يفيض كتاب
حوار مع فيلليني لمؤلفه الناقد السينمائي الإيطالي جيوفاني جرازييني بعذوبة
الكلمات وحرارة معانيها ودلالاتها التي زادتها القا وشاعرية تلك الترجمة
الدقيقة المستمدة عن نسخته الإنجليزية التي تغلف أحاسيس المخرج التي سجلتها
أفلامه العديدة وصارت من بين القامات في الفن السابع .. فالترجمة التي عكف
عليها الشاعر البحريني أمين صالح غدت في سطور الكتاب ثالوثا إبداعيا عقب رؤى
المخرج الساحرة والمتفجرة بالافتتان في تفاصيل الإنسان داخل واقعه اليومي أمام
لقيات وبراعة أسئلة محاوره الناقد جرازييني.
في الكتاب
الصادر حديثا ضمن سلسلة كراسات السينما التي دأبت مسابقة أفلام من الإمارات على
نشرها سنويا بانتظام ..نلمح الأساليب السينمائية المبتكرة التي اشتغل عليها
فيلليني في أغلبية أعماله والمقيدة بحكم سنة إصدار نسخة الكتاب الإيطالية التي
تعود إلى العام 1985 والظروف التي أدت إلى انتشارها عالميا وهو الرجل القادم
إلى هذا الحقل الإبداعي من عالم الصحافة ورسومات الكارتون ليغدوا واحدا من ابرز
صناع السينما العالميين وأكثرهم شهرة وتأثيرا وإعجابا وجدلا.
يعبر فيلليني
في إجاباته على أسئلة محادثه بالكثير من الافتتان بالفرد ومواقفه أمام سطوة
وتعقيدات حراك الحياة فهو يراوغ حينا ويصرح أحيانا بما أملته عليه الفطنة
والذاكرة وسعة الخيال مستعيدا محطات من طفولته ومراهقته وشبابه وعشقه لعالم
السيرك وانغماسه في أعمال مختلفة وما اختزنته من أحداث ومواقف مؤثرة وظواهر
تعايش معها بصبر وجلد قبل أن يقف وراء الكاميرا مساعدا ومخرجا.
يكشف فيلليني
عن صوره السينمائية المستقاة من مفردات واقع بلدته الصغيرة وتفاعلها المتصل بين
الواقع والخيال وما يحيط بها من غموض مكنه من تقديمها بجرعات عالية من الصراحة
والجرأة في أفلامه التي كثيرا ما اعتبرها عشاق السينما مليئة بالتعقيد والتشابك
كونها مغايرة لأشكال السرد السينمائي المتعارف عليها في أفلام السينما
التقليدية التي تحتشد بها صالات العرض .
يسجل المخرج
صورا بديعة لتلك التفاصيل الهامشية ويركز عليها باندفاع تنكر معرفة كل العوالم
باستثناء عالم السينما ومع ذلك يمضي في تحليل تلك العوالم الأخرى بادراك شديد
ونفاذ بصيرة حادة بحيث يضع القاريء أمام مراة تفضح له جوانب من حياة مجتمعه
الإيطالي وما يدور فيه من صراع بين الأجناس المتضادة هناك : البشاعة والجمال
وأوجه الفقر والثراء..
وقس عليها ذلك
الصراع المحتدم بين الأجيال وعوالم التناقضات بين الشباب والشيوخ أو بين رجال
الدين والسياسة والأبعاد السايكوبوتية للشخصيات ورمزيتها في خضم التحولات التي
تعيشها ايطاليا بين مد وجزر يجسدها على الشاشة وكأنه في لحظة حلم.
إجابات
فيلليني على أسئلة محاوره البسيطة وغير التقليدية مفعمة بخصوبتها ورصانتها
وشفافيتها في مزيج بارع وسلس يحسن فيلليني في الانفلات من دوائرها إلى حيز واسع
ينطلق من نشاطه السينمائي إلى سعة تفكيره الذي يتفتح على دواخل وبواطن مبدع
صاحب ثراء مدهش في عوالمه وافق خياله الرحب وانطباعاته عن المدن والأفلام
والأشخاص وما علق في ذاكرته من تفاصيل .. والنتيجة هذا الكتاب النقدي اللافت في
توجهه الفكري والجمالي .