سؤال في الهوية
وُلدت السينما العربية من رحم اختراع غربي. لم يجد
أحد تعريباً وافيا لإسمها لذا ما زالت تحمل كلمة
«سينما» كتعريف. البعض حاول إطلاق كلمة « الخيالة
» عليها لكن الإسم لا ينطبق فقط عليها، بل على كل
من يركب الحصان أيضاً.
كذلك الحال بالنسبة لكلمة فيلم. فضّل البعض تسميته
ب« شريط » لكنه قد يكون شريطاً كهربائياً، أو
شريطاً من الأسلاك الشائكة أو واحداً من تلك التي
تحمل عبارة
«
ممنوع الإقتراب ».
في النهاية هي ما زال أسمها سينما والفيلم ما زال
إسمه فيلم وهذا جيد وليس من المطلوب ولا من
الواجب. إذاً ما المشكلة؟
المشكلة هي أن من بحث في هذه الحالة من قبل، وعلى
مراحل متقطّعة وحتى وقت ليس بالبعيد، كان يحاول
تعريب الفن السينمائي ومنح العرب ملكيّة ما
ينتجونه من أفلام. وبصرف النظر عن صوابية بعض ما
في هذه الرغبة، الا أن الحاجة الفعلية كانت، وما
تزال، تطوير السينما العربية من الأساس وما بعد.
وهذا من بعد الإتفاق على تفصيلة صغيرة لابد منها.
هل هي بالفعل سينما عربية؟ أم هي سينمات عربية؟ أم
من الأجدى تقسيمها حسب بلدانها بحيث نلجأ إلى
تحديد البلد والكف عن اعتبارها عربية بالمجمل؟
في الواقع لا ضيم مطلقاً اطلاق إسم « السينما
العربية » على مكوّنات هذه السينما كدول إنتاج.
هذا الإسم فعلي، تماماً كما نقول «سينما أفريقية»
و « سينما أميركا اللاتينية » أو « سينما آسيوية »
أو « أوروبية» ولا أجد من يشكو في تلك السينمات أو
يرفض.
في الوقت ذاته يمكن لها تسمية سينما لكل بلد، فهذه
سينما سعودية وتلك سينما مغربية أو مصرية أو
جزائرية الخ… بالتالي لا يوجد تناقض بين الحالتين.
ما هو موجود محاولة البعض، وبدوافع سياسية حيناً
ووطنية
حيناً أخرى، نفي السينمات العربية بإستثناء تلك
المنتجة في بلد داوم على فعل الإنتاج طويلاً.
تبعاً لذلك، لا توجد، حسب هذا المفهوم وحده، سينما
سعودية ولا تونسية ولا لبنانية ولا عراقية ولا
جزائرية ولا معظم السينمات الأخرى، لأنه- حسب ذلك
التعريف- لا تملك مقوّمات صناعة كاملة.
هذا المفهوم الخاطئ من تلك التي تبناها البعض من
قبل وما زال آخرون يتبنونها إلى اليوم على أساس
إنه لابد للدولة أن يكون لها تاريخ من
الإنتاج وهيكل من الصناعة قبل أن يُكنّى أن ما
تنتجه هو « سينماها » أو
»
سينما لها
«.
هذا بدوره غير صحيح وغير ضروري على الإطلاق.
لنأخذ تاريخ المملكة العربية السعودية في البال.
إلى جانب ما أنتجته من أفلام داخل حدود الدولة
ومنذ عقود، هناك الحقيقة الغائبة عن تلك المفاهيم
وهي إن الإنتاج يمكن له أن يتم خارج الحدود أيضاً.
بذلك ما تم تمويله
من أفلام مصرية في الثمانينات والتسعينات (سواء
عبر شركات سعودية أسست للغاية أو عبر القنوات
التلفزيونية التي نزلت إلى ساحة التمويل)
هي أفلام سعودية.
الحكم هنا هو النسبة الغالبة من التمويل وهوية بيت
الإنتاج الأول الذي تم له تبني العمل في مرحلته
الأولى مباشرة بعد كتابته. نأخذ بعين الإعتبار
نسبة المساهمة المالية في مراحل الإنتاج. فالفيلم
قد ينطلق من بلد ما متحمّلاً تكاليف التأسيس ثم
يصل إلى مفترق طرق: هو إما سيجد التمويل كاملاً من
الشركة الأم أو من شركة من البلد ذاته، أو سيبحث
عن شريك من الخارج. البحث عن هذا الشريك سيفتح
الباب أمام النسبية.
بالتالي لدينا اليوم ثلاث فئات
من الإنتاجات: فئة وطنية- محلية مئة بالمئة، وفئة
مناصفة أو شبه مناصفة مع دولة أخرى (أو أكثر)،
وفئة تخرج من الكُم المحلي بالكامل حين تلجأ إلى
تأمين أكثر من 70 بالمئة من الميزانية المطلوبة من
دولة أخرى.
داهمتني هذه الحقيقة حين بدأت وضع كتبي المرجعية
عن السينما تحت عنوان « كتاب السينما: الدليل
السنوي للسينما العربية والعالمية ». في
الثمانينات كانت معظم الأفلام حول العالم ما زالت
تتم بتمويل ذاتي من دولها. اليوم، ومنذ عدة سنوات،
ذات الإتكال على التعاون ما بين المشروع المحلّي
ودول خارج الحدود، والعديد منها أجنبي وليس
عربياً. في الواقع الإنتاجات العربية- العربية
منحسرة أكثر من أي وقت مضى والإنتاجات العربية-
غير العربية (أوروبية أساساً) مرتفعة أكثر من أي
وقت مضى.
الوضع الذي كان عليّ أن أعمد إليه حين بدأت هذا
الكتاب (على أمل أن يكون الأول في سلسلة سنوية
تعني بإنتاجات كل عام على حدة) هو حل هذه المعضلة
لكي لا تعترض الرغبة التوثيقية لهذا الكتاب. في
الوقت ذاته، كان عليّ أن أتجاهل ما يذهب إليه بعض
الزملاء من النقاد معتبرين أن هوية الفيلم تتبع
هوية المخرج.
هذا ليس صحيحاً على الإطلاق والا لكان فيلم هيفاء
المنصور
Mary Shelley
الذي توزّع أساساً بين
بريطانيا (بيت الإنتاج والتمويل الأول)
وبين الولايات المتحدة، فيلماً سعودياً. فيه
تناولت موضوعاً غربياً كاملاً إذ دار حول حقبة من
حياة الروائية البريطانية ماري شيلي
(Shelly)
الذي
اشتهرت برواية « فرانكستين » وتم تصويره في
أيرلاندا ودوبلين ولوكمسبورغ وفرنسا.
لكن لو أن الفيلم ُ موّل من قبل مؤسسة أو شركة
سعودية لكان الفيلم، رغم موضوعه وشخصياته ولغته
وأماكن تصويره، فيلماً سعودياً.
قس على ذلك العديد من المخرجين الذي يتو ّ جهون،
مباشرة أو عبر منتجيهم، إلى الدول الأجنبية لتأمين
التمويل المطلوب.
لهذا الكتاب، وضعت البلد- المنشأ والبلد المُضيف
(إذا وُجد بنسبة غالبة) حين كان لابد من تحديد
هوية للعدد الكبير من الأفلام على أساس إنه كتاب
توثيقي ومرجعي بصرف النظر عمن قام بدفع معظم
فاتورته. وفي الوقت الذي توجد فيه نسبة لا بأس بها
من الأفلام العربية تؤ ّ من تمويلها من دول
أوروبية (أهمها في هذا المجال فرنسا، بلجيكا،
ألمانيا، بريطانيا) إلا أن ذكر البلد المنشأ يصير
لزاماً لتحديد بيت الإنتاج الأول ونقطة
انطلاق المشروع في رحلته حتى بلوغه مرحلة العرض.
لا يخفى، طبعاً، أن العديد الغالب من الأفلام كانت
محلية الصنع ولم تدخل دروب الحاجة لتأمين
ميزانياتها من الخارج. وهذه هي أيضاً حقيقة
أساسية.