O
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 

حصافة نقدية تلتقط المختلف في السينما العربية

بقلم: قيس قاسم

 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 

يصل الناقد السينمائي والكاتب البحريني حسن حداد في سلسلة كُتبه المُعنونة "أفلام لا تغادر الذاكرة" إلى السينما العربية، بعد ثلاثة أجزاء اختصت بالسينما الأجنبية وتضمنت قراءات نقدية لأفلام سينمائية عالمية. أفلام لجماليات اشتغالها وعمق معالجاتها الإنسانية ترسخت في ذاكرته وحتى يتشارك معه القارئ العربي متعة مراجعاتها النقدية، يقرر جمعها في كتب مستقلة يَسهل على متلقيها وعلى المهتم والشغوف بفن السينما الاطلاع عليها والتقرب من رؤيته لها كناقد سينمائي مُلّم بتفاصيل الاشتغال السينمائي ومُشخص دقيق لبواطن القوة والجمال فيها. من السهل ملاحظة تعمق حداد في تحليل الفيلم العربي. هذا متأتٍ وقبل كل شيء من التقارب البيئي، والتفاعل المعرفي بينه كناقد عربي وبين الأفلام التي يختارها من بين بقية نتاجات عربية شاهدها طيلة عقود.

ومثل كل كاتب وناقد سينمائي رصين، يتجنب حداد الفذلكة اللغوية في كتاباته عنها، فهو يذهب مباشرة إلى العمق، رابطاً قراءاته لها بمعارفه وقدرته على تحليل مضامينها وفق ثقافته السينمائية الواسعة المتجاوزة سطحية التعامل مع المنجز الفيلمي بوصفه وسيلة امتاع عابرة! لهذا نراه يجمع في كتاباته بين التحليل المعرفي للفيلم وبين التشخيص الدقيق والتأشير اللماح إلى الجوانب الفنية والجمالية فيه. يرفق كل ذلك وعلى الدوام بمعلومات (كرديت) عن الفيلم الذي يختاره ويشرع في الكتابة عنه.

بهذا الأسلوب الكلاسيكي في الكتابة النقدية يؤكد وربما ـ من دون قصد ـ شغفه بالأرشفة، وقناعته بأن كل معلومة إضافية عن الفيلم تُفيد المتلقي وتُعينه على فهم أفضل لما يُشاهده على الشاشة، وعلى مستوى أكبر هي بالنسبة إليه بمثابة "الطُعم" الذي يغوي به المتلقي للاقتراب من عالم السينما، التي يحبها ويحب أن يتشارك غَيْره معه في حبها. في كتابة الرابع "أفلام لا تغادر الذاكرة - رؤية نقدية لأفلام عربية" (٢٠٢٤) يخطر على بال المعني بقراءته، السؤال الملحاح، عن جدوى جمع بعض من تلك المقالات المنشورة وضمها في كتاب مستقل، وضمناً تلحقه أسئلة ملازمة عن الجامع والقاسم المشترك بينها؟

قراءة الكتاب وحدها تكفي للإجابة عن تلك الأسئلة، وتُقدم الوحدة الداخلية للمقالات المختارة بنفسها المسوغ الإبداعي لنشرها في كتاب مستقل. أما الجامع والقاسم المشترك بينها فيأتي من تَميّز الأفلام المكتوب عنها، عن بقية نتاج سينمائي عربي متعدد المستويات، يتابعه حداد منذ عقود، وبحكم قدرته على التقاط المختلف فيه عن السائد، يسهل عليه التوقف عنده ومراجعته نقدياً. بهذا المعنى فأغلب المقالات المختارة هي عن أفلام عربية يجمعها الاختلاف عن غيرها في مستوى معالجتها لموضوعات اجتماعية وسياسية شديدة الصلة بالواقع العربي وتأزماته، إلى جانب جودة اشتغالها السينمائي.

هذا ما يجده حداد على سبيل المثال في "حكاية بحرينية" (٢٠٠٧) للمخرج المبدع بسام الذوادي: "في فيلمه الأخير يتجاوز "الذوادي" الكثير من الصعاب، ليقدم حكايات "فريد رمضان" وحالاتها المليئة بالصدق والشاعرية.. شخصيات مفعمة بالواقعية.. تحاول أن تقول الكثير عن واقع معيشي مؤلم وحياة اجتماعية صعبة". "فريد رمضان" ليس هو البطل بل هو كاتب السيناريو والمعلومة الخاصة به، مثبتة في "كرديت" الفيلم التي يحرص حداد على وضعه في مقدمة كل مقال يكتبه، وبهذا يجمع في كتاباته بين المعلومة المفيدة والتحليل الجاد الذي لا يخلو من ملاحظات نقدية يجد ضرورة لتثبيتها رغم إعجابه بالمنجز الذي يكتب عنه: ".. لاحظنا بأن بعض المشاهد والأحداث قد أوحت لنا بأننا نشاهد دراما تلفزيونية.. وليس فيلماً سينمائياً".

وفي مقاله عن فيلم "عمارة يعقوبيان" (٢٠٠٧) لمروان حامد يتوقف عند أبطاله وتأزماتهم النفسية والاجتماعية ".. ثلاث شخصيات، متناقضة ولا يجمعها سوى السكن في العمارة.. شخصيات مهزومة سقطت في بحر ملذاتها، أو اضطرتها الظروف للسقوط.. ومع إدراكهم بالخطر المحيط بهم، فهم يحاولون الخروج من أزماتهم بأقل الخسائر..".

وفي منجز "إيليا سليمان "يد الهية" (٢٠٠١) يلتفت الكاتب إلى المدهش وغير المتوقع في اشتغاله الجمالي والأسلوبي ".. فالفيلم الذي توقع له أن يحكي قصة الكفاح والنضال الفلسطيني في مواجهة الهجمة الإسرائيلية الشرسة، إلا أن ذلك لم يتم بالشكل التقليدي الذي عودتنا عليه مجمل الأفلام العربية، فالمتفرج العربي هنا، وحتى الغربي، قد أصيب بدهشة من تلك الصورة الحية التي عرضها "سليمان" بجرأة وحكمة. صورة تسجل للحياة اليومية بدون رتوش أو مداراة.."

على هذا المنوال يذهب حداد في كتاباته مقدماً فيها رؤيته النقدية التي يضفي عليها أسلوبه السلس متعة قراءة لا بد من توفرها في أي كتابة نقدية، وعند حسن حداد الكثير منها.

 
 

المدى العراقية في

19.09.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004