يعود «كتاب السينما» إلى الصدور بعد خمس سنوات من
صدرو العدد الثالث.
خلال هذه السنوات، لم ينقطع السؤال حقيقة عما آل
إليه هذا المشروع ولماذا توقف ومتى سيعاود الصدور.
وإن دلّ هذا الاهتمام على شيء فهو أن القراء، من
مختصين وهواة أدركوا قيمة هذا العمل الذي يسعى
لأدائه على صعيد الثقافة السينمائية .
ولا بأس هنا من إعادة تحديد الأهداف المناطة بـ
«كتاب السينما»:
أولاً، هذا الكتاب دليل لكل ما شاهده الناقد من
أفلام خلال عام كامل. هذه الأفلام لا تعرف نوعية
محددة، قد تكون روائية أو تسجيلية أو تلفزيونية أو
كرتونية. وقد تكون فنية أو تجارية، أميركية أو
بولندية أو مصرية أو كوبية. المهم أن يعكس الكتاب
الانتاجات التي تم عرضها في الأسواق التجارية
والمهرجانات المختلفة معوضة عدم تمكن القاريء من
مشاهدتها، إلا في نطاق محدود، وملبياً رغبته
الوقوف عندها وما تعبر عنه من مضامين وتيارات
واتجاهات متباينة.
ثانياً، يوفر «كتاب السينما» نظرة شاملة، ليس على
الأفلام فقط، بل على صانعيها من مخرجين وممثلين
وفنيين. بذلك يقدم للقاريء بلورة متكاملة من
المعلومات والآراء، إلى التزامه في تزويد الثقافة
السينمائي التي اعتاد على متابعتها عبر الصحف
والمجلات، وبطبيعة الحال يضيف إليها مع تمتعة
بهامش أوسع من الحرية على أكثر من نطاق، فلا يخضع
لمساحة معينة (مع مراعاة الشروط الفنية من ناحية
التصميم والإخراج) ولا لسطوة صفحة إعلانية أو رئيس
تحرير قسم أو سواه. والمادة المنشورة هي ذاتها
التي كتبها الناقد مجبولة بحرصه على إيصال الثقافة
السينمائية على نحو يثير الرغبة في المطالعة
والمعرفة.
ثالثاً، هذا جهد فردي من جوانبه كافة، لكن ذلك لا
يعيقه الالتزام بضرورة خروجه على نحو فني جيد
وبتبويب مثير وأسلوب عمل سلس. الكتاب السينمائي
يجب ألا يبقى حبيس الوضع الاقتصادي الصعب بالنسبة
للكتب المختصة، بل عليه أن يأخذ المبادرة في
استنفاد كل معطياته الممكنة ليكون عملاً صحافياً
متكاملاً في الوقت نفسه، بإخراج جيد، مع صور ملونة
قدر المتاح، كي لا تبقى الثقافة السينمائي مجموعة
من الأوراق الخشنة والكلمات المكدسة والصور غير
الواضحة. ولو جاء هذا الكتاب (أو أي من أعداده
السابقة على هذا النحو) لبدا قريباً من دليل
الهاتف تستخدمه عند الحاجة فقط، بينما المقصود هنا
هو أن تتم مطالعته في أي وقت وبنهم.
عدد وراء عدد يأمل الكتاب تأليف مرجع شامل يستعان
به للبحث عن رأي أو معلومات عند الحاجة إليها. مثل
كل سلسة في أي حقل، يؤدي التراكم إلى مسايرة
زمانية تلم وتشمل التحولات الاجتماعية والسياسية
القائمة وتؤرخها من وجهة نظر النشاط السينمائي
الذي تعامل معها إو تأثر بها.
ومع مقارنة هذا العدد مع الأعداد الثلاثة السابقة
يمكن رصد التطور والتغييرات التي تمت في نطاق هذا
الكتاب التي تؤدي إلى كل ما سبق بشكل أفضل من
ناحية الكتابة والتبويب. فعوض الاكتفاء بأفضل عشرة
أفلام لتقديمها وعرضها تم توسيع الاطار إلى أكثر
من ثلاثين فيلماً. وأضيفت ملاحق معينة إلى حيث
يمكن استغلال فرصة التطرق إلى فيلم معين من أجل
إلقاء نظرة على التيار الذي ينتمي إليه، ما يؤلف
مباشرة مزيداً من شمولية الطرح ورصد الاتجاهات
القائمة. كذلك إلحاق المقالات والمقابلات بالأفلام
التي تنتمي إليها بدلاً من ابقائها منفصلة. بذلك،
قبض الكتاب، ولأول مرة على هذا النحو، على جملة
قضايا معظم الأفلام المستعرضة فيه حيث صار من
المقبول الادعاء بأن العديد منها يؤلف ملفاً
قائماً بحد ذاته ويجيب عن كافة الأسئلة أو يحتوي
على عصارة الجوانب الرئيسية للعمل.
وهناك تغييرات مهمة أخرى من الاجدى تركها تتحدث عن
نفسها. المهم هو أن هذا العمل الواقع بين دفتين
طموحتين يقف على أول درجة في سلم النتائج التي
مهدت إليها الإصدارات الثلاثة السابقة. الكتاب كما
هو الآن ما عاد تجربة، بل تنفيذاً. صحيح انه سيبقى
أبداً خاضعاً لضرورات التحسين والتطوير لكنه وجد
معادلاته الدقيقة التي يريد أن يتألف منها ويتقدم
وهي كلها تسعى لقاريء ذكي، مثقف، هاوِ عاشق
للسينما والفنون، إيجابي في تطلعاته، غير منهزم،
عملي يطلب النقد كوسيط بينه وبين الشاشة ويقدر
قيمتي الرأي والمعلومة.
الأهم وفي زمن اختلطت فيه الأمور كثيراً هو أنه
قاريء موجود، هو يقيناً موجود على الرغم من
الاعتقاد الشائع والناتج غالباً من تراكم
الاحباطات والاخفاقات الفردية والعامة.
أخيراً،
من حق القاريء علينا أن نعلمه أن أسباب توقف
الكتاب عن الصدور في السنوات الماضية كانت مختلفة،
جزء منها كان مادي بالطبع خاصة وأن الكتاب ينجح
بوجود سوق مستقرة وهو خرج إبان تقلبات وأحداث أثرت
في شتى مسار حياتنا ولا تزال. على رغم ذلك تمت
كتابة العدد الرابع ثلاث مرات ألغيت كلها بسبب من
مرور الزمن على موادها. ثم جاء هذا الإحساس الدفين
ذلك الذي يأتي من ثنايا القلب البعيدة ليخبرك بأن
هذه المرة هي التي سينجز فيها هذا العمل على الرغم
من كل الظروف المحيطة لا تعرف لماذا هذا الإحساس
وما مصدره خاصة وأن الظروف ما زالت على حالها لكنك
تعلم ان هذه المرة هي المرة الفعلية التي سيقرأ
غيرك الكلمات التي كتبتها. هذه المرة.
المؤلف
محمد رضا