ـ أول مكان درستُ فيه النقد السينمائي هو (أكاديمية
نور الشريف)، كنت أجريتُ معه عدة حواراتٍ ضمن برامج
تليفزيونية عن أعماله، ومنها فيلميّ "ناجي العلي"،
و"العاشقان"، ولأني كنت أعتقد أنه يُدرك أنني معدة
برامج مجتهدة، ومثابرة جداً، ولأني أعرف أنه كان،
ولايزال يدعم الشباب، لذا عندما قررتُ ذات يوم تحقيق
حلمي في كتابة السيناريو، اتصلتُ به، وطلبت اللقاء
معه، وسألته عن الطريق الصحيح لتحقيق ما أصبو إليه،
فرشح لي كتباً لقراءتها، وأفلاماً لمُشاهدتها، وصرت
أشاهد أربعة أفلام يومياً في دور العرض السينمائي على
مدار فترة طويلة، كنت أدخل جميع الحفلات، وقتها لم أكن
أمتلك جهاز تلفاز، لأني كنت أقيم بسكن للمُغتربات،
فقررت شراء جهازيّ فيديو، وتلفاز، وبدأت أستأجر عشراتٍ
من شرائط أفلام الفيديو لأشاهد الأفلام القديمة،
وعندما بدأ أبي الروحي – كما يروق لي أن أناديه -
برنامجه المتميز "مع نور الشريف" على "قناة دريم "
عملت معه، وكان هذا بمثابة درس غالي، لأني، من خلاله،
درستُ بشكلٍ عملي أبجديات قراءة الفيلم، وتحليل
الشخصيات. كنت أتأمله وهو يقرأ الفيلم، ويشير إلى نقاط
الضعف، ومكامن القوة بلغة السينما، ومفرداتها. كانت
تجربة ثرية، وخصبة في حياتي، وأنا أدين له بالفضل في
ذلك، وكتابي "القتلة بين هيمنجواي، وتاركوفسكي" في
حقيقة الأمر هو نتيجة تأثري المباشر بـ"نور الشريف"،
لأني رأيته، وهو يرسم كادرات الأفلام في دأبٍ،
وإصرارٍ، وإخلاص، ويُحلل ميزانسين العمل، وكلّ تفصيلة
فنية بداخله في علاقتها بالكل، كما أنه أعطاني
سيناريوات أفلام، ومسلسلاتٍ لقراءتها، وكنا نتناقش في
بنائها الفني، كما أنني استعرت منه رواياتٍ عديدة
أضافت إليّ الكثير، خصوصاً أنني أثناء قراءتها كنت
أتأمل ملاحظاته في الهوامش حول الميزانسين، والإضاءة،
والديكور، والإكسسوار، والمؤثرات الصوتية، والموسيقى،
وبناء الشخصية، والحبكة، ولغة الحوار، إضافة إلى أنني
كتبت له سيناريو فيلم روائي طويل بعنوان "الشبكة" عن
رواية بنفس الاسم للروائي "شريف حتاتة"، وأثناء ذلك
عقدنا العديد من جلسات العمل، والنقاش، وحصل السيناريو
على جائزة من مسابقة "عبد الحي أديب" بمهرجان
الإسكندرية عام 2009، ....بصدقٍ شديد، أنا ممتنة
للفنان "نور الشريف"، لأنه دعمني، وشجعني، وأرشدني إلى
طريق الصواب في حياتي المهنية، وأثناء عملي معه التحقت
بالمعهد العالي للنقد الفني للحصول على الدبلوم، ثم
حصلت على الماجستير، والدكتوراة.
·
هل تعتقدي بأنّ النقد
السينمائي
مهنة، وهل يمكن أن تنقرض
يوماً؟
ـ يمكن أن يراه البعض مهنة، ويراه آخر "مهنة مَنْ لا
مهنة له"، وقد يقول ثالثٌ أنّ لكلّ إنسانٍ مهنة أساسية
إلى جانب مهنة النقد، لكن، عموماً، لا أعتقد أنها
ستنقرض، طالما هناك أشخاص يبحثون عن التميّز،
والاختلاف، هي مهنة تحتاج إلى جهدٍ، وصبرٍ، ودأبٍ
شديد، والعائد منها ضعيف، وأحياناً غير مجزي، وفي كثير
من الأحيان قد لا توفر حياة كريمة للمرء، مع ذلك، من
يحبها، سيواصل الطريق مهما كانت الصعاب، والعقبات.
·
هناك
الكثير
من
العرب
الحاصلين
على
درجاتٍ
علمية
عُليا،
ماذا
قدموا
للثقافة
السينمائية
العربية،
حيث
اكتفى
الكثير
منهم
بالتدريس
في
المعاهد،
والجامعات.
ـ يمكننا أن نعكس السؤال: ولماذا اتجه هؤلاء إلى
التدريس بالمعاهد، والجامعات؟ رُبما لأنه يُشبع ميولهم
أكثر، ويحقق لهم ما فشل مجال البحوث السينمائية في
تحقيقه، وأظنكَ تعلم أنّ الباحث في مجال السينما لو
ألف كتاباً قد لا يجد ناشراً يتحمس لنشره، لأن الثقافة
السينمائية غير مربحة، حتى المهرجانات السينمائية التي
تصرف ببذخ على مراسم الاحتفال، والسجادة الحمراء،
واستضافة النجوم مدفوعي الأجر الباهظ، إلى جانب
استضافة مئات الصحفيين، ...هذه المهرجانات لم تعد
تهتمّ بالثقافة السينمائية المُتمثلة في إصدار الكتب،
حتى إذا وجد الباحث داراً للنشر بعضها لن يدفع، والبعض
الآخر سيدفع مبلغاً لا يُشبع، ولا يُسمن من جوع.
كانت أفضل الأماكن للنشر موجودة في سوريا حيث "المؤسسة
العامة للسينما" التي انتهى أمرها الآن، وفي مصر
"الهيئة العامة للكتاب"، و"هيئة قصور الثقافة"، لكن
المردود المادي قليل، وهناك تكالبٌ عليهما، وعلى
المؤلف أن ينتظر طويلاً، وأنا بدوري أسأل: لماذا لا
تتبنى مؤسسة عربية ما، أو إدارة مهرجان سينمائيّ ما
تمويل الدراسات، والبحوث الخاصة بالسينما، والثقافة
السينمائية، وتنفق عليها مثلما تدعم مشاريع أفلام
السينما البديلة، او السينما المستقلة؟ إن دعم الكتابة
هو دعمّ للثقافة السينمائية.
·
هل
تفكري
بإخراج
الأفلام،
وهل
تعتقدي
أنه
بالإمكان
الجمع
بين
النقد،
والإخراج؟ |