا يروي
تفاصيل حكاية "نانسي" وصديقتها "لبنى" (رانيا شاهين) بطريقة
السرد الرأسي المتتالي للأحداث، بل أنه يبدأ من قمة الأزمة
الوقعة فيها لبنى، والتي تريد إجهاض حملها من طليقها "حازم"
الذي عانت منه؛ رغم أننا لا نراه في الفيلم، لكنه الغائب
الحاضر الذي لا نرغب لبنى في إنجاب طفل يربطها به بقية عمرها،
فهو الرجل الخائن والفظ والغليظ في معاملتها، وبناء عليه وجب
نبذه.
لذا تتفهم نانسي معاناة صديقتها وتساعدها بسرّية تامة للتخلص
من الحمل، وهنا تتجسد براعة الممثلة رانيا شاهين في أدائها،
خصوصاً في تقمّص لحظات الألم بعد عملية الإجهاض، لتظهر بمستوى
صادق فنياً وبليغ ومؤثر درامياً. كذلك الحال بالنسبة لأداء
الممثلة فاطمة عادل والذي جاء بمستوى لا يقل عن أداء رفيقتيها
حنان مطاوع ورانيا شاهين.
في كل ذلك اعتمد السرد على تقاطع خطوط السرد، تتنقل بين مشاهد
تروح وتأتي؛ لا سيما خلال النصف ساعة الأولى من زمن الفيلم،
ليخلق نوعاً من التشابك السردي الشيق لتتغلب على رتابة
الأحداث، بما يعكس أسلوب المخرج، وربما كان الغرض منه استيعاب
المُشاهد لشخصية كل ممثل وكل دور.
نانسي وكريم وليلى
صديقة نانسي الثانية أو بالأحرى غريمتها "ليلى" (فاطمة عادل)،
هي شقيقة لبنى وهي على ارتباط بـ"كريم" (عمرو جمال). لذا فإن
نانسي واقعة بين شقيقتين إحداهن صديقتها الأحب، والثانية
غريمتها الأكيدة، وإن كان الطرف الثالث والذي سبب العداء بينهن
هو المسؤول عن هذا الوضع المحيّر، فـ "كريم" الذي أدى دوره
بتمكن، يجسد الغموض في موقفه أو في ورطته؛ حيث أنه العاشق
الوقع دون إرادة منه في هوى نانسي، رغم أنه على ارتباط بليلى،
واختلاف ديانته عن نانسي. مع أن الفيلم لم يوضح هذا الاختلاف،
إذ يستنبطه المشاهد من سياق الأحداث، حيث نانسي كانت مخطوبة
لمايكل (أحمد رشوان) المسيحي.
إذن؛ ثمة أزمة عاطفية ووجودية لا يستطيع الثلاثة (كريم، نانسي،
ليلى) مجابهتها والتوصل الى حل حاسم ينهي الوضع المربك الذي
وقعوا فيه. فنانسي تريد صبغ صفة الصداقة على علاقتها بكريم،
وكريم فاقد القدرة على اتخاذ قرار وموقف من مشاعره التي زجت به
للوقوع في حب امرأتين. وموقف ليلى الرزين بسبب ادراكها لحب
خطيبها لامرأة أخرى، بما في ذلك الموقف من الترفع والوعي وعدم
الانكسار.
|