ان
فيلم " قائمة شيندلر "
Schindler’s List
لستيفن سبيلبرغ حدث سياسي هام جداً، خاصة وانه يعرض
في وقت يتزايد فيه القلق حول انتهاكات حقوق الإنسان في كثير من دول
العالم.
يحمل
الفيلم رسالة قوية حول الجريمة والخلاص إلى المشاهدين الذين انجذبوا
إلى الفيلم أينما عرض. فكثير منهم يتعرف، وللمرة الأولى، على حقيقة ما
حدث في معسكرات الموت النازية، وهم يشعرون، أو يعبرون عن أسفهم وغضبهم
من أجل أولئك الذين عانوا من الرعب والجرائم السادية البشعة.
ويتلخص
الإسهام الملحوظ لهذا الفيلم، الذي يشكل الأساس لتأثيره السياسي
الكبير، في إيصال الحقيقة إلى عدد كبير من الناس العاديين الذين لم
يمروا أبدا بمثل هذه التجارب. وهذا يمثل توجيه ضربة ساحقة للنازيين
الجدد الذين يحاولون إقناع الناس في جميع أنحاء العالم بأن المحارق لم
تحدث أبداً، على الرغم من الدلائل الدامغة بما في ذلك روايات لشهود
العيان.
ما
فعله فيلم " قائمة شيندلر " - الذي كتب قصته الروائي توماس كينالي
والمستمدة أحداثها من وقائع حقيقية - هو انه نفخ الحياة في هذه الأدلة.
أهم ما
يركز عليه النازيون الجدد هذه الأيام هو إنكارهم حدوث الجرائم الجماعية
التي اقترفت بيد معبوديهم النازيين، على الرغم من ان هذا الإنكار هو
نوع من الاعتراف الموارب بالجرائم التي اقترفت بحق البشرية.
في
الواقع ، ان كل محاولات النازيين، منذ نصف قرن، على إخفاء سر معسكرات
الموت كان اعترافاً قبيحاً منهم بالذنب، وليس زعماً على التفوق العرقي.
يقول
المؤرخ الألماني الراحل الكسندر روستـو في كتابه الرزين "الحرية
والهيمنة "
(1980)
: "ان
النازيين، مثل أقرانهم من الفاشيين والامبرياليين، يحاولون إنكار ان
ضحاياهم كانوا بشراً ".
هذا
الفيلم يكشف زيف هذه المقولة، ليس من وجهة نظر أوسكار شيندلر وجمهوره
وحسب، بل يمكن اكتشاف ذلك في عيون قائد معسكر التعذيب السادي آمون غوت
ومحاولاته الواهية لإخفاء الحقيقة.
يترك
فيلم " قائمة شيندلر" جمهوره بمشاعر إيجابية ملحوظة بدلاً من الإحباط
والاشمئزاز، فمن أجل إثارة التعاطف القوي مع ضحايا البغض الديني
والعرقي فانه يثير آمال الفداء والخلاص فينا، ويقول انه في مقدورنا
نحن، كأناس عاديين، أن نفعل ما فعله أوسكار شيندلر في آخر الأمر: سلك
مسلكاً بطولياً وشجاعاً من أجل إنقاذ أرواح آلاف الناس الأبرياء.
ويجعلنا نطرح على أنفسنا هذا التساؤل: ماذا كنت سأفعل، وماذا سأفعل
الآن إذا واجهتني نفس المخاطر؟. هل أملك الشجاعة للمواجهة من أجل أولئك
الناس، أو هل سأتنحى جانباً - مهما كان شعوري بالذنب - وأهتم بنفسي
وعائلتي؟.
انها
أسئلة صعبة جداً تعكس الواقع المعقد لأنفسنا ولعالمنا. فمخاطر المقاومة
نيابة عن الآخرين كبيرة جداً، وباهظة الثمن أيضاً، بحيث لا يمكن لأحد
أن يتنبأ بما سيفعله حين يواجه العدو الحقيقي. ولكن مشاهدة فيلم "قائمة
شيندلر " ترينا كيف ان رجلاً طيباً استطاع أن يقف في وجه الشر، وان
بإمكان الناس العاديين أن يفعلوا الشيء نفسه، كما فعل غيرهم من قبل.
ولكن
ما الذي يجعل حدوث ذلك ممكناً ؟. يطرح جيمس ويلسون، الأستاذ بجامعة
كاليفورنيا في لوس أنجلوس، في كتابه "الحس الأخلاقي "
(1993)
كيف يتصرف بعض الناس وهم في
أوضاع تتطلب أكثر المخاطر احتمالا لكلا الضحية والمتفرج، مستشهداً
بمقابلات أجراها صامويل وبيرل أولينير مع أكثر من أربعمائة شخص أوروبي
من غير اليهود، والذين ساعدوا اليهود في النجاة من معسكرات الموت
النازية.
كتب
ويلسون: " يبدو ان السبب الرئيسي أخلاقي، فإما انهم شعروا بتعاطف شديد
مع ضحايا المحرقة، أو شعروا بأنهم مجبرون على إتباع إرشادات بعض
الأشخاص الموثوق بهم، أو آمنوا ببعض المباديء كالعدالة والإنصاف التي
تمنع معاملة أي شخص كان بهذه الطريقة ".
تصرف
معظم المنقذين كان بناء على مواجهتهم لأشخاص مهددين، وليس نتيجة
إيمانهم بمباديء مجردة أو بغضا للنازيين. بعضهم اعترف بأنهم لو لم
يجربوا مثل هذه المواجهات مع اليهود لما فعلوا شيئاً.
في
دراسة أخرى أجراها ويلسون أظهر بأن الذين أنقذوا اليهود كانوا أناساً
عاديين لديهم تلقائية غير عادية للتخفيف عن معاناة الغير، ومعظمهم
يحمل مشاعر عائلية حميمية يمكن أن تمنح للآخرين.
الأيام البحرينية في 10 أبريل 1994
|