في موازاة ذلك، نتابع محاولات صحفية إيرانية شابة،
تدعى رحيمي «تؤدي دورها زار أمير إبراهيمي، الفائزة
بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان عن هذا الدور.
والشخصية هي خيالية مختلقة»، تسعى إلى تغطية الأحداث،
والكشف عن هوية القاتل المجهول، مقتنعة بأن السلطات
متواطئة معه لأنه ينوب عنها في تطهير المدينة؛ لذلك لا
تقوم بمساعٍ جادة في الكشف عن القاتل والقبض عليه.
الصحفية تقوم بوضع خطة للإيقاع به، بمساعدة صديق صحفي
«اختاره القاتل لنشر تفاصيل جرائمه» وذلك بالتظاهر
أنها مومس. وبالفعل تنجح في مهمتها وتوشك أن تقع ضحيةً
له، غير أنها تنجو وتبلغ الشرطة عنه.
الواقع القمعي، الوحشي، الذي تعيشه المرأة الإيرانية،
إذ هي دومًا متهمة ومدانة حتى لو كانت ضحية، لا نجده
فقط في سوء معاملة المومسات وإذلالهن، لكن أيضًا في
التعامل المشين مع الصحفية التي تتعرَّض للازدراء،
والتحرش الجنسي حتى من الضابط الذي يحقِّق في الجرائم.
هذا الوضع لا يقل إرعابًا عن حوادث القتل.
عندما يتم القبض عليه، وتقديمه إلى المحاكمة، يجد
القاتل تعاطفًا معه من قِبل عائلته وأصدقائه وأهالي
منطقته وعدد من أفراد السلطة، معتبرين إيَّاه بطلًا
قوميًا. وهو يتوهم، أو يوهمه البعض، أن محاكمته صورية،
وسوف لن يُنفَّذ فيه حكم الإعدام، بل سيتم تهريبه إلى
مكان آخر. لكن يبدو أن هناك ضغوطًا من جهات عليا ترى
ضرورة تنفيذ حكم الإعدام شنقًا. والفيلم يوحي باحتمال
أن يقوم ابنه المراهق بمواصلة الرسالة المقدسة في
تطهير المدينة.. إذ ينتهي الفيلم بالصبي وهو يشرح
كيفية قتل النساء خنقًا، وهي معلومات نقلها إليه والده.
سبق للمخرج علي عباسي أن حقَّق فيلمًا من النوع المرعب
بعنوان «شيلي» «2016»، وآخر بعنوان «حدود»
«Border – 2018».
في فيلمه الثالث «العنكبوت المقدس» – وهو لقب القاتل –
يعتمد عباسي المسار السردي الخطي، من دون تعقيدات أو
تداخلات في البناء، ملتزمًا بالواقعية في التناول
والمعالجة. الفيلم، عبر كاميرا غالبًا ما تكون محمولة
باليد، يبدأ بتتبع إحدى ضحاياه، انتهاءً بمقتلها
خنقًا. ثم نرى القاتل في حياته المهنية والعائلية
الهادئة والبسيطة. بعد ذلك نتابع تحريَّات الصحفية،
القادمة من العاصمة طهران.
وقد صرَّح عباسي أن الفيلم ليس قصة واقعية، بل تأويل
للواقع. وأن غاية الفيلم هي أن يروي الحقيقة عبر
التأويل القصصي أو الخيالي لأحداث حقيقية. وقال: «كنت
أعيش في إيران، وقت وقوع تلك الجرائم. ومثل الآخرين،
كنت أتابع الأحداث عبر الصحف، لكنها لم تثر انتباهي
إلا حين أخذ قسم معيَّن من المجتمع الإيراني في وصف
القاتل بالبطل غير الأناني الذي يخدم مجتمعه، متجاهلين
حقيقة أنه مجرد شخص مريض يقتل النساء».
المخرج صوَّر فيلمه، الناطق بالفارسية، في عمَّان،
بالأردن، بعد رفض السلطات الإيرانية السماح له
بالتصوير في مشهد. وهو إنتاج دنماركي، ألماني، سويدي،
فرنسي مشترك. |