عبر صفحات فيسبوك انتشر اسمها أمامي بشكلٍ مُكثفٍ لأول
مرةٍ عام 2019 (شورت/ كُراسات الفيلم القصير)،
وتعريفها بأنها مجلةٌ سينمائيةُ إلكترونيةٌ متخصصة
بالأفلام القصيرة، تٌسلط الضوء على كافة التجارب من
كلّ أنحاء العالم.
جذب انتباهي تخصصها في سينما الأفلام القصيرة، وأنها
إلكترونية يسهل إتاحتها للجميع، وأنها مشروعٌ خاصّ
بالمخرج السوداني إبراهيم عمر، والناقد السوري صلاح
سرميني، ويشاركهما في تصميمها السوداني محمد زبيداي.
في أول أعداد المجلة، وعلى أول صفحاتها، يتصدّر مقال
إبراهيم عمر عن مشروع المجلة، وفكرتها التي بدأت من
حلم، وانتهت إلى حقيقة.
قررت أن أتواصل مع إبراهيم، شكرني كثيرًا، ورحب
باللقاء معي للحديث عن تجربة (شورت/ كُراسات الفيلم
القصير) التي تستعد هذه الأيام لإصدار عددها الرابع
عشر.
كان حديث المخرج عمر إبراهيم عن المجلة، وعن ثقافة
الفيلم القصير ملهمًا لي، ولاستكمال النظر للمجلة عن
قرب، ومن زاوية مختلفة قررت أن أطرق أبواب الناقد صلاح
سرميني لأتحدث معه عن شورت، وكيف يرى التجربة من
جذورها، وبذورها وحتى ثمارها، كان كريمًا معي، أعطاني
من وقته، واستقبل اسئلتي بصدر رحب، وقلم مستعدّ للحكي.
·
ما الدور الذي تتوقعه من الهيئة لتطوير الأعداد
القادمة، وشكل المجلة؟
التطوير، بالنسبة لي، يمكن أن يحدث عندما يقترح كلّ
واحدٍ من الهيئة ترجمة، أو تأليف كتاب، وإصداره باسم
المجلة.
التطوير، هو المُساهمة الفعلية في البحث عن مصادر
تمويل، وفي الترويج، التطوير، هو خلية نحلٍ تعمل بدون
هوادة، أو بالأحرى، نقاد سينما يتبنون المشروع، وكأنه
مشروعهم.
هل المجلة غير متطوّرة كي نحتاج إلى من يُطوّرها؟
·
وهل ساعدت اقتراحاتهم الأخيرة في اتخاذ خطوات جديدة
لتطوير المجلة؟
الاقتراحات السابقة، والحالية لا تُطوّر المجلة، كلنا
لدينا اقتراحاتٍ، وأفكارٍ، ولكن، المهم، إنجازها.
وبصراحة، أنا شخصياً لا تنقصني الأفكار، والاقتراحات،
وكلها أصيلة، ولم يفكر بها أحدٌ سابقاً، ولكن، كان
هدفي (مع إبراهيم) تجميع الصحفيين، والنقاد حول
المجلة، وتقريبها منهم كي لا يشعر أحدٌ بأنه منسيٌّ،
أو مهملٌ، أو متجاهلٌ.
باختصار، لقد أسّسنا مجلةً متخصصةً لا مثيل لها في
تاريخ الثقافة السينمائية العربية (غرورٌ في مكانه)،
والآن، جاء دوركم في تغذيتها، واستمراريتها بأيّ
طريقةٍ تجدونها مناسبة، وبالتشاور مع الجميع
(ديمقراطيةٌ في مكانها).
وكما كتبت أعلاه: خليني ساكت يا آية...
·
هل ترى أن "شورت/كُراسات الفيلم القصير" وضعت حجرًا في
جدار الثقافة السينمائية المكتوبة أم أن الأمر مازال
مبكرًا للحكم على تجربة المجلة وتأثيرها على القراء،
والسينمائيين؟
وضعت حجراً؟ هي، بالأحرى، وضعت 13 حجراً، والـ 14 في
الطريق، وقريباً سوف تظهر أختها في سلسلة كتبٍ غير
دورية بعنوان "تقاطعات سينمائية".
ـ هي، على الأقلّ، حاولت، وتحاول أن تملأ فراغاً في
الثقافة السينمائية العربية يخصّ الأفلام القصيرة.
ـ هي، على الأقلّ، شجّعت نقاد قدماء، وجددٍ على مشاهدة
الأفلام القصيرة، والكتابة عنها (حتى وإن لم يكتبوا في
"شورت/كُراسات الفيلم القصير").
ـ هي، على الأقلّ، أثارت اهتمام مخرجي الأفلام
القصيرة، وطلبة معاهد السينما، وهواة الأفلام.
وكما قيل لي، أثارت اهتمام قنوات تلفزيونية بتخصيص
برامج للأفلام القصيرة.
ـ هي، على الأقلّ، وبشكلٍ مباشر، أو غير مباشر،
وبتأثيرٍ مباشر، أو غير مباشر، ها أنتِ نفسكِ تكتبين
عن هذه التجربة/المُبادرة في مجلة "الفيلم" التي خصصت
عدداً للفيلم القصير، هل جاء هذا العدد صدفةً؟
ـ هي، على الأقلّ، لفتت انتباه واحدة من أكبر الصحف
اليومية في السودان (جريدة التيار)، وطلبت من إبراهيم
عمر الإشراف على صفحتيّ سينما أسبوعيتيّن (الخميس،
والأحد) بالتعاون مع "شُورت/كُراسات الفيلم القصير".
أما عن التأثيرات على القارئ/المتفرج، والسينمائيين،
فهذه مسألةُ لا أعرفها، ولا أستطيع تقديرها، أو
السيطرة عليها، كلّ ما أعرفه، بأنّ القارئ/المتفرج
العربي، وبسبب ما تُوفره التقنيات الجديدة، لم يعدّ
يتأثرّ بشيء، إنّه يحصل على ما يريد، وبدون جهدٍ،
وببلاش، فلماذا يتعب نفسه.
كنا نسمع، ونقرأ، وما زلنا، صراخاتٍ عالية، ومتتالية
من الجميع:
ـ يا جماعة، مش معقول كدا، ما فيش مجلات سينمائية، ما
فيش كتب، ما فيش...
وعندما يتوفر القليل، القليل من هذا الصراخ، نسكت،
ونتوارى، ونتحجج بالانشغالات، والظروف الاجتماعية،
ومسلسلات رمضان، و...فيروس كورونا.
·
في رأيك بمن يهتم صناع الفيلم القصير أكثر؟ بالجمهور
أم المهرجانات؟
سوف أتحدث هنا عن السينما العربية، يهتمّ مخرجو
الأفلام القصيرة بالجمهور حتماً، ولكن، أين هو جمهور
هذه النوعية المُختزلة/المُكثفة من الأفلام؟
المهرجانات طبعاً، وفي آخر المطاف، يتحوّل الفيلم إلى
الأنترنت، ويصبح قابلاً للمُشاهدة لمن يرغب.
المهرجانات هي النافذة الوحيدة ـ تقريباً ـ لمخرجي
الأفلام القصيرة، وكلما وصل الفيلم إلى مهرجاناتٍ
كُبرى، كلما أصبح الطريق ممهداً أمام المخرج كي يُنحز
فيلمه الروائي الأول.
ومع أنّ المهرجانات هي النافذة الوحيدة ـ تقريباً ـ،
إلاّ أنّ كلّ الأفلام العربية القصيرة لا تصل إلى
المهرجانات، فقط دزينةٌ منها تحظى بالصعود إلى القمّة،
وضعف هذا العدد يصل إلى المهرجانات الأصغر، ويتضاعف
كلما أصبح المهرجان أصغر فأصغر، أما الباقي، فلا تصل
إلى أيّ مهرجانٍ، ويبقى الأنترنت الوسيلة الوحيدة
للعرض، إن عثر عليه أحدنا بالصدفة من بين آلاف الأفلام
المتوفرة في العالم الافتراضي.
·
وهل ترى المخرجين يلجأون للفيلم الطويل لأن القصير لا
جمهور له؟
وعن السينما العربية دائماً، وعلى الرغم من أننا نكتب،
ونقول، بأنّ الفيلم القصير هو "فيلمٌ بحدّ ذاته بغضّ
النظر عن مدته الزمنية"، وهذا صحيحٌ تماماً، إلاّ أنّ
كلّ المخرجين ينجزون أفلاماً قصيرة تمهيداً لعمل فيلم
طويل، إنها خطواتٌ أولية إجبارية ماعدا المحظوظين
الذين تخطوا هذه المرحلة.
حالياً، مخرج الأفلام القصيرة، يعرف مسبقاً بأنه سوف
يجد الجمهور في المهرجانات، وفكرة إنجاز فيلم طويل
تبدأ منذ تفكيره بالسينما، والإخراج، وفي جميع
الأحوال، عيونه موجهة نحو الأفلام الطويلة.
ولكنّ تاريخ السينما المصرية أكد لنا بأنّ عدداً
قليلاً من المخرجين كان يهمّهم الفيلم بغضّ النظر عن
مدته الزمنية، وحتى كانوا يميلون إلى الفيلم القصير،
التسجيلي خاصةً، صلاح التهامي، هاشم النحاس، علي
الغزولي، عطيات الأبنودي،.. ومنهم من كان يميل للتجريب
كما النادر د. مدكور ثابت، بدون إغفال مخرجين تمكنوا
من الانتقال بحريةٍ ما بين القصير، والطويل،
والتسجيلي، وحتى المُسلسلات، ومنهم الجميل سعد هنداوي.
في السينما العالمية، الوضع مختلفٌ تماماً، صحيحٌ بأنّ
الغالبية العُظمى من المبتدئين تجد الفيلم القصير
مقدمةً تمهيديةً للفيلم الطويل، ولكن، هناك من يقضي
حياته كلها في إخراج الأفلام القصيرة فقط، وهذا ينطبق
تحديداً على "السينما التجريبية" بحكم طبيعتها
المُغايرة، والتدميرية.
·
ما هي الصعوبات التي كانت تواجه "شورت/كُراسات الفيلم
القصير"، وتطمح في التغلب عليها؟
الصعوبات هي نفسها، 3 أشخاص من أجل إنجاز مجلة تتكوّن
من حوالي 100 صفحة، التباعد الجغرافي بينهم (فرنسا،
مصر، السودان)، التمويل، العلاقة مع الصحفيين،
والنقاد، القارئ العربي...وهي ليست صعوباتٍ بقدر ماهي
عوائق تتطلب وقتاً، وجهودا للتغلب عليها، أو على
بعضها.
بشكلٍ عامّ، أنا متشائمٌ، ومحبطٌ من المناخات العربية،
رُبما لأنني أعيش في أجواء مختلفة تماماً، ولأنني
تشبّعت بها، وأصبح أيّ خللٍ يُزعجني، أو يُخرجني من
طبيعتي الهادئة، والانطوائية، ويُحولني إلى "ناقدٍ
شوارعيّ".
·
ما هي رؤيتك لمستقبل "شورت/كُراسات الفيلم القصير" في
السنوات/ الأعداد القادمة؟
ليس لدينا، لا أنا، ولا إبراهيم، أيّ فكرةٍ عن مستقبل
المجلة، رُبما تتوقف غداً، كما حدث في الشهور الأخيرة
بعد العدد 13، ورُبما نُكمل أعداداً أخرى، ونُنجز
سلسلة كتب "تقاطعات سينمائية"، ورُبما نصدرها ورقياً،
ورُبما تصل "شوارعيتي" إلى حدّ القول علناً:
ـ ط....أنتم، والثقافة السينمائية العربية، انقعوها،
واشربوا ميتها.
وأكمل حياتي في مدينة الأنوار، أخرج من بيتي كلّ صباح،
وأجلس في المقهى القريب منه، أحتسي قهوتي، وأنظر في
"الدليل الأسبوعيّ" أنتقي فيلماً من مئات الأفلام التي
تُعرض في باريس، وبعدها، أتوجّه نحو صالةٍ ما، وأشاهد
فيلماً، وفي طريقي، أفكر بهذا الزخمّ السينمائي
المُقترح على المتفرج من الصباح وحتى آخر الليل، وأبكي
على حالي، لأنني لن أتمكن من متابعة كلّ شيء، وبالأن
ذاته، أبتسم، وأعتبر نفسي محظوظاً، لأنني أعيش في قلب
السينما ليس بعيداً عن إستوديو جورج ميلييس، ومصنع
الأخوين لوميير.
* يُعاد نشر الحوار بمُوافقة إدارة "مجلة الفيلم"،
السنة الخامسة، العدد الرابع، والعشرون، سبتمبر 2021 |