في هذا
الكتاب، الذي هو عبارة عن حوار مطوّل أجراه- في بداية الثمانينات من القرن
الماضي- الناقد السينمائي الإيطالي جيوفاني جرازيني مع فدريكو فلليني،
وهو واحد من أكثر المخرجين شهرة و تأثيرا في السينما العالمية، و من الذين
صاغوا عبر أفلامهم البارزة والهامة عالما خاصا و متميزا تجسدت فيه رؤيته
الفنية والفكرية.
في هذا
الكتاب يعبّر المخرج الكبير عن رؤاه و وجهات نظره ومواقفه تجاه شؤون الحياة
والفن. كما يقدم بسخاء شديد، لكن بمراوغة صريحة، ما تمليه الذاكرة والمخيلة، مستحضرا طفولته و مراحل مراهقته وشبابه.. بكل ما يتصل بها من
دعابات ومخاوف وأحداث وظواهر.
ومثلما
تتسم صوره السينمائية التي يخلقها في أفلامه بالتعقيد والتشابك، كذلك تبدو
تصريحاته ورواياته.. ذلك لأن الحياة، بالنسبة إليه، هي تفاعل متواصل بين
الواقع والخيال، بين ما هو ظاهر على السطح والغموض الكامن في الأسفل.
فلليني،
التلميذ الصغير، يكون حاضرا بدنيا في غرفة التدريس، بينما ذاته الباطنية
تجول وتطوف في أنحاء بلدته ريميني وتفرّ لتنضم إلى عالم السيرك.
فلليني،
المخرج المبدع، يسجل صور الحياة اليومية، بينما يعيد تشكيلها بحيث تتفق
وتنسجم مع أحلامه.
فلليني،
المعلق البارع، ينكر معرفة كل العوالم باستثناء عالم السينما، مع ذلك يمضي
في تحليل تلك العوالم الأخرى بادراك شديد ونفاذ بصيرة حادة.
الشباب و
الشيخوخة، الدين والسياسة،السيكولوجيا والرمزية، إيطاليا وهي ترشح وتتقطر،
الواقع وهو يتحول إلى حلم..كل هذه الأمور تكون مصفاة من خلال العدسات
المزدوجة لرؤيته الخاصة.
الأسئلة
ليست تقليدية، ليست "صحفية" لملء حيز معين حول نشاط فنان و آرائه، إنما هي
مصممة ببراعة لاستنباط ردود ذات عمق وسعة في أفق التفكير. ومن هذه الردود
والاستجابات تتفتح، إلى حد ما، دواخل وبواطن هذا السينمائي الفذ، إضافة إلى
غنى وخصوبة عوالمه،تخيلاته، ذكرياته، وانطباعاته.
إجابات
فلليني تحمل ثقلها وخفتها معا، في مزيج بارع وسلس.. والثمرة النهائية كتاب
فني وفكري فريد وملفت..نظرة قريبة جدا من الحياة والفكر.
أمين صالح