من غير الممكن التنبؤ بنوعية القالب الدرامي السينمائي الذي
يتبعه المخرج المصري الشاب أمير رمسيس في أفلامه الروائية، ففي
كل فيلم من أفلامه نلمس طابعًا خاصًا وأسلوبًا وقالبًا ورؤيةً
مختلفة، حيث تأكد توجهه المنفلت عن التصنيفات المعهودة في
أفلامه الروائية الخمس حتى الآن، واتجاهه إلى نوعيات مختلطة
القوالب
Mixed Genre،
تحكمها رؤى سينما المؤلف
Author Cinema
ذات الانحياز الذاتي بكل مساراتها القصصية
والاسلوبية في صياغة القصص والحبكات والسيناريو، وطريقته هذه
تمثل نبضًا سينمائيًا ينطلق بتوليفة مستحدثة على الساحة
السينمائية العربية.
مع صدور فيلميه الأخيرين «حظر تجول» وقبله «بتوقيت القاهرة».
ولا ننسى أفلامه الأولى «آخر الدنيا» و«كشف حساب» و«ورقة شفرة»
التي إذا وضعناها على طاولة التشريح؛ نتبين أن كل فيلم منها له
خطه الدرامي النوعي المختلف والمنعزل عن الآخر، وكأن من صنع كل
فيلم مخرج آخر ذي عقلية وأسلوب وأدوات مختلفة. ولكن في كل يظل
عنصر التشويق أساس لا يحيد عنه، وتظل المؤثرات الصوتية
والموسيقية متوائمة وحاذقة ومؤثرة، ويظل الابتكار بما فيه من
ابداع وتجديد؛ وأيضاً بما فيه من هفوات فنية شاغل واضح عنده.
وبطبيعة الحال إذا كان الأمر كذلك فهو بالضرورة يتبع في كل
فيلم تقنيات سردية خاصة وحسبما تواتيه قريحته، بما يكرّس
استقلاليته عن الأطر والاشكال المعتادة في السينما التجارية
المصرية. فهو في النهاية يقدم سينما مستقلة، يبحث فيها
بالتجريب عن الجاد والمهم والشيّق؛ مع تحرّي الجوانب الفنية
والجمالية. وبذلك يشي أسلوبه بأن أفلامه تنحاز إلى سينما
الرؤيا والتفكير والتحديث وطرح الأسئلة المغايرة. سينما
التخييل والإيحاء والغموض والحداثة.
رومانسية تشويقية
بدايةً؛ يأخذنا فيلمه «آخر الدنيا»، انتاج دانا للإنتاج
والتوزيع الفني (مي مسحال) عام
2005م،
الى قالب رومانسي تشويقي
Romantic thriller
يروي فيه عن سلمى (نيلي كريم) المذيعة
التليفزيونية التي تسببت في وفاة فتاة منذ سنوات أثناء
الاحتفال بعيد ميلادها مع أصدقائها، وكانت تلك الفتاة التي
توفت منافسة وغريمة سلمى الجديدة حين انتزعت منها صديقها،
بعدها ظهر في حياة سلمى طبيب نفسي شاب يدعى خالد (يوسف الشريف)
وتتطور العلاقة بينهما لتصبح قصة حب، وفجأة تكتشف أن خالد هو
شقيق الفتاة التي تسببت في وفاتها.
هنا تنبني عقدة لم يسبق أن طرحت دراميًا. ثم تنهار سلمى
ويتأرجح تفكيرها ما بين الاعتراف لحبيبها بالأمر وبين ان تظل
الأمور كما هي، ولكن لم يكن هذا هو كل شيء بل كانت هناك مفاجأة
تقلب كل الأمور راساً على عقب ... هذا البناء القصصي يكشف عن
اشتغال حثيث في تأليف القصة بما يكفل لها غرائبية واقعية شيقة
مع تداخلات مصائر وصراعات شخوص القصة.
أيضاً يتكثف السرد التشويقي
narrative
Suspense
المعتمد على تشابك العلاقات والأدوار بين
شخصيات القصة، الأمر الذي يجعل المشاهد في حالة ترقب طوال
مجريات الفيلم. علاوة على أن الفيلم يخلق أفق انتظار يحث على
المتابعة بانتباه للإجابة على السؤال: هل خالد سيكتشف أن سلمى،
التي أحبها، هي المتسببة في وفاة شقيقته؟، وهل ستعترف سلمى بما
حدث؟
إذن؛ عنصر التشويق هنا يتمثل في حشد حالة من الترقب والتوقع،
وبالتالي جذب المشاهد للمشاركة في افتراض حيثيات وتبعات
ونهايات للقصة.
دراما بوليسية تشويقية
ثم في فيلم «كشف حساب» انتاج الباتروس - الأخوة المتحدين –
إيمدج، سنة
2007م
نقلة الى الدراما التشويقية المعتمدة على التطوير العميق
للشخصيات وكذلك التطور التصاعدي المفاجئ للأحداث وتشابكها، مع
دمج حالة بوليسية تراوح بين ومضات الاسترجاع
Flashback))
والعودة لزمن الروي، بمؤثر موسيقى هادئة وحركة كاميرا
متوازنة... هكذا كوّن الفيلم توليفته الدرامية، وجعل قصة
د.محمد رفعت تأخذ طابع اللغز، حيث تدور الأحداث حول سها
(الممثلة نور) التي تعمل في الشرطة كرسامة للأوجه المشتبه فيها
جنائياً، ويبدأ الفيلم بخلافها مع زوجها المقدم رؤوف الصايغ
(أحمد سعيد عبد الغني) وانتقالها للعيش في منتجع سكني آخر به
دار أيتام تذهب إليها لتعلِّم الفتيات الرسم وهناك تتبنى طفلة
تدعى نور (رضوى خالد)... هذا منعطف أول في القصة.
ثم تتعرف سها عن طريق صديقتها على مهندس الديكور فريد (خالد
أبو النجا)، وفي يوم تتعرض سها للإغماء فتخرج نور للشارع
وتستنجد بفريد؛ وتبدأ علاقة حب بينهما...هنا منعطف آخر. وتحدث
جريمة اغتصاب لفتاة تدعى دنيا (الممثلة بسمة) فتُستدعى الرسامة
سها لتتعرف على أوصاف الجاني ورسمها؛ لتجدها نفس أوصاف فريد.
هكذا يشيّد المؤلف عالم قصته في واقعية بوليسية؛ عندما تبدأ
حالة القلق لدى سها، فهل فريد هو الجاني فعلاً أم أنها رسمته
بالخطأ بسبب تعاطيها لأدوية ومهدئات تؤدي لحالة من الهلوسة
البصرية كما قال طبيبها؟ وفي ذلك تتأسس دراما سيكولوجية
بوليسية غامضة.
كوميديا خفيفة بخلفية تاريخية
في حين اذا نظرنا لفيلم «ورقة شفرة» إنتاج اتحاد الفنانين،
فيلم كلينيك (محمد حفظي ـ محمد عبدالقدوس) سنة
2008م،
نجد أن المخرج ينتقل الى الكوميديا الخفيفة والمفارقات المرحة؛
بخلفيات حبكة تاريخية تخلق منطق جاد للفيلم، وبتضمين المغامرات
وشيء من الآكشن وعلاقات الحب العابرة، وهو طابع يقترب كثيراً
من ذائقة الجيل، ضمن الكوميديا الرومانسية
Romantic comedy
، فقصة الفيلم التي كتبها أحمد فهمي وهشام
ماجد، تسعى لسينما تعكس روح الشباب، ويمثلهم في الفيلم أيمن
(أحمد فهمي)، إسماعيل (احمد مكي) وبدير الأنصاري (سيد).
بمعنى أن الفيلم ينقل رؤية شبابية لمغامرة في قالب كوميدي
رومانسي تاريخي جاد، وإن جاءت بداية الفيلم بمشاهد معارك
تاريخية مقحمة وغير مفهومة للمشاهد، في حين أنها تصور معارك
الملك الآشوري نبوخذ نصر واحتلال مدينة أورشليم (القدس) التي
أجلى عنها اليهود، فاستطاع بعضهم الفرّار إلى مصر، حاملين معهم
أسرار مدينة أورشليم.
هذه التوطئة لخصتها مشاهد ما قبل التتر ولم تكن منسجمة أو
واضحة بأي شكل من الأشكل مع عالم الفيلم، بل أنها جاءت معزولة
ولا تترك أي أثر لدى المشاهد. إلا أنها تتوضح فيما بعد خلال
ثنايا السرد، وهذا سياق قصده المخرج ليضفي شيئاً من الغموض
وتشويقاً مجزئاً مع مراحل السرد، وإن كانت لا تخلو من تشويش
للمشاهد.
نخرج من هذه التوطئة أيضًا بأن جد إسماعيل قد ترك له مكتبةً
أثرية، ليكتشف أن بها ورقة شفرة تحمل خريطة لمكان آثار فرعونية
في مدينة أورشليم، ولم يكن يعرف بأمر الرسالة إلا عندما لاحقته
عصابة. من هنا يبدأ خوض المغامرة والبحث عن الخريطة المخبّأة
في أحد المعابد الأثرية بمدينة دمياط.
إذن نوعية التأليف القصصي بهذا الأسلوب تحيل الى حساسية مستجدة
وغير نمطية، بل أن تحميلها بالحس الكوميدي التشويقي الجاد هو
نهج يذكرنا بسلسلة روايات الألغاز البوليسية "المغامرون
الخمسة" و"الشياطين الـ13"
التي كتبها محمود سالم في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات.
والتي تحولت إلى مسلسل رسوم متحركة للأطفال. |