لم تظهر الحرب أبداً في الأفلام الروائية الطويلة في السينما السورية. وإذا كان
قد مضى على حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، حتى الآن، أربعة عقود من الزمن، فمن
المُلاحظ أنه ليس هناك أي فيلم يتناول تلك الحرب، مباشرةً، أي ليس ثمة فيلم
روائي طويل «حربي»، يتناول الأعمال القتالية، والمآثر البطولية، التي سجّلها
أفراد الجيش العربي السوري، وحفلت بها تلك الأيام التي ارتقت إلى ذاكرة
التاريخ.
ويمكن للمتتبع العودة إلى فيلم «الأحمر والأبيض والأسود»، للمخرج بشير صافيه،
عام 1976، لنجد أنه فيلم يقارب تحوّلات مرحلة غاية في الخصوصية، تلك الفترة
التي مضت فيما بين نكسة حزيران (يونيو) 1967، وحرب تشرين أول (أكتوبر) 1973، من
خلال ثلاثة فتيان، شاء الفيلم لهم أن يمثلوا ضوء استكشاف لبعض ما يدور في ثنايا
المجتمع السوري. في تلك الفترة المليئة بالقلق والانتظار، كما بالاستبشار بأمل،
كان لا بدَّ أن يأتي بطريقة ما.. وعلى رغم أن الفيلم تاه ما بين إشكاليات
الحياة، على هامش مدينة قاسية، لا تأبه بالأحلام الغضَّة، ومعاناة الناس
الطيبين، المنكودين، من نازحين سوريين، ولاجئين فلسطينيين، إلا أنه في النهاية
علَّق الأحلام على أكتاف العسكر الذين سيمثّلون دور المنقذ بالحرب الآتية، فبدا
حلماً من طراز خاص، كأنما لا يرتبط تحقُّقه بضرورة حدوث التحوّلات العميقة في
المجتمع، في مجمل بنيته، وتعدد مستوياتها.
المثير في الأمر أن السينما السورية، في أفلامها الروائية الطويلة، تحديداً، لم
تصعد جبل الشيخ، ولا هضاب الجولان، ولا رافقت الجنود والمقاتلين في مهماتهم
القتالية، رغم أننا شاهدنا ظهورا لمشاهد قتالية، قليلة جداً، من خلال الاستذكار
(فلاش باك)، في فيلم «الاتجاه المعاكس»، لمروان حداد عام 1975، أو مشاهد بالقرب
من الجبهة في «رسائل شفهية» لعبداللطيف عبدالحميد، عام 1991، وحالة الحرب في
«ليالي ابن آوى»، له عام 1990، وهي لم تغب على هذا النحو أبداً عن غالبية أفلام
عبداللطيف عبدالحميد، وإن لم تحدّد حرب تشرين، موضوعاً لها، ودون أن تكون هذه
الأفلام «حربية»، أو متوجّهة إلى تناول حرب تشرين، إلا باعتبارها خلفية تاريخية
للأحداث، أو إطاراً لبعض وقائعها، أو ذات تأثيرات على مصائر بعض الشخصيات.
واليوم، يبدو أن السينما السورية لا تفكر أبداً في عمل فيلم تدور أحداثه في
الجبهة، أو الخنادق، أو مسرح الأعمال القتالية. بل لعلها اكتفت بأفلام رصدت
مسافة الحلم بين النكسة الحزيرانية وحرب تشرين، كما في «الأحمر والأبيض
والأسود»، و«الاتجاه المعاكس»، اللذين ذكرناهما، وكذلك «حادثة النصف متر»،
للمخرج سمير ذكرى، عام 1980، و«صندوق الدنيا»، للمخرج أسامة محمد، عام 2002.
لقد تحدثت السينما السورية عن الحرب، لكنها لم تذهب إليها، ولم تتناولها
مباشرة، ولم تصوّر وقائعها وأحداثها، واكتفت بالحديث عن تداعياتها وآثارها...
وهذا أمر غريب فعلاً، إذ أن الحرب لم تكن تكليفاً، ولا كانت فعلاً خارجياً في
المجتمع السوري، المنغمس تماماً، منذ ما قبل نكبة فلسطين، بوقائع الحرب والثورة
والنضال، والشهداء والجرحى والمعتقلين... وليس من المبالغة القول إن المجتمع
السوري متشارك تماماً، بكل فئاته، في موضوعة الصراع العربي الصهيوني، في النصف
الثاني من القرن العشرين، والحروب التي نشأت، أو تفرّعت، أو توازت معه، كافة...
وثمة الآلاف، ليس فقط من الشهداء السوريين، بل من تلك القصص والحكايات، التي
كتبها الشهداء والجرحى والمعتقلون، والمناضلون والفدائيون والمتطوعون
والمجاهدون، السوريون، طيلة القرن العشرين، بالدم، منذ السوري عزالدين القسام،
الشيخ الجليل ابن مدينة جبلة الساحلية، وصولاً إلى الشاب خالد أكر، الكوردي
السوري ابن مدينة حلب.. |