يحاول
تاركوفسكي في كتابه «النحت في الزمن»، أن يوضح «نقطة» أو «نقطتين»
حول مسألة اللغة السينمائية، التي يجدها لم تحسم بعد. ولعل أهم فصلين في
فصول
الكتاب التسعة، هما الفصل الثالث الذي يخصصه للحديث عن الزمن في السينما،
والفصل
الخامس الذي يخصصه للحديث عن الصورة السينمائية وعلاقتها
بالمونتاج
والسيناريو.
يجد
تاركوفسكي في لحظة عرض فيلم لوميير «وصول قطار إلى المحطة»، وهو الفيلم
الذي أعلن ميلاد السينما، بأنها لم تكن اللحظة التي أعلنت ظهور طريقة تقنية
جديدة،
ولا أسست لطريقة إعادة إنتاج العالم، إنما كانت اللحظة التي
وجد الإنسان فيها وسيلة
الإمساك بالزمن وطبعه، وصار بالإمكان، لأول مرة، الاحتفاظ بإيقاع الزمن،
ربما إلى
الأبد!
على ذلك
يكون نحت الزمن هو الأساس في عمل المخرج، فكما يأخذ النحات كتلة من
الرخام ليزيل عنها كل ما هو ليس جزءاً منها، يأخذ صانع الفيلم كتلة من
الزمن لينحت
فيها. ترصد الصورة المتحركة، جوهرياً، ظاهرة ما، ولكي تصبح
سينمائية على نحو
حقيقي، لا يكفي فقط أن تعيش الظاهرة ضمن الزمن، إنما أيضا يعيش الزمن
داخلها، وهذا
ما
يجعل زمن إيقاع الصورة المطبوع، يملي مبدأ التأليف المونتاجي الخاص،
وبالقدر
الذي يظهر في الصورة إحساس مبدع العمل بالزمن، تكون بصمته
الخاصة مرئية في
المونتاج.
لقد
ابتكرت السينما لتسجيل الحركة: حركة الأشياء الخارجية، المنظورة
بالعين، وإعادة تشكيل سيرورتها في الزمن، أي في التشكيل، الذي يربط عضوياً
وجود
الصورة بالمونتاج. إن لغة الصورة هي حياكة الزمن وحركته، وبهذا يصبح
الإيقاع، وليس
المونتاج، هو عنصر الشكل السائد في السينما. يمكننا، بناء على
هذا المفهوم، أن
نفهم الزمن كأساس لفن السينما، فكما الصوت في الموسيقى، والشخصية في
الدراما واللون
في الرسم، يكون عنصر البناء السائد في الفيلم هو الزمن.
لا ينظر
تاركوفسكي، في نفس الوقت، إلى السيناريو بوصفه نوعاً من الأدب، لأنه إن
كان قطعةً أدبيةً رائعة فمن الأفضل له أن يبقى كذلك.فالسيناريو يعد، أصلاً،
ليكون
فيلماً، وحينما يصبح كذلك، تفقد نسخة سيناريو التصوير أي قيمة
أدبية مستقلة.
ينقسم
السينمائيون، حسب تاركوفسكي ايضاً، إلى فئتين، واحدة تخلق عالمها الخاص،
وأخرى تعيد خلق الواقع، لكنه يجد أن الفنان السينمائي، حينما يخفق في
إيجاد مفتاح
إبداعه الخاص، يصبح عمله عقيماً وغير مجدٍ. في دراسته
التاريخية حول المونتاج،
يقترب جان ماري بيترس من مقولة تاركوفسكي عن الإيقاع، لكن وفق رؤية مختلفة،
لأنه يرجع
الإيقاع، كنظام، إلى حقل المونتاج ويعده وظيفة نوعية تشابه عملية
التنفس في الحياة، كما أنه يلفت نظرنا إلى التوضيح الصائب الذي ثبتته
الناقدة
سوزانا لانغر عن النظام الإيقاعي المكوّن لعناصر العمل الفني،
وعدته بمثابة حافز من
التوتر، يقوم فيه التوتر اللاحق بنفي التوتر السابق باستمرار، مما يقود إلى
تماسك
العمل الفني ويخلق عند المتفرج توتراً موازياً، إذ يثير عنده أسئلةً تبحث
عن أجوبة.
وتزيد هذه العملية من طبيعة التوتر إلى أن يبلغ ذروته في النهاية. *الكتاب
صادر عن
وزارة الإعلام في مملكة البحرين/ .2006 ترجمة الناقد أمين صالح
alzubaidi@surfeu.de