هي فكرةٌ قديمةٌ خطرت في بالي، إجراء حواراتٍ مع نقاد
السينما العرب، صُناع الثقافة السينمائية، ولكن، كيف
بالإمكان الحوار معهم عندما يكون المُحاور نفسه مُتورّطاً
في نفس المهنة ؟ وما هي الأهداف المرجوّة منها؟ وهل يمكن
تحقيقها عملياً؟ والكثير من الأسئلة التي دارت، وتدور في
ذهني، وحالت دون إنجازها في وقتٍ سابق.
أعرف، بأنّ أيّ ناقدٍ يمتلك القدرة، والوسيلة الإعلامية كي
يكتب ما يشاء، حيث تعتمد طبيعة مهنته في جوهرها على
التوّجه إلى القارئ عن طريق الكتابة، أو القول، وأضيف
أيضاً، نشاطه للتعريف بالسينما
(عروضٌ
خاصة، جمعيات، نوادي، مراكز ثقافية، أسابيع أفلام،
مهرجانات،...)،
ولكن، فعلياً، وعملياً، أتخيّل بأنّ الناقد، ومهما كان
انغلاقه، أو انفتاحه، لا يكتب، أو يقول كلّ شيء، هناك
دائماً خواطر، وأفكاراً يحتفظ بها لنفسه على الرغم من
الحريات المُنضبطة، أو المُنفلتة التي سمحت بها وسائل
التواصل الاجتماعي، والمواقع، والمُدونات الشخصية.
ومن هذه الملاحظة، إنطلقت
رغبتي في محاولة فتح أبواب، ونوافذ الغرف السرّية للناقد
العربي، واكتشاف بعض ما تُخبئه من كلماتٍ لم يكتبها بعد،
أو يخشى كتابتها.
في هذه الحوارات، لا، ولن أدّعي، بأنّ كلّ ما سوف نقرأه
الآن، ولاحقاً، جديدٌ، ومتفرّد، ولكن، رُبما أستطيع إيقاع
هذا، أو ذاك في فخاخ، ومصائد كثيرة منتشرة في خفايا
الأسئلة، والأجوبة، أو نعثر على زلات لسانٍ، فضفضة، حالات
انفعالٍ، أو حتى غضب.
الطموح الأهمّ، أن تكون هذه الحوارات مفيدة، شيقة، ومختلفة.
الإشكالية المُؤقتة التي تخطر في بالي:
هل يتوّجب عليّ محاوراً بأن أبقى مُحايداً ما أُمكن في
تعريف القارئ بالناقد؟ وهل يحتاج أصلاً إلى هذه الخطوة
المُجامِلة، والتجميليّة إلاّ إذا كان يعيش في مجراتٍ أخرى
لا تصل كتاباته إلى كوكب الأرض.
بعد ثواني من التفكير، وجدتُ بأنّ الحل الأمثل
(والأسهل
طبعاً)،
ترك القارئ يُكمل مسيرته معه، أو التعرّف عليه بنفسه إن
كان فعلاً بحاجةٍ إلى تعريف، والطريقة المُثلى متابعة
نشاطه النقديّ، هذا يعني، بأنني سوف أتصنّع الموضوعية،
أزايد عليها، وأتاجر بها، وأغلف هذه الحوارات بذاتيةٍ
مزدوجة من الطرفين، وهل يمكن السكوت بعد اليوم عن توصيفيّن
مُزيفيّن:
نقدٌ موضوعيّ، وآخرٌ علميّ، حيث يبدو لي، بأنّ الأول خرج
من متاهات الحياد المُطلق، والثاني من أنابيب المخابر.
رُبما يبقى هذا الحوار مُنفرداً، وتتوقف السلسلة كما عادة
معظم مشاريعنا، أو ـ من يدري ـ يُضاف إليه حواراتٍ مع
نقادٍ آخرين من كلّ الأعمار، الخبرات، والتوجهات، لن أدغدغ
مشاعر الشباب منهم بحجة التشجيع، ولن أتملق من هم أقلّ
شباباً، في البداية، سوف أعتمد نموذجاً مُوحداً من أسئلةٍ
قابلة للتعديل، الزيادة، أو النقصان، أو حتى الازدراء،
الإهمال، والنسيان، الهدف، كما سوف يتبيّن لنا تدريجياً،
إثارة الجدل، وحتى المُناظرات الفكرية النقدية، ورُبما
المعارك البنّاءة، أو الهدّامة، لا فرق.
سوف تتطوّر الأسئلة، والأجوبة من خلال التواصل المُتبادل،
تتوقف، تُؤجل، أو تتجول في طرقٍ عريضة، معبّدة، ومريحة،
وأحياناً، في دروبٍ ضيقة، متعرّجة، وحتى مسدودة.
صلاح سرميني |