اقتباسا من اكتشاف (الأخوين لوميّير) للسينماتوغراف,
وفي الأدوار الرئيسية: أرليتي, جان غابان, بريجيت
باردو, آلان ديلون, وكاترين دونوف, وبمصاحبة موسيقى
ميشيل لو غران, وحوار جاك بريفير, قدم لوك بيسون
إنتاجاً ضخماً : فيلماً كبيراً يُلخص قرناً من عمر
السينما الفرنسية.
زحامٌ في الصالة, عربةُ قطار تتقدم ببطء, تقترب, ويبدو
بأنها سوف تخترق الشاشة, متفرجون مذعورين, يحاولون
الهروب..
وهكذا, وُلدت السينما في28 ديسمبر من عام 1895 في
Le Grand Café
في باريس, ولكن, في ذلك الوقت, لم يفكر أحدٌ بأنّ تلك
الصور المُرتعشة, والتي أصبحت اليوم مؤثرة ً إلى حدّ
بعيد, قد جاءت لتُعلن ولادة فنّ,.. الفنّ السابع.
مبهورين بما اكتشفوا, عمل الرواد منها عملة دانتون :
الجرأة, وأيضاً الجرأة, ودائماً الجرأة), تقدموا,
جربوا, و وجدوا.
وفيما كان (الأخوين لوميّير) ـ كما قالها يوماً (جان
لوك غودار) ـ آخر الانطباعيين, فقد أصبح (جورج
ميلييّس) الشاعر الأول لذلك الفنّ الجديد, وفي
الأستوديو الخاصّ به, امتلك الجرأة بإعادة تجسيد
أخبار: إدوار ال..على سبيل المثال, وبمساعدة الخدع
السينمائية العجيبة, صوّر حكايات خيالية قصيرة, ومنها
فيلمه الأشهر( رحلة إلى القمر) في عام 1902.
انتفض المتفرجون في مقاعدهم, وبعد سنوات, انتفضوا
أيضاً مع مشاهدة الحلقات الغامضة لمخرجها لويّ فويّاد
(أشباح), أو(مصاصي الدماء), وبدوره, قدم (آبل غانس)
عملاً ضخماً, ومن أجل فيلمه (نابليون) 1927 اكتشف
الشاشة الثلاثية, جدّة السنيراما, بكلّ بساطة.
الواقعية الشعرية في الثلاثينيّات
مفاجأةُ جديدة, في بداية الثلاثينيّات, تجمّلت السينما
بالكلمة, وكما اعتمدت عليها بحرية, سرعان ما انتقد
البعض استخدامها بشكلّ مُفرط, كما يمكن أن نتحدث كثيرا
عندما يتحاور ساشا غيتري, مارسيل بانيّول, أو جاك
بريفير بدلاً عنا.
تعترض (أرليتي) بسخطّ في فيلم (فندق الشمال) : جوّ,
جوّ, هل لي وجه جوّ؟
يرتجفُ صوت (ميشيل سيمون) عندما يتحدث إلى(لويّ جوفيه)
في فيلم (دراما مضحكة):
ـ أؤكد لك يا إبن العمّ العزيز, بأنك قلتَ غريب, غريب.
ويردّ الأخر:
ـ أنا قلتُ غريب ؟ كم هذا غريب..
كان الممثلون هم ملوك الحفل : رايّمو, فرنانديل,
فيفيان رومانس,..
منذ أنّ وشوشها في فيلم (رصيف الضباب):
ـ عيناك جميلتان, هل تعرفي ذلك ؟ جان غابان, وميشيل
مورغان شكلا عاشقا السينما الفرنسية بدون مُنازع.
وفيما بعد, لم يكن يحلف أحدٌ بغير (دانيّيل داريّو),
ولبست النساء, وصففن شعرهن, وغنيّن مثلها خلال تلك
السنوات السوداء من الاحتلال, حيث كان قلب الفرنسيين
يخفق ُمختبئاً, كما حال العشاق المنتصبة لفيلم (زُوار
المساء).
مع نجاح (أطفال الجنة) لـ(مارسيل كارنيه), والذي
أُعتبر واحداً من أفضل الأفلام في تاريخ السينما,
وازدهار نوادي السينما, بدأت صفة (مؤلف). تفرضُ نفسها
في جريدة (ليبراسيون).
اضمحلت شهرة النجوم لصالح السينمائيين, وعوالمهم :
(جاك تاتي) وفيلمه (يوم العيد), (روبير بريسون)
و(سيدات غابة بولونيا), (جان كوكتو) و(الحسناء
والوحش),...
من بين الأكثر عناداً دفاعاً عن (سينما المُؤلف) في
مجلة دفاتر السينما ـ
Cahiers du cinéma
ـ الناقد (أندريه بازان), وأتباعه, والشاب (فرانسوا
تروفو).
في بداية الخمسينيّات, وبينما (فرناندل) في أوج ....في
فيلم (دون كاميليّو), و(جيرار فيليب) يجرّ كل القلوب
خلفه في (فان فان, زهرة التوليب), احتج (تروفو) بغضب
ضدّ سينماه العزيزة التي كان يعتقد بأنها وقعت في أيدي
التقنييّن الباردة, وبلا أيّ روح, على أيّ حال, دافع
(تروفو) بحماس عن رينوار, بريسون, بيكر, أو ماكس
أوفولس, وأيضا,ً عن نجمة صاعدة, كان يهاجمها الجميع,
هي(بريجيت باردو).
والتي أصبحت, بعد بعض الأفلام المتواضعة, النجمة
الكبرى في السينما الفرنسية, في عام 1956, ومع فيلم
(خلق الله المرأة ) للمخرج (روجيه فاديم), لم تُثر
فضيحةً لأنها سقطت في المعصية, ولكن, لإمكانية
ارتكابها, لو دفعها قلبها لذلك, إنها حريتها بأن
البورجوازية ـ والتي هي نفسها منها ـ تحكم بأنها غير
محتملة, لقد قضت (بريجيت باردو) على ما راكمته فترة ما
بعد الحرب من الهدوء, والدقة.
بعدها, تفجر كل شئ, برعونة عبقرية, بدءاً من (على آخر
نفس) يغتصب (غودار) قواعد السينما, وتصور(آنييس فاردا)
الشوارع في فيلم (كليّو من خمسة لسبعة),
وتطوّر(أنطوان دوّانيل) قرين (فرانسوا تروفو) في
الأربعمائة ضربة), و(الحبّ في سنّ العشرين), و(قبلات
مسروقة).
(باردو), وثورة الموجة الجديدة
يكتشف (جاك ريفيت) في (باريس التي تخصّه) متعاونين
بلزاكييّن, وينتهي (إيريك رومير) من”حكاياته
الأخلاقية”, ومنها(ليلتي عند مودّ) الأكثر شهرةً,
ويكتشف (جاك دومي), و(ميشيل لوغران) مع (مظلات
شيربورغ) نوعاً جديداً : لا هو كوميديا موسيقية, ولا
هو أوبرا, فقط, فيلم, (غنائيّ), وجيلٌ جديد من
الممثلين يمثلون تلك الأفلام, حيث نتجرأ بكلّ شئ :
كاترين دونوف, وأختها, فرانسواز دورلياك, جان مورو,
آنا كارينا, برناديت لافون, وبالتأكيد, جان بول
بولموندو, الذي يذهب من (على آخر نفس) إلى (بيّيرو
المجنون) لـ(غودار), مروراً بـ(رجل ريّو) لمخرجه
(فيليب دو بروكا), ويغيّر صورة الممثل التقليديّ
الشاب.
كانت العشرية التي تبعتها أقل مغامرةً, لقد أصبح
الممثلون الشعبيون في الأربعينيّات, وحتى الخمسينيّات
من أعمارهم, فيليب نواريه, ميشيل بيكولي, إيف مونتان,
يصور الثلاثة مع محبوبة الفرنسيين : رومي شنايدر,
الأول في (بنادق عتيقة) لـ(روبير إنريكو), والآخران
بقيادة (كلود سوتيه) في فيلم (أشياء الحياة), و(سيزار,
و روزالي).
وأصبح (سوتيه) شاعر فرنسا, حيث يختبئ القلق تحت تقليد
من العيار الجيد, رائعٌُ, كلّ ذلك رائعٌ تماماً.
من احتج , دفع الثمن غالياً, انتحر(باتريك وايير),
وسنوات فيما بعد, مات (جان أوستاش), بعد أن أخرج
فيلماً فظاً عن عدم الرضى, والتشاؤم : (الأمّ,
والعاهرة), ومع ذلك, كشفت السبعينيّات عن ثنائيّ من
النجوم : إيزابيل أدجاني, وجيرار ديبارديو, بدورها,
كانت تظهر نادراً على الشاشات, ولكن, في كلّ مرة,
يُعتبر ذلك حدثاً, من (حكاية آديل هوغو) إلى (الملكة
مارغو), بينما امتلك (ديبارديو) شهية التمثيل, مع
الوقت, شقيّ (راقصات الفالس) يمثل زولا(جيرمينال),
وبالزاك(الكولونيل شابير), ماذا حدث ؟ خلالها؟
الكثير من الأشياء, لقد توفيّ (جاك دومي), و(تروفو)
أيضاً, بعد أن صور اثنين من أجمل أفلامه: (المرأة على
الجانب الأخر), و( أحدٌّ جميل) مع (فاني), والتي يبدو
بأنها جاءت من بلد لم يوجد بعد ـ بمقتضى تعبيرهاـ
أردان ـ جيلٌ من الذين يعشقون الجمال, عبقرياتٌ صغيرة
من الصورة الجميلة, : منزل (ديفا) أصبح أيضاًَ أكثر
شهرةً من فم (بياتريس دال), في 37.5 درجة صباحا)ً,
لـ(جان جاك بينيكس), وقد وجد الشباب مثلاً أعلى في
شخص (لوك بيسون), بعد أن شاهدوا له (الأزرق الكبير)
عشرات المرات, وأصبح (كريستيان كلافيّيه) لويّ دو
فونيس لـ(جيرار أوري) مٌعاصر : جان ماري بواريه, مخرج
(الزوار).
في ساعة جردات الحساب, ليس كلّ شيئ وردياً, ولكنّ
السينما الفرنسية حاضرة, وأكثر من ذلك, تساعد على وجود
السينمات الأخرى.
لا(كعاب مُدبّبة) للإسباني (بيدرو ألمودوفار), ولا
(أزرق, أبيض, وأحمر) للبولوني (كريستوف كيسلو فسكي) لم
يكن لهما أن يريا النور, بدون نظام الدعم الحكومي,
والذي ينتقده البعض, وتغار منه الكثير من الدول
الأوروبية.
ومن ثم, أيّ شريحة من المؤلفين, (آلان رينيه) صوّر
فيلمه الأكثر تجديداً (ببذلة رسمية, بدون بذلة رسمية),
و(أندريه تيشينه), وعلى الرغم من عمره, ينجح فيلمه
الأكثر حريةً(أعشاب القصب المتوحشة), ومن ثم (جان بول
رابينو) (الهوسار فوق السطح) مع (جولييت بينوشيه),
و(برتران تافرنييه) مع فيلمه
(l'Appât),
و(كلود لولوش) مع فيمله (بؤساء القرن العشرين).
ولم يكن الشباب في حالة راحة : أرنو ديبليشان, لورانس
فيريرا باربوسا, ماريون فيرنو, توني مارشال, باسكال
فيران, ماتيو كاسوفيتس,.....هذه السينما الفرنسية
العجوز, المئوية عمراً, حيّةً, وتقرر دائماً, وأبداً,
بأن تظلّ.