·
وهل تسعى لأن تتحوّل المجلة لتكون ورقية، أم أن
التجربة الإلكترونية تستهويك أكثر؟
الثقافة السينمائية هي التي تستهويني، أكانت ورقية، أو
إلكترونية، أو شيطانية، ولكن، هناك واقعٌ عربيٌّ لا
يستهويني، ويجعلني قاسياً في انتقاده.
انتشار مجلة متخصصة بجانبٍ معينٍ من السينما، الفيلم
القصير، مهمشٌ أصلاً، ويُعتبر بمثابة خطوة نحو الأفلام
الطويلة، .. يحتاج إلى جهود، وتكاتف كلّ النقاد العرب
المُخلصين لمهنتهم، وليس النقاد الذين يدورون حول
أنفسهم، وذاتهم، وهمّهم الأساسي "أنا"،... وهذا يتطلّب
وقتاً طويلاً، وعملاً مؤسّساتياً، ولكنني...لستُ
متفائلاً.
·
توليت مسئولية تحرير مقالات المجلة طيلة الأعداد
السابقة -عدا العدد الأخير- ما هي آليات عملك أثناء
عملية التحرير؟
نعم، بعد الاتفاق على تيمةٍ معينة لعددٍ ما، كانت مهمة
إبراهيم الاتصال، والتواصل مع الصحفيين، والنقاد، وجمع
المقالات، ومن ثم تحويلها لي.
أبدأ بالقراءة، والتنقيح الشكليّ، واللغوي (وُفق
مستوايّ في اللغة العربية)، أهتمّ قدر الإمكان بعلامات
الترقيم، والتشكيل، أصحح الأخطاء الكتابية، واللغوية،
أحافظ على النصّ كما هو بدون تدّخلٍ، أو صياغةٍ جديدة،
لا أحذف أيّ كلمة، أو جملة، أمنح مساحةً كافيةً للمادة
الصحفية/النقدية، أختار الصور، أضعها في أماكنها داخل
النصّ لتسهيل مهمة المُصمّم، ومن ثمّ أرسلها له،
وحالما ينتهي من إنجاز العدد المعنيّ كاملاً، أراجعه
بدقة، ولا أهمل الإشارة إلى حقوق الملكية الفكرية
للصور، أو المواد المترجمة، ولكن، أحياناً يحدث هفواتٍ
لا يُمكن إصلاحها.
لم أفهم ما هو المقصود بـ "ماعدا العدد الأخير"، العدد
14 الخاص بتيمة "موت النقد السينمائي"؟ لا، لقد اخترنا
وائل سعيد مديراً للتحرير، ولكن، ما زلتُ أمارس نفس
مهامي في الأعداد السابقة، لا أرغب بأن أشغله
بمراجعاتٍ تقنية، وتحريرية.
·
ما هي ملاحظاتك على المقالات النقدية العربية عن
الأفلام القصيرة بشكلٍ عام، وهل تختلف عن الكتابة عن
الأفلام الطويلة مثلا؟
هي نفس الملاحظات عن المقالات النقدية العربية
"الأفلام الطويلة".
الناقد العربي، وبشكلٍ عامّ، تعوّد على سردّ الحكاية،
واللفّ، والدوران حولها، لأنه، كحال المتفرج العادي،
لا يجد في الفيلم أكثر من الحكاية، وهكذا، تعوّد على
هذا النمط من النقد، وأصبح بالنسبة للطرفين مقياساً،
ودعمَ ذلك الاحتفاء المجاني لهذه الكتابات في وسائل
التواصل الاجتماعي من نوع: تحليلٌ أكثر من رائع، وهكذا
أصبحت هذه الكتابة فعلاً "تحليلٌ أكثر من رائع"، هذا
هو النقد السينمائي إذاً.
أولاً: الناقد العربي يمارس مهمة "حكواتي المقاهي
الشعبية"، تقيلة دي مش كدا؟ استحمليني.
وتمنحه الأفلام الطويلة مساحةً "يحتمي" فيها، و"يحكي"
عن الفيلم، وأحداثه، وشخصياته (لاحظي التقارب بين
الكلمتيّن)، ولكن، عندما يشاهد فيلماً قصيراً، سوف يقف
عاجزاً أمامه، بسبب تكثيف أحداثه، كيف يمكن الكتابة عن
فيلمٍ مدته 5 دقائق؟ أو فيلم تحريك، أو تسجيلي، أو
تجريبي.. مشكلة.
ولهذا، عموماً، يميل الناقد العربي لمُشاهدة الأفلام
الروائية الطويلة، ويشاهد الأفلام القصيرة "تحلية"، أو
في المناسبات، أو في إطار عمله (مبرمج)، بالإضافة
طبعاً إلى طبيعة الفيلم القصير نفسه التي تحتاج إلى
تقنية نقدية مختلفة، كلّ هذه الأسباب، وغيرها، تجعل
الناقد العربي يتفادى الكتابة عن الأفلام القصيرة.
ومع ذلك، هناك ملاحظاتٍ للتأمل:
بدراسة مسيرة كاملة لناقدٍ سينمائيّ قديم، سوف نكتشف
بأنه لم يكتب عن الأفلام القصيرة أبداً، وحتى لم يكن
يشاهد أفلاماً قصيرة إلاّ في المناسبات (كانت الأفلام
القصيرة تُعرض في نادي السينما بالقاهرة، ولكن، لا أحد
يكتب عنها إلاّ نادراً).
وبدراسة المسيرة الكاملة لناقدٍ سينمائيّ مخضرم، وحتى
جديد، سوف نجد بأنه لا يهتمّ بمتابعة مهرجانات الأفلام
القصيرة خارج بلده، والمهرجانات البراقة وحدها هي التي
تثير فضوله (كان، برلين، فينيسيا، لوكارنو...)،
وللأمانة، في السنوات العشر الأخيرة ازداد فضول القليل
من النقاد الجُدد الطموحين بمتابعة بعض مهرجانات
الأفلام القصيرة التي سمعوا عنها من النقاد الخبثاء،
والمُشعوذين، والذين شجعوا هؤلاء على متابعة هذا
المهرجان، أو ذاك نظراً لأهميته الكبرى، وفقط، لأن
متابعة هذا المهرجان لن يكلف كثيراً للناقد، حيث يأتي
تاريخ انعقاده بعد مهرجانٍ كبير، أو يتداخل معه بأيامٍ
قليلة، ويمكن الحصول على تذكرة سفر تغطي المهرجانين،
يعني، يضرب الناقد عصفورين بحجرٍ واحدٍ، أو على طريقة
سينما الأحياء المندثرة "فيلمان بثمن تذكرةٍ واحدة"،
حلٌّ اقتصاديّ عبقريّ لم يكن يعرفه لا القدامى، ولا
الجُدد، ولكن، من كان يفعل هذا قبلهم؟ الراحل الجميل،
واللطيف فوزي سليمان.
وبمُراجعة الصحف، والمجلات العامة، والبرامج (وحتى
المُتخصصة منها)، سوف نجد بأن الاهتمام الأعظم لها
يتوجّه نحو الأفلام الطويلة، وتلك التي تُعرض في
المهرجانات البرّاقة تحديداً.
هذا "الانفصام النقديّ"، وهي ألطف من "الشيزوفرينيا
النقدية" لا يقتصر فقط على علاقة الناقد السينمائي
العربي بالأفلام القصيرة، ولكن، بكلّ الأنواع
السينمائية الرئيسية، والفرعية التي يتجاهلها (ورُبما
يحتقرها) لصالح السينما السائدة.
لهذا، سوف نلاحظ بأن الكتابات عن الأفلام متشابهة،
ومعظم النقاد ـ تقريباً ـ يكتبون عن نفس الأفلام
(وخاصةً في فترات المهرجانات الكبرى)، وبنفس الطريقة
السردية، وكأنهم ينقلون من بعضهم، أو ينسخون أفكار
بعضهم، إنها بالأحرى كتابات "دردشة مقاهي"، وللأسف،
أصبحت مقياساً للكثير من النقاد الجُدد،
والقارئ/المتفرج معاً...ماعدا بعض اللفتات المُضيئة من
هذا، أو تلك.
·
الاهتمام الأوروبي -الأجنبي عموماً- كبير بالمطبوعات
السينمائية سواء كانت عامة، أو متخصصة، لماذا الأمر
مختلف في الوسط السينمائي العربي؟
لا أعرف الأسباب، ولكن، لاحظتٌ اهتماماً أكبر، وحماساً
أعظم من الأجيال السابقة: سمير فريد، أحمد الحضري،
سامي السلاموني، أحمد رأفت بهجت، يوسف شريف رزق الله..
كان الكثير من هؤلاء يسافرون إلى المهرجانات
السينمائية على حسابهم، ويُصدرون مجلاتٍ سينمائية
شخصية على نفقتهم الخاصة، ولم يكونوا أثرياء، وينشطّون
نوادي السينما، وجمعيات الفيلم، وما كان متوفراً لهم
أقلّ بكثيرٍ مما هو متوفرٌ للأجيال الحالية.
بعض الأسئلة البريئة، والتي لا تستهدف أحداً، في
الأزمنة الأصعب، من أسّس المهرجانات السينمائية
الأهمّ: القاهرة، الإسكندرية، الإسماعيلية؟ ومن أسّس
نوادي السينما، والجمعيات؟ ومن كتب كتباً، وترجم،
وأصدر مجلاتٍ، وصحف؟
هذا من ناحية البارحة بالمُقارنة مع اليوم، أو
بالأحرى، النقاد القدامى بالمُقارنة مع النقاد الجدد.
بالنسبة للقارئ/المتفرج، هناك تفاصيل كثيرة رُبما تكشف
عن الأسباب:
ـ الفرنسيّ، على سبيل المثال، ومع كلّ ما هو متوفرٌ له
من إمكانياتٍ لمُشاهدة الأفلام، ما يزال حريصاً على
الذهاب إلى صالات السينما.
ـ الفرنسيّ، على سبيل المثال، وعلى الرغم من غلاء
المعيشة، وأسعار الكتب، ولكنه ما يزال حريصاً على
القراءة.
ـ الفرنسيّ، على سبيل المثال، يدفع ضريبة اقتناء
التلفزيون، وحتى أصحاب المقاهي، والمطاعم التي يتواجد
فيها أجهزة تلفزيون، أو راديو.
ـ الفرنسيّ، على سبيل المثال، يحافظ على حقوق الملكية
الفكرية، ويتفادى القرصنة.
ـ الفرنسيّ، على سبيل المثال، يقف في طوابير أمام
صالات السينما، والمسارح، والمتاحف، والمعارض، وحتى
كبار السنّ.
إنها منظومةٌ كاملةٌ، تطورّت، وتراكمت عبر السنين،
وأصبح البحث عن أسباب هذه الفروقات بيننا، وبينهم،
نوعاً من جلد الذات، و "ساديتي النقدية" ترغمني ـ
أحياناً ـ على جلد الآخرين.
دعونا نتأمل بعض ملامح الثقافة السينمائية العربية،
بدون حساسيات:
ـ في أهمّ بلدٍ عربيّ منتج للأفلام (مصر)، لا يوجد
مكتبة أفلام (سينماتك)، وفي نفس هذا البلد (مصر)، لا
يوجد سينما واحدة مُصنّفة صالة "فن، وتجربة" (لا أعرف
إن كانت صالة "زاوية" تدخل في هذا الإطار؟)، ويجب أن
ندعو بالخير ليلاً، ونهاراً لمن اخترع التقنيات
الجديدة التي تسمح لنا بمشاهدة الأفلام، والقراءة عن
السينما بلغاتٍ أخرى غير العربية (وهي ميزاتٌ لم تكن
تحلم بها الأجيال السابقة).
·
فكرتم في تكوين هيئة تحرير استشارية، لماذا جاءت
الخطوة متأخرة؟
كانت كلّ الأفكار موجودة منذ البداية، ولكنها تأجلت
عمداً، لأننا كنّا في مرحلة التأسيس، من الصعب أن نجمع
هيئة تحريرٍ استشارية مع عددٍ واحدٍ، أو إثنين، ولكن،
مع 13 عدد وضعنا هذا المشروع على الطريق.
خلال تلك الفترة، لاحظنا نوعاً من التحفظ من طرف بعض
الصحفيين، والنقاد، وحتى الحذر، والتوجس (كان صلاح
سرميني يوماً، وقبل الثورات العربية، يكشف عن السرقات
في الثقافة السينمائية العربية عن طريق مدونة عنوانها
"سرقات سينمائية" أرعبت الوسط النقدي العربي).
ومع فكرة هيئة التحرير الاستشارية، أردنا توريط أكبر
عددٍ من الصحفيين والنقاد، والأكاديميين، وتقريب
المشروع نحوهم، وجعلهم جزءاً فاعلاً منه، على الأقلّ،
المُساهمة التحريرية بدون أن تكون فرضاً، وعلى الأقلّ،
أن لا تُقال الأفكار، والآراء، والملاحظات من خلف
ظهورنا، في الخفاء، أو سرّاً، ولكن، تفضلوا، ساهموا في
المجلة بشكلٍ، أو بآخر، ..
رُبما أدركتِ الآن بأنني واضحٌ، وصريحٌ، وشفافٌ (يُقال
عنها وقاحة)، وأعرف بأنها قاسيةٌ عندما نسمعها.
في الحقيقة، كلمة "تطوير" كبيرةٌ جداً، ماذا يمكن أن
يفعل أحدنا لتطوير مجلة صدر منها 13 عددٍ حتى الآن،
والـ 14 بصدد التحضير، هل يجعلها مجلةً لأفلام الزومبي
مثلاً، أو يُشقلبها، ويجعل القارئ يتصفحها من الشمال
إلى اليمين، أم نصدر المجلة بالأبيض، والأسود، أو بدون
صور؟
"الهدف" من تكوين هيئة "استشاريٌّ" تماماً، مثلاً:
آية تقترح أن ننجز ملفاً عن الأفلام القصيرة في
باكستان، تفضلي، أمنية تريد أن تُخصّص عدداً عن أفلام
الثانية الواحدة، تفضلي، محمد يساهم في التحرير بدون
أن نجري خلفه، ونشحذ منه مقالاً، تخصيص مساحاتٍ حرّة
يكتب فيها أيّ مشاركٍ في هيئة التحرير عن أيّ موضوعٍ
يشاء، حتى عن الجنّ الأزرق.
المُساهمة، هي الكلمة المناسبة أكثر لمهمة/مهمات
الهيئة الاستشارية.
* يُعاد نشر الحوار بمُوافقة إدارة "مجلة الفيلم"،
السنة الخامسة، العدد الرابع، والعشرون، سبتمبر 2021 |