فيكتور كوساكوفسكي
VictorKossakovskyمخرج
روسي مجهول تخصص في الأفلام الوثائقية، وكشفت أفلامه
عن طاقة إبداعية متميزة وفريدة.
مجلة
Sight and Soundالسينمائية
البريطانية نشرت في عددها الصادر في نوفمبر 2013، عشرة
قوانين أو دروس قدمها كوساكوفسكي، وعلّق عليها
السينمائي روبرت جرين.
أفلامه الوثائقية مبتكرة، فاتنة، غامضة، صارمة، هازلة،
حسّية، كونية، تتسم بالخداع البصري والواقعية السحرية.
لا تشبه غيرها من الأعمال الوثائقية. رصد مرهف للناس
والأمكنة. وقد نجحت أفلامه في لفت الأنظار، وانتزاع
إعجاب النقاد والجمهور بعد مشاركاته، في السنوات
الأخيرة، في المهرجانات الدولية وإحرازها لعدد من
الجوائز، وصار كل عمل جديد له حدثاً يترقّبه النقاد
بشغف.
هذه هي قوانينه العشرة، لنتأملها:
1ـ «لا تصنع فيلماً إن كنت تقدر أن تعيش من غير أن
تصنع فيلماً».
القوة المحرّكة لا تبدو أنها ذات صلة شخصية بأيٍ من
الأماكن الخاصة. يقيناً الفيلم ليس مصنوعاً لنقل
رسالةٍ ما، أو لإصدار بيان بشأن الطريقة التي بها
تتواصل شعوب العالم، على الرغم من وجود إيجابية تتخلل
كل صورة.
كوساكوفسكي لا يخرج أفلامه فحسب، بل يصورها ويمنتجها
أيضاً. إنه فعل تعبير فني مطلق. كل منظر طبيعي آسر هو
ذاتي، بالطريقة ذاتها التي تكون فيها اللوحة غالباً
صورةً شخصيةً.
2 ـ«إن أردت أن تقول شيئاً، قله أو اكتبه.. لكن لا
تصنع فيلماً. لا تصنع الفيلم إلا إذا أردت أن تعرض
شيئاً، أو أردت من الآخرين أن يروا شيئاً. هذا يتصل
بالفيلم ككل، وبكل لقطة مفردة ضمن الفيلم».
أفلام كوساكوفسكي هي عن الرؤية. في أحد أفلامه،
الكاميرا تتابع سيارة تنطلق من جسر في منطقة
بالأرجنتين. وفيما السيارة تعبر تحت الكاميرا، تنقلب
الصورة رأساً على عقب، وهذا يتيح للمخرج أن ينتقل إلى
طريق عام مزدحم في شنجهاي (أيضاً الصورة مقلوبة). ثمة
خاصية هذيانية للصورة المقلوبة التي تعرض لنا السيارات
المنطلقة بسرعة في اتجاه الكاميرا. ثمة حسيّة،
سوريالية تقريباً، معروضة هنا. هذه الصور لا يمكن
التعبير عنها بكتابة موجزة، أو بالوصف، أو عبر مقالة.
هذا استخدام مغامر وجسور لسينما في شكلها الأنقى.
كوساكوفسكي لا يريد لنا أكثر من أن نرى العالم المادي،
المألوف، بطريقة جديدة.
3 ـ«لا تصنع فيلماً إن كنت تعرف رسالتك سلفاً وقبل أن
تنجز الفيلم. عندئذ أترك الفيلم ومارس التدريس. لا
تحاول أن تنقذ العالم. لا تحاول أن تغيّر العالم.
الأفضل، أن يغيّرك فيلمك. اكتشف العالم وذاتك معاً
بينما تحقق الفيلم». فيلم كوساكوفسكي
Vivan Las Antipodas
هو عن كوكب الأرض، لكنه يخلو من أي بيانات شديدة عن
العولمة أو الاستغلال الاقتصادي أو أيٍ من الموضوعات
الأخرى العديدة التي تحفل بها أغلب الأعمال الوثائقية.
حوت ميت يظهر على الشاطئ، على نحو سحري يعاد تخيله
كتكوين صخري على الجانب الآخر من العالم، قبل أن يقطّع
بالمنشار إلى شرائح. ليس ثمة أي رسالة يراد إيصالها.
محض سينما.
4 ـ«لا تصنع فيلماً عن شيء تكرهه. لا تصنع فيلماً عن
شيء تحبه. حقق فيلمك عندما لا تكون على يقين إن كنت
تكرهه أو تحبه. الشكوك حاسمة في عملية خلق الفن. حقق
فيلمك عندما تكره وتحب في الوقت ذاته».
يتصور المرء أن كوساكوفسكي يشعر بالإثارة، مثل الطفل،
حين يكتشف أن بإمكانه حقاً أن يسافر عابراً العالم
ليحقق فيلمه. لو رأيته وهو يتحدث، سوف تلاحظ حتماً
ابتسامته العابثة، الصبيانية. كل صورة في فيلمه تنصهر
مع هذه الروح الباحثة، الهازلة، اللعوب. كل الأعمال
الوثائقية العظيمة هي عن البحث بقدر ما هي عن الموضوع.
يا لها من صورة رائعة أن تتخيّل المخرج واقفاً في
الحقل، غير واثق، لكنه منتعش ومبتهج.
5 ـ«أنت تحتاج إلى عقلك، قبل تصوير فيلمك وبعده. لكن
لا تستخدم عقلك أثناء التصوير. صوّر فحسب مستخدماً
غريزتك وحدسك».
ما أجده مثيراً أكثر بشأن أفلام كوساكوفسكي، التي
شاهدتها، هي الطريقة التي بها كاميرته الغريزية تتصل
على نحو جدلي بالأشكال التي يكتشفها في المونتاج.
الصور مركّبة في رصد هادئ وحليم.. حتى عندما تكون
وليدة نزوات غريبة. الصور تبدو مكتشَفة حتى عندما تكون
مؤداة.
6 ـ«حاول ألا ترغم الناس على تكرار فعل ما أو كلمات.
الحياة غير قابلة للتكرار ولا يمكن التنبؤ بها. انتظر،
أنظر، أشعر، وكن متأهباً لتصوير فيلمك مستخدماً طريقتك
الخاصة في التصوير. تذكّر أن أفضل الأفلام هي تلك غير
القابلة للتكرار. تذكّر أن أفضل الأفلام كانت مبنية
على لقطات غير قابلة للتكرار. تذكّر أن أفضل اللقطات
هي تلك التي تأسر لحظات من الحياة غير قابلة للتكرار
بطريقة في التصوير غير قابلة للتكرار».
الكثير من قوة صوره تنشأ من التفاعل الدقيق والبارع
بين الواقع المرئي بالمجهر والواقع المرئي بالعين
المجرّدة. وهناك بالتأكيد حس الأداء في الكثير من
اللحظات. لكن كاميرا كوساكوفسكي دوماً تثمّن التوترات
الغريزية، لذا فكل لحظة تبدو حيّة وغير قابلة للتنبؤ.
7 ـ«اللقطات هي أساس السينما. تذكّر أن السينما وقت
اختراعها كانت عبارة عن لقطة واحدة ـ وثائقية،
بالمناسبة- بلا أي قصة. قصتنا كانت داخل تلك اللقطة
فحسب. يجب على اللقطات، في المقام الأول، أن تزوّد
المتفرجين بانطباعات جديدة لم تتوفر لهم من قبل».
القصص تأتي من حقائق على الأرض يتم تسجيلها ثم تحويلها
إلى شعر خارق للطبيعة. سيارة لا تشتغل، شخصان يسيران
عبر بحيرة مكسوة بالسديم، نمل ينقل طعامه، حوت على
الشاطئ يتحول إلى قوس قزح.
8 ـ«القصة هي مهمة للعمل الوثائقي، لكن الإدراك الحسّي
أكثر أهمية. فكر، أولاً، بما سوف يشعره المتفرج أثناء
مشاهدته للقطاتك. بعدئذ، شكّل بناءً درامياً لفيلمك
مستفيداً من التغيّرات في مشاعرهم».
في أفلام كوساكوفسكي، تتفاعل العوالم التي يصورها ضمن
علاقة جدلية. المناظر الطبيعية تشهد على جمال العالم
الذي نقطنه، والمعقّد على نحو لانهائي. لاستحضار
الإحساس الأعمق بهذا، هو يلهو بالألعاب الخاصة
بالإدراك الحسي، يمارس مجموعة من الحيل التي تحرّك
المشاعر وتهيّج. الصور تصبح مائلة ومحرّفة. الانتقالات
بين اللقطات موظفة سحرياً لربط كل ما هو منفصل. ثمة
تحولات جذرية في المنظور: هكذا نرى، في سلسلة متعاقبة
من اللقطات المدهشة، لقطةً لأسد يشرب من تحت الماء، ثم
فرس نهر يغطس في البحيرة، والكاميرا تنحدر إلى أسفل
لتنتقل رأساً على عقب إلى محيط مجاور لبركان في هاواي.
إنه انبثاق حسّي. كل لقطة هي بمثابة دعوة لإعادة
التفكير.
9 ـ«العمل الوثائقي هو الفن الوحيد حيث كل عنصر جمالي
يمتلك دوماً مظاهر أخلاقية، وكل مظهر أخلاقي يمكن أن
يُستخدم جمالياً. حاول أن تظل إنساناً، خصوصاً عندما
تقوم بمونتاج أفلامك. ربما لا ينبغي للأشخاص الطيبين
أن يحققوا أعمالاً وثائقية».
من أعمال كوساكوفسكي يحصل المرء على إحساس إنساني
عميق. لكن الحياة لا تكون أبداً مبسطة. أفلامه غالباً
ما تكون ممتعة، حتى لو كانت صارمةً شكلياً. الحياة
كامنة ضمن البنى السينمائية.
10 ـ«لا تتبع قوانيني. اكتشف قوانينك الخاصة. هناك
دائماً شيء ما والذي لا أحد غيرك يستطيع أن يصوّره».
كوساكوفسكي مبدع سينمائي ينبغي الإصغاء إليه، وأفلامه
ينبغي أن تشاهَد للتعرّف على صوره المبتكرة، الأصيلة
على نحو مدهش، الحسيّة على نحو أخاذ، وللتعرّف على
أفكاره الخلاقة. |