ومن الواضح بأن الفكرة
التي تناولها سعيد مرزوق في فيلمه هذا، هي فكرة جيدة، إلا أنها
جاءت بسيناريو تقليدي في معظمه. هذا إضافة إلى احتوائه على ثغرات
فنية، أهمها ذلك التغيير المفاجئ الذي حدث للشخصية المحورية.. من
الثقة التامة بالنفس والجرأة الزائدة في مناقشة أسباب الخوف، إلى
النقيض تماماً. فقد كان من الطبيعي بأن تعالج الشخصية في البداية
بشكل درامي يوحي بأنها تعيش حالة من القلق أو شيء أقرب إلى الخوف.
خصوصاً وأن هذا التحول المفاجئ قد جاء مباشراً. كما أن النهاية
المباشرة للفيلم والمبالغ فيها إلى حد كبير، قد جاءت لتنسف الكثير
من الأفكار الجيدة التي سعى الفيلم إلى إيصالها إلى المتفرج.
كما لا ننسى الإشارة إلى
أن المخرج قد نجح في اختياره لمكان التصوير، حيث تدور الأحداث في
القاهرة القديمة (حي الحسين + خان الخليلي). وهو اختيار قد أضفى
بعداً تاريخياً ونفسياً موحياً خدم الفيلم وموضوعه كثيراً، حتى أن
المخرج عندما خرج بالكاميرا من تلك الأحياء القديمة، انتقل بها إلى
المتحف المصري متنقلاً بين آثار الفراعنة والمماليك، حيث اعتبر هذه
الآثار هي المسئولة عن زرع بواعث الخوف في أعماق الشعب المصري..
(...قصدت بقدم المكان هو قدم الخوف المسيطر علينا.. أما الناحية
الحضارية فقد كانت موجودة في الشخصيات.. في الأفكار والملابس
والسلوك.. أما المكان فوظيفته إضفاء ذلك العمق التاريخي على فكرة
الخوف...).
ثم لابد إلى التطرق إلى
العنصر الأهم في هذا الفيلم، ألا وهو التصوير، حيث كانت كاميرا
مدير التصوير المتميز طارق التلمساني هي البطل الحقيقي في الفيلم.
فقد لعبت الكاميرا دوراً حاسماً في تعميق الأحداث درامياً، وتجسيد
كافة المشاعر والأحاسيس الملازمة للخوف، والذي تجسد في مشاهد
كثيرة، أهمها ذلك المشهد الافتتاحي في الصعيد، حيث كانت اللقطات
وزوايا التصوير مدروسة بعناية فائقة شملت تكوينات جمالية إبداعية
للكادر، ذكرتنا بمشاهد من الفيلم الأسطورة (المومياء) للعبقري شادي
عبد السلام. كما أنها (الكاميرا) كانت في حركة دائمة، منسابة
بتلقائية وسلاسة من خلال حركات بانورامية سريعة وشاريوهات جميلة
وممتازة. وبذلك استحق الفيلم جائزة التصوير في مهرجان عنابة
بالجزائر.
وختاماً.. لا يسعنا إلا
القول بأن سعيد مرزوق فرصته في أن يخلق من فكرته الجيدة للفيلم،
فيلماً جيداً ومتميزاً.. وقدم فيلماً تقليدياً أضاع الكثير من
إمكانيات هذه الفكرة الفنية. |