كنت أقابله جالسا في صمت في أحد مقاهي
ساحة الأوبرا، تحييه صديقتي باكينام قطامش، ازيك يا عم
كامل، يرفع يده بالتحية، لا يتكلم، أسألها مين ده
فتقول زميلنا كامل حلمي صحفي في الأخبار. أنسى تعريفها
وأعلق وجهه معبر ينفع يمثل. لم أعد أراه وعلمت أنه
رحل، تاركا روحه في مكان يعد ملتقى فنانين وصحفيين
يربطهم وشائج دون حتى تبادل الأحاديث. من عدة أيام فقط
أرسل الناقد عصام زكريا رابطا لفيلم قصير عنوانه
"ليالي القمر" وطالعني وجه عم كامل، معبرا صامتا يسمع
أم كلثوم، تتحرك سيدة في منتصف العمر، مصرية جميلة آه
انها عزة كامل الناشطة الحقوقية المصرية والكاتبة (لها
تجربة تمثيل مع محمد خان في فيلم مستر كاراتيه). يبطء
المخرج الحركة قليلا ووجه العجوز يتابع السيدة مقبلة
بالشاي بعد سماع صيحة شاب بالبيجامة الشاي يا أمينة،
وينتبه العجوز، يجلس الرجل على المكتب، من هذا الناقد
عصام زكريا، مؤديا بطبيعية ملفتة للانتباه، كادر واحد
يجمع الثلاثة المرأة والرجل والعجوز. تفكرت هل يستحضر
نفسه شابا وهذه زوجته؟ أحب هذا الأسلوب الفني، أحبه
كثيرا، درجات اللون البنية تطغى على الصورة والإيقاع
منضبط، حوار لأب مصري يوبخ ابنه، والأم تدافع، العجوز
إذن ابنا للرجل الذي يريد التركيز في الكتابة رغم انه
"ماحدش بينشر حاجة".
رنين التليفون، حكاية أخرى من حبيبة
العجوز، والده يوبخه ويأخذ التليفون، "ده اللي انت
فالح فيه". ساحة المنزل فارغة والهواء يحرك الستائر
بلطف ثم جرس تليفون يتحرك العجوز للرد بجواره صورة
الزوج والزوجة في إطارين وشريط أسود. هما إذن والديه
أمه وأبيه، وكانت صورة قد سقطت للعجوز مع فتاة تشبه
الأم، هي عائدة الكاشف ابنة عزة كامل. ثم شاب مع عائدة
وتكون العناوين تكتب. ما هذا الجمال، وكل هذه الوجوه
المحبة وفهم كامل لطريقة عمل الذاكرة، ذاكرة المسنين
التي تتذكر السنوات الأولى وتتداخل مع تفاصيل حياتها.
العمل مشروع التخرج من معهد السينما لعمر خالد،
سيناريو محكم نجح في إيصال فكرته دون أن يتوه المشاهد،
فهم نفسي واجتماعي لطبيعة الشخصيات، ظرف يغلف الحالة
دون ميلودراما ودون استعانة بموسيقى من خارج الكادر،
بل أغنية أم كلثوم "هلت ليالي القمر" الكاسيت يربط
حياة الرجل، يسف الشريط، وتتوقف الأغنية، ينهض
ويعالجه، فعل طبيعي حدوثه محمل بعلامة توقف مؤقت،
ويعود الغناء وتستمر الحياة تغمرها ذاكرة الأحباء
ومختلف اللحظات.
الفيلم من إنتاج المعهد العالي للسينما
يشكر فيه المخرج، كل من توفيق صالح، أحمد كمال، وغادة
يوسف.
المشرف على الفيلم أو مستشار المشروع
كان المخرج الكبير توفيق صالح، مراجعته للسرد واضحة
والأداء التمثيلي من هواة يمكن أن يكون بمراجعة من
أحمد كمال الممثل القدير ومدرب التمثيل، فظهر عصام
زكريا ممثلا قديرا، وعزة كامل في أداء خاص للزوجة
والأم المحبة، وكان كمال حلمي في قمة الأداء بالوجه
الساح في المحبة أو الغضب أو التمني. وهو الصحفي
المخضرم يمثل كالكبار. اختيار الممثلين نجاح كبير
للمخرج عمر خالد، الميزانسين، حركة الشخصيات في
الكادر، الإضاءة التي تعتمد على تقنية الفوكس والأوت
أوف فوكس في كادر واحد، باستخدام عدسة مقربة، نجاح
للمصور الذي يكون غالبا طالب آخر يقدم عمله ليتخرج وهي
هنا راجية مصطفى ميرا للتصوير المسئولة عن الإضاءة
وتنفيذ كادرات المخرج على طريقة معهد السينما التي
يحبذ فيها الأساتذة أن يتعاون الزملاء من الأقسام
المختلفة ليكون مشروعهم معبرا عن طاقة التعلم
واستعدادا لتعاونهم في سوق العمل. المونتاج هشام
الصفطاوي في إيقاع رائع.
المخرج عمر خالد من مواليد القاهرة
1985 تخرج من معهد السينما بمصر 2007 قسم الإخراج.
أخرج عددا من الأفلام القصيرة والتسجيلية منها
"الدربوكة" و"الحساب" 2011. شارك في مهرجان كليرمون
فيران ومهرجان مونبلييه. وحصل على عدة تنويهات عن
أعماله من المهرجان القومي للسينما المصرية. كما حصل
على جائزة لجنة التحكيم 2012 من مهرجان الخليج
السينمائي في المسابقة الدولية عن "الحساب". كما حاز
جائزة ساويرس الثقافية 2013 للشباب عن كتابة السيناريو
للفيلم الطويل "العابرون".
عمر خالد هو كاتب السيناريو لفيلم عمرو سلامة "الشيخ
جاكسون" ولمسلسل "طايع" التلفزيوني.
حاشية:
يستغل كثير من السينمائيين والنقاد العزل بسبب فيروس
الكرورونا في تبادل نسخ الأفلام ومشاهدتها فنكتشف أنه
يمكننا اللحاق بما قد فاتنا أو إعادته للذاكرة، هذا
الفيلم قام الناقد عصم زكريا بنشره على صفحته للتواصل
الاجتماعي فاستمتعت به وتذكرت المخرج عمر خالد ودور
معهد السينما في تنمية المواهب ويتصل الأمر بجهد
الناقد الصديق حسن حداد في احتضان تجارب السينما
والتنويه عن مخرجيها ومن يكتبون عنها. فشكرا جزيلا له. |