في سلسلة
من الكتب، تعني خصوصا باللقاءات المطولة مع المفكرين والعلماء، وقع
الاختيار على فدريكو فلليني، وكان وقتها قد بلغ الرابعة والستين، كأول
فنان سينمائي لهذه السلسلة، على أن يقوم الناقد الايطالي جيوفاني جرازيني
بإجراء اللقاء معه. قام بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية الناقد السينمائي
أمين صالح، سبق له أن ترجم، بشكل مدهش، كتاب فوغل " السينما التدميرية"
وصدر الكتاب هذا العام بعنوان "حوار مع فلليني" ضمن سلسلة "كراسات
السينما"، التي تصدر عن "مسابقة أفلام من الإمارات".
في بداية
الحوار، يشم فلليني رائحة الشيخوخة ويستعيد قول سيمون دي بوفوار: "الشيخوخة
تمسك بك على نحو مباغت" ويعقب: "لو تسنى لي أن ارسم صورة رجل في سني، لجعلت
الممثل يسير مطأطئ الرأس، منحني الكتفين، يسعل وينظر بعينين نصف مغمضتين،
ويضع يدا مرتجفة على إذنه؟
يحاول
فلليني في الحوار أن يرسم صورة مفصلة لسيرته الذاتية، ويذكر بأنها ليست
دراماتيكية، وبأنه استطاع تفريغ ذكرياته كلها في أفلامه. وحينما يتحدث عن
بداية طموحه في البحث عن مكان له في الحياة، يستعير قول الفيلسوف الصيني
لاو تسي: " عرفت فقط ما سوف لن أكونه". ويوضح كيف طلب منه روسوليني، بعد
نجاح فيلم "روما مدينة مفتوحة"، أن يعود ليشارك في كتابة فيلمه التالي "بايزا"
وكيف أكتشف وقتها أن على السينمائي أن يحقق فيلمه، كما يفعل الروائي أو
الرسام، لان الفيلم، طريقة فنية مستقلة وسحرية للتعبير عن الحياة، فالسينما
ليست بحاجة إلى الأدب، تحتاج السينما فقط إلى كتاب سيناريو. ويصف عملية
تحويل الأدب إلى السينما، بأنه أمرا شديد البشاعة.
أعجب
فلليني بالممثلين الهزليين، لأنهم، بنظره، هبة الله إلى البشرية، ويرى فيهم
إسلافه الروحيين، ويعدد منهم بستر كيتون، الذي يحبه أكثر من العظيم شابلن،
و لوريل وهاردي، لكن إعجابه بالإخوة ماركس عصف برأسه وفجر عقله. ويضيف،
أيضا، إلي أسلافه الروحيين ديكنز وادغار الان بو وجول فيرن وجورج سيمنون
وهوميروس. ويعترف، بخجل، بأنه لم يشاهد كلاسيكيات السينما، لا أفلام مورناو
ولا أفلام دراير ولا حتى أفلام إيزنشتين؟ غير أن هناك سينمائيون، منحوه
البهجة والمتعة، وجعلوه يصدق كل ما يقولون، منهم كيراساوا وبيرغمان وفورد.
كذلك يحب فلليني، كوبريك وويلز وهيوستون ولوزي وتروفو، وبونويل، الذي فتنه
فيلمه العظيم "سحر البرجوازية الخفي".
يتحدث
فلليني عن الناس، الذين يحيطون به في الاستديو، فيشعر بأنهم متطفلين
وغرباء، لكن الصورة تختلف، حينما يختلي بفيلمه في المونتاج، عندها تصبح
علاقته بالفيلم سرية وشخصية: "يبدأ الفيلم ينظر إليّ مباشرة أثناء ما
يتنفس ويتحرك".
يتوقف
فلليني بحميمية عند حديثه عن الموسيقي نينو روتا، صاحب المخيّلة الهندسية
والرؤى الموسيقية المبتكرة، الذي ألف موسيقى اغلب أفلامه، والذي استطاع،
بقدرته الموسيقية المبدعة، أن يجعل فلليني يحس، بأنه هو الذي ألف موسيقى
أفلامه.
ترجمة
مدهشة لكتاب ممتع وجدير بالقراءة.
alzubaidi@surfeu.de
الإمارات اليوم في
ــــــــــ